يثور جدل كبير خاصة بعد الأزمات العالمية المتتالية حول طبيعة دور الدولة الاقتصادى فى المرحلة المقبلة، وإن كان يحكم آفاق هذا الجدل تصورات قصيرة الأجل حول التعافى الاقتصادي، بينما يغيب تناول كلى ومعمق حول إعادة تعريف وتحديد دور الدولة الاقتصادى كجزء لا يتجزأ من عملية إعادة تصميم نموذج التنمية ككل، وهو الدور الذى لعبته مصر بكفاءة عالية خلال الفترة الماضية، تحديدا بعد عام 2016 عبر إطلاق مفهوم الدولة التنموية، الذى كان بمثابة حائط الصد أمام الأزمات العالمية، وقد عكفت مصر خلال الفترة الماضية على طرح نموذج للإصلاح الاقتصادى يقوم على التمكين التكنولوجى والصناعي، عبر ارتباط النموذج المصرى بنموذج عالمي، وقد كان هذا النموذج هو النموذج الياباني، وقد سلكت اليابان طريق التنمية الاقتصادية مستفيدة من التكنولوجيا المستوردة من الغرب، ومعتمدة على مواردها، وقدرة الشعب اليابانى على الاستجابة للمؤثرات الخارجية فى مجال الصناعة والتكنولوجيا بطريقة ديناميكية لم تلغ ثقافته وأصوله، وكان الحافز للنهوض باليابان هو الشعور القومى لدى اليابانيين ورفعهم لشعار (بلد غنى وجيش قوي)، وقد لوحظ أن هناك أربعة عوامل رئيسية سمحت بهذا النمو الفائق السرعة وهى التغيير التكنولوجي، وتراكم رأس المال، وزيادة كمية ونوعية العمالة، وزيادة التجارة الدولية، فبالنسبة للتغيير التكنولوجى استخدمت الحكومة اليابانية السياسة النقدية التوسعية لخلق أموال رخيصة، بحيث أصبح لدى الصناعات المتنامية إمكانية الوصول إلى الأموال منخفضة التكلفة، ثم أخذ اليابانيون التقنيات الجديدة التى استوردوها وقاموا بتحسينها بأنفسهم، ما جعل التكنولوجيا أكثر كفاءة بنسبة 20٪ من خلال التخطيط الإستراتيجي، وسخر اليابانيون رءوس أموالهم للاستثمار فى الصناعات التحويلية سريعة النمو، وهو ما تفعله مصر حالياً بالارتكاز على الصناعات التحويلية كأول ضلع من أضلاع مثلث الإصلاح الاقتصادى الثاني، وبالنسبة لتراكم رأس المال من أجل تحقيق التوازن بين هذه الاستثمارات الكبيرة وتجنب التضخم المرتفع للغاية، كان هناك أيضاً معدل مرتفع للادخار الشخصي، ومع ذلك كانت التجارة الدولية من العوامل التى سمحت لليابان بالبقاء فى صدارة منافسيها عبر قدرة الشركات على مواكبة التغيرات، وزيادة الصادرات وبالتالى تحقيق نمو اقتصادى حقيقي، وعلى الرغم من مرور ٨٧ عاما على نهاية الحرب العالمية الثانية، تظل العديد من عناصر الانتعاش الاقتصادى اليابانى ذات صلة بمجتمعنا ويمكن تطبيقها حالياً على النموذج المصري، ويتزامن هذه الطرح مع مرور 70 عاما على الشراكة بين مصر واليابان، لذا سلطت الجايكا (منظمة حكومية مستقلة تقوم بتنسيق المساعدة الرسمية للتطوير لحكومة اليابان، محاور الشراكة مع مصر فى مجال التأمين الصحى الشامل وتنفيذ مشروعات برنامج نوفي، وتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين مصر واليابان، والتى تؤكد على رؤية مشتركة تتماشى مع رؤية مصر لتحقيق التنمية المستدامة، لذا نأمل أن تكون الذكرى الـ70 للعلاقات بين البلدين، فرصة لتعزيز الشراكة المستقبلية والانتقال بالعلاقات المشتركة إلى آفاق أرحب، والتركيز على مجالات ذات أولوية تشمل الاستثمار فى الإنسان، من خلال قطاعات التعليم والصحة، ومشروعات التحول الأخضر وتطوير البنية التحتية، والنمو النوعى والشامل، بالإضافة إلى الشراكة مع القطاع الخاص، ومشروعات التعاون الفنى لبناء القدرات فى مختلف المجالات، وتعزيز التعليم الفنى وتطوير المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ولكن ما نراه مطلوبا فى هذه الفترة، يأتى فى إطار توجيهات السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي، بضرورة تسهيل وتحسين الإجراءات الخاصة بالمستثمر الصناعي، وهذا يتطلب زيادة مجالات التعاون بين مصر واليابان فيما يتعلق بتوطين الصناعة، وتعزيز مشاركة المشروعات الصغيرة والمتوسطة فى المشروعات الوطنية لدعم توطين الصناعة، وإنشاء مراكز أبحاث وتطوير ومشاركة المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، فضلاً عن تعزيز سلاسل التوريد المحلية وقدرات التصنيع فى ظل ما توليه من أهمية لتمكين القطاع الخاص وزيادة الصادرات، وفى المقابل استفادة الجانب اليابانى من الفرص الاقتصادية التنافسية التى تقدمها مصر، فضلا عن أهمية تعميق الشراكة مع JlCA والمؤسسات التمويلية الأخرى لتحفيز استثمارات القطاع الخاص فى المجالات ذات الأولوية.