كنت عازما ان أتناول هذا الأسبوع التحركات السياسية المصرية العبقرية سواء على مستوى ملف غزة وكذلك على مستوى دول القارة الأفريقية لتعظيم التواجد المصرى بين دول القارة ودعم خطط التنمية التى ينفذها قادة هذه الدول لصالح شعوبها، ولكن جاءت تصريحات المتحدث العسكرى الرسمى للقوات المسلحة العميد أركان حرب غريب عبدالحافظ، لوكالة أنباء الشرق الأوسط «الوكالة الرسمية للدولة» الحاسمة والمعبرة عن مجموعة رسائل طمأنة للمصريين وفى وقتها المناسب بقوله أن القوات المسلحة جاهزة للتصدى لكافة التحديات التى تحيط بالدولة المصرية، كونها لا تأخذ فى اعتبارها إلا سياسة الحفاظ على الأمن القومى المصري، وتأكيده بأن القوات المسلحة جاهزة للتصدى والتعامل مع أى تهديدات وكافة التحديات».
وكذلك تشديده على أن الاصطفاف الوطنى خلف القيادة السياسية خلال المرحلة الراهنة يعد هو الضمان الحقيقى لتجاوز كل التحديات التى تواجه الدولة المصرية، وان «سلاح الوعي» الذى يتمتع به الشعب المصرى فعليا خلال الفترة الحالية فى تعاطيه مع التحديات الراهنة، يجعل القيادة السياسية قادرة على مواجهة كافة التحديات المستمرة والأزمات التى تتعرض لها البلاد على كافة الاتجاهات الأستراتيجية.
وكما تحدثنا فى هذا المكان من قبل بأن القيادة السياسية قارئ جيد للتاريخ والمتغيرات التى يشهدها العالم خلال السنوات الأخيرة بداية من عام 2011 وحتى الآن وكان مدركا لما يلوح فى الأفق من مخططات، خاصة فى فترة ما بعد 2011، وهو ما أثبتته التطورات الراهنة التى أكدت أن المعركة الحالية هى معركة وجود»، كما تعى جيدا ما يحاك للدولة المصرية من مخاطر من خلال خطط استباقية محسوبة ومدروسة.
ولذلك كان حرص القيادة السياسية من تطوير قدرات القوات المسلحة استنادا إلى نهج استراتيجى يقوم على أساس فكرة «تنوع مصادر السلاح» بحيث لا تعتمد القوات المسلحة على دولة بعينها فى التسليح، والدليل على ذلك بأن منظومة الدفاع الجوى المصرية تعد واحدة من أعقد المنظومات عالميا بسبب تنوع مصادر تسليحها، لكافة فروعها القتاليّة.
وكان «مسك الختام» كما يقولون حينما تطرق المتحدث العسكرى إلى تأثير الإعلام على الأمن القومى المصري، حيث أكد الدور المهم والفعال الذى يلعبه الوعى فى حالة الاصطفاف التى وصل إليها الشعب المصرى حاليا، لدرء المخاطر والتحديات.
نعود الى الأسباب الحقيقية لضرب غزه كما يراها العديد من المراقبين فانه على الصعيد الداخلي، تواجه حكومة نتنياهو واحدة من أكثر الفترات اضطرابًا فى تاريخ الحكومات الإسرائيلية، حيث تعانى من احتجاجات داخلية حادة، وخلافات بين الأجهزة الأمنية، إضافة إلى الضغوط السياسية والدبلوماسية المتعلقة بالحرب، وفى هذا السياق، يستخدم نتنياهو التصعيد العسكرى أداة سياسية داخلية لإعادة توحيد الشارع الإسرائيلى خلف حكومته، وتحويل الاهتمام عن الأزمات الداخلية، خصوصًا فى ظل صراعه مع المحكمة العليا وأزمات الفساد التى تحيط بحكومته.
اذ ان قرار استئناف الحرب على غزة يستجيب لضغوط وزراء اليمين المتطرف فى الحكومة، ويعيد اليها وزير الامن الوطنى ايتمار بن غفير لتأمين الغالبية الكافية لتمرير الميزانية وتجنب سقوط الحكومة الموعد النهائى للميزانية نهاية مارس الحالى .
ناهيك عن قرار نتنياهو بإقالة رئيس جهاز الأمن العام «الشاباك» رونين بار الذى صاحبه عاصفة من ردود الفعل الإسرائيلية التى وصفت القرار بـ»غير المسبوق» وهو ما جعل المدعية العامة غالى بحراب – مئيرا بإبلاغ نتنياهو بأنه لا يمكنه البدء فى إجراءات إقالة رئيس جهاز الشاباك، حتى يتم استكمال مراجعة الأسس القانونية والأدلة المرتبطة بالقرار، مشيرة إلى حساسية القضية وغياب سوابق لها، مما يثير القلق من وجود صراع مصالح ،ومن المتوقع أن تُعقد جلسة تصويت فى الحكومة لصالح قرار نتنياهو حتى يدخل القرار حيز التنفيذ، ولكن ذلك مشروط بعدم اعتراض المستشارة القضائية للحكومة.
خارج النص:
ويبقى سؤال مع كل تصعيد عسكرى إسرائيلى ضد غزة، هل هذه حرب تكتيكية لإضعاف المقاومة، أم خطوة فى مخطط استراتيجى طويل الأمد لتغيير الخريطة السكانية والسياسية فى فلسطين، وبما يحقق التهجير القسرى وهل تفعلها إسرائيل هذه المرة؟ الايام القادمه سوف تجيب.