تولى مصر اهتماما كبيراً بملف الأمن الغذائى باعتباره أمناً قومياً وحظى قطاع الزراعة بإهتمام غير مسبوق من قبل القيادة السياسية وشهدت طفرة لم تشهدها من قبل حيث تبنت الدولة المصرية برامج قومية لاستصلاح الصحراء فى إطار تدعيم ملف الأمن الغذائى ووضعت مجموعة من الأهداف الاستراتيجية لتحقيق الأمن الغذائى تستهدف التكيف مع التغيرات المناخية بهدف الحفاظ على الموارد الاقتصادية الزراعية المتاحة وصيانتها وتحسينها وتنميتها وتقليل فجوة الاستيراد وتحقيق تنمية متوازنة ومستدامة وتوفير المزيد من فرص العمل وإقامة مجتمعات زراعية جديدة ونموذجية متكاملة ودعم القدرة التنافسية للمنتجات الزراعية فى الأسواق المحلية والدولية.
مشروعات مستقبل مصر وتوشكى الخير.. نموذج متكامل للزراعة الحديثة
لم نشعر بأزمة فى رغيف الخبز.. رغم تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية
اطمئنوا.. البطيخ والخوخ آمنان.. وخاليان من متبقيات المبيدات
استنباط أصناف جديدة وتحسين كفاءة مياه الرى والتوسع فى الزراعات الذكية لمواجهة تغيرات المناخ
الدلتا الجديدة تضيف 2.2 مليون فدان وتحقق الاكتفاء الذاتى
الدكتور محمد فهيم مستشار وزير الزراعة ورئيس مركز معلومات تغير المناخ قال: ان ماتم إضافته لمساحة الرقعة الزراعية فى مصر على مدار الـ 10 سنوات الماضية يعتبر إعجاز بكل المقاييس فى ظل محدودية الموارد الطبيعية للزراعة من الأرض والمياه وفى الوقت الذى يفقد فيه العالم كله ملايين الهكتارات سنوياً بسبب التصحر وتدهور التربة والجفاف والتغيرات المناخية.
أضاف فهيم ان القطاع الزراعى فى مصر شهد فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى دعماً غير مسبوق لم يشهده من قبل.. فعلى مدار العقود الماضية لم تتوافر إرادة قوية لاستصلاح الصحراء وزيادة الرقعة الزراعية ولم يجرؤ احد على الاقتراب منها ولم يتحمل احد مسئولية ان يزرع مثل هذة المساحات مما ضيع فرصاً كبيرة جدا على الأمن الغذائى ولكن مانراه الان ان الدولة المصرية نجحت فى إضافة المزيد من الرقعة الزراعية عبر استصلاح الصحراء بحوالى 4 ملايين فدان خلال السنوات الأخيرة ودفعت المليارات فى استصلاحها وإقامة بنية تحتية قوية ومن أهمها مشروع الدلتا الجديدة العملاق بمساحة تتجاوز 2.2 مليون فدان ويعد مشروع مستقبل مصر قاطرة مصر الزراعية وبداية مشروع الدلتا الجديدة لتحقيق الاكتفاء الذاتى وتصدير الفائض ويتميز بموقعه الاستراتيجى وارضه البكر وينتج منه سلعاً زراعية عالية الجودة بالاضافة إلى مشروع توشكى الخير بمساحة 1.1 مليون فدان ومشروع تنمية شمال ووسط سيناء بمساحة 456 ألف فدان ومشروع تنمية الريف المصرى بمساحة 1.5 مليون فدان ومشروع الصوب الزراعية الذى احدث نقلة نوعية فى المحاصيل الزراعية على مستوى الإنتاجية والجودة.
واشار إلى أنه جار حاليا إجراء دراسات على ٣ ملايين فدان أخرى للوقوف على مدى صلاحيتها بالاضافة إلى تبنى الدولة لمشروعات التوسع الرأسى على مدار الـ 10 سنوات الماضية والتى استهدفت زيادة الانتاجية من المحاصيل والمنتجات الزراعية وتحسين الممارسات الزراعية واستنباط أصناف وهجن تتكيف مع التغيرات المناخية وزيادة الاعتماد على التقاوى المعتمدة والمحسنة خاصة للمحاصيل الاستراتيجية.
وأوضح ان الـ ٢ مليون فدان التى تمت إضافتها فى السنوات الأخيرة تضاهى كل الأراضى الزراعية التى تمت إضافتها واستصلاحها من الستينات حتى قبل عام 2014 فقد زادت الرقعة الزراعية بنسبة40٪ لتصل إلى 10 ملايين فدان حالياً من ٨ ملايين فدان قبل عام 2014.
واضاف ان الـ ٢ مليون فدان التى تمت إضافتها للرقعة الزراعية أدت الى زيادة حجم السلع الزراعية فى الاسواق إلى أكثر من 30 مليون طن وزيادة صادراتنا الزراعية من ٤ ملايين طن فى 2014 إلى ٨ مليون طن متوقعة اخر العام الجارى.
كما تم زراعة 700 الف فدان قمح فى الاراضى الجديدة فقط بانتاجية تصل لأكثر من مليون طن بالإضافة الى زيادة السعات التخزينية للحبوب حيث تم زيادة صوامع القمح كاحتياطى استراتيجى من مليون طن إلى 5 ملايين طن قمح حاليا مما ساهم فى حماية ملف الأمن الغذائى المصرى ولم نشعر بأى أزمة ولا مشكلة فى رغيف الخبز فى مصر مع أزمة روسيا وأوكرانيا ولا نقص فى القمح.
واكد أن مصر حققت مستويات جيدة من الأمن الغذائى مشيرا الى إنه لا توجد دولة فى العالم تستطيع توفير مختلف احتياجاتها الغذائية بشكل مطلق بسبب محدودية الموارد وارتفاع التكاليف
> فى البداية ما علاقة الغذاء بالأمن؟
هناك علاقة وطيدة بينهما فتوافر الغذاء وتحقيق الإتاحة له علاقة وطيدة بالسلم الاجتماعى ولذلك سمى بالأمن لان كل ماله علاقة بالسلم الاجتماعى يطلق عليه أمن بمعنى ان الحفاظ على السلم الاجتماعى يطلق عليه أمن وفى عام 2007/2008 حدث أزمة غذاء عالمية وارتفع وقتها أسعار الغذاء عالميا وحدث فى مصر مشكلة كبيرة حيث تقاطر المصريون على أفران العيش بسبب ان الدولة لم تخطط من قبل ولم تأخذ فى الحسبان ماحدث وضيعت فرصاً كثيرة وقتها وفى عام 2014/2015 بدأت الدولة تدارك هذا الأمر تماما وربطت الأمن الغذائى بالأمن القومى ووضعت عدة محاور كاجراء استباقى بإضافة رقعة زراعية تقدر بعشرات أضعاف ماكان يتم إضافته سابقا حيث كان يتم إضافة من 15 إلى 20 ألف فدان فى السنة وبدأت الدولة تتجه إلى استصلاح الصحراء وزيادة السعات التخزينية من خلال بناء صوامع فى كل مكان كاحتياطى استراتيجى ليتراوح اجمالى ما يتم تخزينه الآن ما بين 3.5 إلى 4 ملايين طن بدلا من مليون طن وهو ما ساهم فى عدم حدوث أى أزمة فى القمح ورغيف الخبز خلال أزمة كورونا والازمة الروسية والتى كانت أصعب وأقوى من الأزمة التى حدثت فى 2007/2008 وكل ذلك نتيجة الزيادة فى الرقعة الزراعية وزيادة انتاجية وحدة المساحة والزراعة التعاقدية والمصادر غير التقليدية لتوفير المياة لمواجهة التحديات.
> وكيف يتحقق الأمن الغذائى المصري؟
الأمن الغذائى يمثل أهمية كبيرة للدولة المصرية بسبب المحدودية الشديدة فى الموارد الطبيعية التى تخص قطاع الزراعة كمحدودية المياه ومحدودية الأرض وبالتالى كنا نعيش منذ سنوات طويلة ما يسمى بهشاشة وضعف الأمن الغذائى بالإضافة إلى أنه لدينا سوء استهلاك كبير جدا مرتبط بالزيادة السكانية المضطردة وبالتالى احتياجتنا من الغذاء كبيرة وهذه الاحتياجات لاتتناسب مع موارد مصر الطبيعية المتاحة من الأرض والمياه فهى مسألة حساب اقتصادى بحت وتحتاج الى جهد كبير.
> متى بدأت تظهر مشكلة الأمن الغذائى فى مصر؟
بدأت تظهر المشكلة من الستينات عندما حدث فرق كبير فى ميزان الاحتياجات الغذائية والموارد الطبيعية المتاحة بمعنى ان احتياجتنا الغذائية فى زيادة فى ظل ثبات الموارد المتاحة من أرض ومياه وبدأت الدولة وقتها باضافة رقعة زراعية فى الصحراء بالإضافة الى تآكل الرقعة القديمة بسبب التعديات والبناء عليها ولكن كان معدل الزيادة فى الصحراء أضعف من الزيادة السكانية مما أدى إلى وصولنا إلى هذه المرحلة الصعبة جدا وبدأت الصورة تزداد أكثر سوءا فى التسعينات وبداية الألفية الجديدة بعد أن أصبحت احتياجتنا الغذائية تفوق وبمراحل الموارد الطبيعية وبما فيها الرقعة الزراعية التى تم إضافتها مما أدى إلى حدوث فجوة غذائية كبيرة جدا فى مصر فاضطرت الدولة ان تعوضها بالاستيراد وبكميات أضخم بكثير على مستوى الميزان الغذائى العالمى وبدأت تستورد من 10 إلى 12 مليون طن قمح سنويا ومن 6 إلى 9 ملايين طن سنويا من الذرة بالإضافة إلى استيراد الزيوت وغيره من السلع بهدف الحفاظ على الأمن الغذائي وهذا أمر صعب على أى دولة أن توفر نسبة كبيرة من احتياجاتها الغذائية.
> هل الزراعة فى مصر آمنة؟
طبقا لمحاور الأمم المتحدة الأربعة فإن مصر تحقق فعليا الأمن الغذائى لشعبها ومرتبة مصر فى مؤشرات الأمن الغذائى جيدة طبقا لتصنيفات الامم المتحدة حيث حققت جميع المحاور اللازمة لتحقيق الأمن الغذائى مثل الاتاحة فالسلع جميعها متوفرة والمحور الثانى انها حققت الاستدامة فالسلع الزراعية متواجدة طوال العام بالإضافة إلى انها حققت محور سلامة الغذاء وصحة النباتات بالإضافة إلى محور التداول فصادراتنا من نفس المزارع والارض التى تضخ فى السوق المحلى
> ولكن هناك شكاوى عند تناول بعض المنتجات والبطيخ والخوخ؟
قام معمل تحليل متبقيات المبيدات التابع لوزارة الزراعة بجمع عينات من مختلف الأسواق وتم تحليلها وتبين أنها خالية تمامًا من متبقيات المبيدات ولكن سبب الشكاوى يرجع إلى سوء التخزين لدى التجار وتعرضه لأشعة الشمس الحارة بالإضافة إلى تناول بعض المواطنين لكميات كبيرة من البطيخ والخوخ مما يؤثر على المعدة لكونه مادة لحمية مليئة بالسكريات.
> هل ستتأثر إنتاجية المحاصيل الزراعية بسبب التغيرات المناخية؟
بالطبع فالتغيرات المناخية تؤثر على انتاجية العالم كله بدون استثناء وبصرف النظر عن انها دولة متقدمة أو دولة نامية وبصرف النظر عن انها دولة لديها بنية تحتية قوية أو دولة لديها بنية ضعيفة فاحيانا نجد دولة متقدمة زراعيا خسائرها الزراعية إلى أضعاف أضعاف خسائر مصر كما حدث فى الارجنتين والبرازيل وهولندا وفرنسا والصين فأى دولة زراعية عندما تتعرض لتأثيرات عنيفة فى تغيرات المناخ كفيضانات وسيول وعواصف ثلجية يتدمر بالفعل قطاع الزراعة لديها ولكن مصر تتعرض لنوع من تغير المناخ يطلق عليه المناخ الصامت.
> ما هى أهم الإجراءات التى اتخذتها الوزارة لمواجهة التغيرات المناخية؟
الوزارة وضعت مجموعة من الإجراءات الاستباقية فى هذا الإطار ومن أهمها إستنباط أصناف مبكرة النضج قليلة الاحتياج المائى ومتحملة للإجهادات المناخية فكل أصناف القمح والذرة والأرز وجميع المحاصيل الاستراتيجية فى مصر متأقلمة مع التغيرات المناخية بمعنى أنها قصيرة العمر فى الأرض، فالقمح كان يمكث فى الأرض 180 يومًا فى السابق وحاليًا يظل من 150 يومًا فقط والارز حاليا يمكث 120 يوما بدلا من 160 يوماً والذرة تمكث فى الأرض 100 يوم حاليا بدلاً من 160 يوماً فيتم التقصير فى عمر المحصول مع الحفاظ على نفس الانتاجية تحميه من التغيرات المناخية بالاضافة الى تحسين كفاءة استخدام مياه الرى والتوسع فى الزراعة الذكية مناخياً والزراعة الرقمية والإبتكار والتكنولوجيا الحديثة وتعزيز نظم الانذار المبكر.
> هل من الممكن الاستغناء عن زراعة بعض المحاصيل وتغيير التراكيب المحصولية بسبب التغيرات المناخية؟
>> طبقاً للأساس العلمى فإن تغير المناخ فى مصر لا يؤهلنا إلى أن نزرع تراكيب محصولية من خارج إطار مناخ مصر بمعنى أننا لا نستطيع زراعة محاصيل استوائية كالبن والشاى ولا نستطيع زراعة الفاكهة التى تزرع فى الأماكن الباردة كالتفاح الأوروبى والأمريكى لأن احتياجاتها المناخية الباردة مازالت غير متوفرة فى مصر رغم تغير المناخ ولكن تغير المناخ فى مصر يمكن أن يؤثر على أصناف تدفعنا لاستحداث أصناف لنفس المحصول وبالتالى نستطيع زراعة أصناف جديدة من نفس المحصول.
وفى الفترة الأخيرة تم تجربة زراعة بعض المحاصيل الاستوائية فى مصر كالبن والشاى ولكن التجربة أثبتت أن مناخ مصر مازال لا يناسب هذه المحاصيل لزراعتها تجارياً قولاً واحداً على الرغم من أن مصر منذ فترة تقوم بزراعة بعض المحاصيل الاستوائية كالمانجو والأفوكادو والكيوى وفاكهة التين وتم التوسع فيهم بصورة تجارية.