الرد المصرى بات معروفاً لدى الكيان
حروب وصراعات لا تنتهى بل تشهد مزيداً من الاشتعال، وتكسير عظام بين القوى الكبرى تأخذ أشكالاً عديدة وإن كانت الحروب الاقتصادية وصراعات النفوذ والمصالح تطفو على السطح لأن المواجهة العسكرية ستكون كارثية بكل المقاييس نظراً للتطور الرهيب فى منظومات التسليح وأسلحة الدمار الشامل، لكن كل ذلك يندرج تحت عنوان الصراع الدامى على النظام العالمى، بمعنى آخر بين النظام العالمى القديم والقائم والذى يسعى للاحتفاظ بالنفوذ والهيمنة وقيادة العالم لكنه يفقد وينزف الكثير من رصيد قوته وأيضاً مصداقيته وأخلاقياته، وبدأت قواعده تتآكل، فى ظل وجود بعض القوى الدولية الصاعدة والمتمردة على هذا النظام، وهناك أيضاً نظام عالمى جديد يتطلع أن يأخذ مكانه فى قيادة العالم، ربما يكون هذا النظام متعدد الأقطاب، لكن القلق الأمريكى الذى يؤرقه ويقض مضاجعها من الصين تحديداً التى تواصل الصعود، وتهدد النفوذ الأمريكى خاصة على الجانب الاقتصادى، ولذلك تسعى واشنطن إلى تحييد بعض القوى المتحالفة مع الصين خاصة روسيا، وهو ما يفسر سر الرومانسية التراجعية مع موسكو أو الرئيس فلاديمير بوتن.. ربما تسعى أمريكا لتهدئة إيقاع الصراع فى الشرق الأوسط من أجل التفرغ للمعركة المشتعلة مع الصين، فى ظل المفاوضات الأمريكية – الإيرانية ومحاولات واشنطن تجميد أو تأجيل أو إلغاء الهجوم على طهران، ورفضها تلبية مطالب نتنياهو فى الإجهاز على البرنامج النووى الإيرانى.
بداية الحرب الأمريكية الاقتصادية على الصين غير مبشرة للجانب الأمريكى بعد رفع الرسوم الجمركية على البضائع الصينية إلى 245٪، وهو الأمر الذى واجهته بكين بإجراءات مضادة والمعاملة بالمثل، لكنها نقلت بكين المعركة إلى كشف المستور، للمواطن الأمريكى أن السلع والمنتجات المشهورة »البرندات« تباع للمواطن الأمريكى بعشرات الأضعاف رغم أنه يتم تصنيعها لصالح الشركات والمصانع والماركات الأمريكية بأرقام وأسعار لا تذكر، وهناك أحاديث عن تراجع أمريكى وشيك، ورغبة فى التفاوض مع الصين، لكن الهدف الأمريكى واضح هو ضرب صعود التنين الصينى، وأيضاً ضرب مصالحه ونفوذه وتمدده فى العالم اقتصادياً وتجارياً خاصة فى الشرق الأوسط وأفريقيا، وهو ما يفسر اشتعال الأحداث فى المنطقة، فالقضية وحقيقة الصراع الذى تتصدره دولة الاحتلال الإسرائيلى فى الواجهة يعكس شبكة مصالح كبيرة بين التحالف الصهيونى – الأمريكى، وبعض دول الإقليم فى محاولة رسم وصياغة المنطقة والتكويش والهيمنة على مواردها وثرواتها، وإقامة مشروعات تحقق مصالح هذا التحالف وإقامة خطوط بين أعضاء هذا التحالف والاستحواذ على تصدير النفط والغاز إلى أوروبا.
خريطة التحالفات فى المنطقة تتغير بشكل جذرى والإصرار على استمرار العدوان، وإشعال الصراع فى المنطقة هو جزء مهم من الصراع العالمى بين نظامين قائم وقديم يريد الاستمرار بلا منافسين، وجديد يتطلع ليكون البديل فى ظل صعود الصين وتنامى قدرات بعض دول المنطقة التى تقف حجرة عثرة ضد المشروع الصهيو – أمريكى وبعض دول الإقليم فى محاولة رسم اـلمنطقة وابتلاع الدول وصياغتها من جديد بما يحقق أهداف هذا التحالف، لكنها فى النهاية حرب المصالح الدامية.
لكن السؤال الأول المهم: من سيحسم هذا الصراع؟ الحقيقة أن الأقوياء ستكون لهم الغلبة ولكن القوة وحدها لا تكفى، فالحكمة وبُعد النظر والأوراق الكثيرة، وعبقرية إدارة الصراع.. كل ذلك سيكون عامل الحسم، فمن الواضح أن الإدارة الأمريكية تتخذ قرارات غير مدروسة وهناك حالة من التخبط والارتباك والعشوائية.. فالرئيس دونالد ترامب يتبع أسلوباً غريباً لم يحقق نجاحاً حتى الآن وهو الخلط بين مفهوم السياسة، ومفهوم البيزنس والصفقات العقارية، أو محاولات فرض الأمر الواقع بالصوت العالى والتهديد والوعيد ولم تتمخض هذه السياسة عن أى نتيجة إيجابية، سواء مع كندا أو أوروبا أو المكسيك أو الدانمارك جزيرة »جرين لاند«، ولم يفلح أيضاً فى غزة، ومحاولات ومطالبات غريبة بتهجير الفلسطينيين من القطاع إلى مصر والأردن، بزعم تحويلها إلى ريفيرا أو مشروع عقارى عالمى، وهو الأمر الذى تصدت له مصر بحسم وقوة واعتبار ذلك خطا أحمر ومن المستحيلات، ووصف الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون الأفكار الأمريكية الشاذة بأن غزة ليست مشروعاً عقارياً ولكن أكثر من 2 مليون لهم حقوق مشروعة، وأن البقاء على أرضهم ووطنهم هو أهم هذه الحقوق.
لذلك العالم يرفض بشكل واضح سواء فى أوروبا أو روسيا والصين التى أعلنت مع ماليزيا فى قمتهما الأخيرة عن رفضهما القاطع لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة تحت مختلف الظروف، ومصر ربحت تأييد العالم والعرب لرؤيتها بشأن خطة إعمار غزة دون تهجير الفلسطينيين وهناك مؤتمر دولى لتمويل هذه الخطة.
فى ظنى أن الولايات المتحدة سوف تسعى خلال الفترة القادمة بعد فشل كل حساباتها وتقديراتها والأوهام التى سوَّقها لهم نتنياهو وحكومته المتطرفة إلى تهدئة الصراع فى الشرق الأوسط وإنهاء العدوان لأن واشنطن وتل أبيب لديهما مشاكل جمة فى الداخل فى رفض أمريكى لسياسات الرئيس ترامب وهذا التيار يتنامى بقوة، تحت شعار أن أمريكا فى خطر، وربما نشهد تحركات من الدولة الأمريكية العميقة بعد وصول الأمور إلى الكونجرس واشتعال الشارع والحديث عن عوائد وأرباح لفئة معينة من إجراءات رفع الرسوم الجمركية ثم التراجع عنها فيما عدا الصين، والاتهامات طالت الرئيس ترامب نفسه وشركاته، فى المقابل فإن الداخل الإسرائيلى بات رافضاً لسياسات نتنياهو وهناك تمرد وعصيان داخل جيش الاحتلال ورفضه مواصلة العدوان على قطاع غزة، وأيضاً الصخرة الصلبة، التى تحطم عليها مخططات نتنياهو وداعميه وهى مصر بمواقفها الصلبة والشريفة ورفضها القاطع والحاسم للتهجير، ورسائلها وإجراءاتها على الأرض لكل من يفكر فى المساس بالخطوط الحمراء المصرية، وحالة الجنون فى الإعلام ولدى المسئولين فى إسرائيل، والأحاديث عن قوة مصر وجيشها، وأنهم لا طاقة لهم بمصر وبالتالى فإن الرد المصرى بات معروفاً لدى الكيان فى حالة التفكير فى تهديد الأمن القومى المصرى.
الحقيقة أن خريطة التحالفات تتغير بإيقاع سريع فى حرب المصالح والأوهام، وأيضاً فى ظل الصراع المشتعل بين النظامين العالميين القديم، والمتطلع، والسؤال: أين تقف مصر من كل ذلك؟ الحقيقة أن »مصر – السيسى« تجهزت مبكراً للاستعداد لهذه اللحظة، وبدأت طريق القوة والقدرة قبل 11 عاماً، وهذه القوة والقدرة الرادعة تدار بحكمة وحسابات وتقديرات دقيقة وبصبر إستراتيجى محسوب بدقة، وأوراق كثيرة على كافة الأصعدة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، ودبلوماسياً، فمصر قوة إقليمية عظمى ولديها شراكات مؤثرة وبدائل قوية للتحرك، لكن الأساس أنها قادرة منفردة على حماية مصالحها وأمنها القومى، لذلك أقول إن مصر مع مصالحها وأهدافها الوطنية وحماية أمنها القومى، وثرواتها ومقدراتها ووجودها لذلك تخوض حرباً وجودية دفاعاً عن حقها وقدسية أراضيها، ومصالحها وأيضاً عن أمتها العربية، فمصر ستظل دائماً مع الحق والشرف والبناء والسلام.