الحقيقة رسخت زيارة السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى روسيا الاتحادية للمشاركة فى احياء عيد النصر مع 29 رئيسا وزعيما بدعوة من الرئيس الروسى بوتين تاريخية علاقات ممتدة منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية المصرية – الروسية منذ عام 1947.. وظهر زخم بناء حقيقى لهذه العلاقة مع ثورة يوليو وتولى الرئيس جمال عبدالناصر وظلت ممتدة وراسخة مرورا بأهم أحداث الخمسينيات فى صفقة التسليح التشيكية عام 1955 بمساعدة الاتحاد السوفيتى السابق للثورة المصرية ومع حرب 1956 تصاعد رسوخ هذه العلاقة بالموقف الروسى ضد دول العدوان الثلاثى بعد تأميم القناة وليس هذا فقط بل شاركت قيادة مصر لتأسيس أهم مجموعة سياسية ضربت الاستعمار القديم فى مقتل بعد مؤتمر عدم الانحياز فى باندونج وكانت رسالة مهمة من عبدالناصر وتيتو ونهرو وباركها الاتحاد السوفيتى السابق.. وفى معركة مصر لبناء السد العالى لتوليد الكهرباء وحماية وزيادة رقعة الأرض الزراعية ونجحت مصر فى بناء السد العالى وتجربتها الصناعية التى تمت بتعاون مصرى – روسي.. مع نكسة يونيو لم نجد مصر سندا بعد الوقفة العربية فى قمة الخرطوم – قمة اللاءات الثلاثة – إلا الاتحاد السوفيتى والدول الصديقة فى افريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا وما نسميه وقتها مجموعة الـ «77» دولة من العالم الثالث انهت امبراطوريات لا تغرب عنها الشمس ومعها أفل نجوم زعماء مثل تشرشل وايرث ومولييه.. ومع حرب 67 توطدت العلاقة فى حرب الاستنزاف وتزويد مصر بالصاروخ الروسى سام 6 و7.. وجاءت حرب 1973 والتى استطاع السادات أن يطوِّر قواتنا المسلحة ويدخل المعركة بقراره التاريخى وبرغم ان علاقات قد يعتريها فتور لكن ظلت لروسيا مكانة مميزة فى عقول المصريين تمثلت فى تجربتنا الزراعية والصناعية.. ومع تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى برؤيته الثاقبة كانت زيارته لروسيا واستقبال رئيس الدولة بوتين وكان وزيرا للدفاع فتحت بابا مهما لإعادة الزخم لعلاقات تاريخية مع دولة كبيرة لها دورها فى بناء خريطة العلاقات الاستراتيجية مع الدول وبوتين يعى تماما القيمة الاستراتيجية لمصر ودورها المحورى فى منطقة الشرق الأوسط المتوترة والمرتبكة بأحداث بدأت بالإرهاب وإسقاط الجيوش الوطنية.. لكن بوتين كان لديه يقين بخبرته القيادية ان مصر تختلف بقيادتها وقواتها وبنيتها التحتية وشعبها الداعم لقيادته وكان رهانه مزيدا من التعاون مع مصر وبناء عهد جديد من علاقة تاريخية بدأت قبل 79 عاما وبها ومضات مضيئة ورموز خالدة لتاريخية هذه العلاقة التى تقوم على الاحترام المتبادل.
ان مشاركة السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى فى احتفالات عيد النصر الروسية تأكيد على هذه المكانة التاريخية بين البلدين بينها رؤى سياسية متشابكة ومتوافقة معا.. وعلاقات اقتصادية وتبادل تجارى يتجاوز أو يقترب من السبعة مليارات دولار ومثلها استثمارات روسية فى الطاقة والغاز ومشاركة كبريات شركات روسيا فى النهضة المصرية.. وتعد محطة «الضبعة» التى ادخلت مصر النادى النووى بداية واسعة ونموذجا جديدا لإعادة إحياء حكاية السد وها هى حكاية الضبعة تؤكد أزلية هذه العلاقة التى على مدى 79 عاما تزداد رسوخا وتطورا بالمشاركة الروسية فى منطقة قناة السويس الاقتصادية.
ان احتفالات روسيا بعيد النصر فى هذا التوقيت وهذا الحضور أمس والعروض التى شاهدناها تعكس ان هناك خريطة عالمية يتم رسمها من جديد وسط حراك دولى واسع.. واعتقد ان تطور العلاقات المصرية – الروسية وزيارة السيد الرئيس لموسكو هى ضمن الاستراتيجية المصرية لبناء علاقات راسخة مع الدول تُبنى على المصالح المشتركة فالدولة المصرية لديها رؤيتها فى بناء العلاقات التى تقوم على مبادئ عدم التدخل فى شئون الدول الداخلية.. وهى الدولة التى واجهت الإرهاب منفردة وأيضاً واجهت الهجرة غير الشرعية بشجاعة من أجل الاستقرار والبناء لدول العالم.. ودافعت بجرأة عن قضايا المناخ وحق افريقيا فى التنمية والبناء.. ان مشاركة مصر فى عيد النصر الروسى قراءة مهمة لعلاقات بين بلدين جمعهما تاريخ طويل من العلاقة مازالت رمزيتها تتناقلها الأجيال منذ ستينيات القرن الماضي.