> لقد دأب دعاة الفتن المذهبية والطائفية على استخدام «الدين» وسيلة لزرع ونشر تلك الفتن فى غالب بلادنا العربية – وتحديدا فى مصر – التى ابتليت بالدواعش القدامى «الاخوان» والدواعش الجدد «القاعدة – داعش – النصرة ومن لف لفهم!» الا أن التاريخ كما الواقع كشف وواجه تلك الفتن ووأدها فى مهدها.. ولقد ذكرنا فى مقالنا الاسبوع الماضى نموذجا لوثائق وحقائق التاريخ الذى يدحض ويفضح تلك الفتن ومن ثم يؤسس لمواجهتها مستقبلا وبقوة.. اليوم نستكمل مع تلك الوثائق التاريخية بالغة الاهمية التى تؤكد قوة وشائج الدم والاخوة بين المسيحيين والمسلمين فى مصر عبر كل عصور التاريخ منذ تم فتح مصر عام 20 هـ / 641م فماذا عن باقى الوثائق ؟
>>>
>> يحدثنا التاريخ.. فيقدم لنا بين ثنايا حديثه وثيقة أخرى مهمة تبرز عذابات المسيحيين المصريين فى عهد الرومان البيزنطيين وكيف أنصفهم الإسلام حين فتح مصر وتصور حال المصريين «الأقباط» فى تلك الأيام والتى كان فيها هرقل امبراطوراً على البيزنطيين والمقوقس بطريرك ملكانى على مصر وبنيامين بطريرك يعقوبى هارب من كرسيه فى الاسكندرية ومشرد فى بقاع مصر النائية ويقدم هذه الصورة أحد أساقفة الكنيسة القبطية : ساويرس بن المقفع ، فى مخطوطه الوثائقى النادر والمسمى «سير البيعة المقدسة».
قال – مع غض النظر عن لغته العربية غير المحكمة – نصاً: وعظم البلايا والضيق الذى أنزلهم على الأرثوذكسيين وغواهم لكى يدخلوا معه فى أمانته حتى ضل جماعة لا يحصى عددها ، قوم بالعذاب ، وقوم بالهدايا والتشرف ، وقوم بالسؤال ، حتى أن قيرس أسقف بنيقيوس وبقطر أسقف الفيوم وكثير خالفوا الأمانة المستقيمة الأرثذكسية ، ولم يسمعوا قول الأب المغبوط بنيامين فيختفوا مثل غيرهم فصادهم بصنارة ضلالته ، وضلوا بالمجمع الطمث الخلقدوني».
«وفى موضع آخر يقول «ثم إن هرقل ظفر بالأب المغبوط مينا أخى الأب بنيامين ، فأنزل عليه بلايا عظيمة ، وأطلق المشاعل بالنار فى أجنابه حتى خرج شحم كلاه من جنبيه وسال على الأرض ، وقلعت أضراسه وأسنانه باللكم على الاعتراف المستقيم ، وأمر أن يملأ مزواد رمل ، ويجعل القديس مينا فيه ، وأخرج أكثر من سبع غلوات ، وأنزل فى الماء ثلاث دفعات..وغرقوه» .
وفى موضع آخر يقول وبلغته المصرية القديمة «ثم إنه أقام أساقفة فى بلاد مصر كلها إلى أنصنا ، وكان يبلى أهل مصر بأمور صعبة ، وكان كشبه الديب الخاطف يأكل القطيع ولا يشبع».
فكم مات من الناس فى التعب الذى كانوا يقاسونه لما تمت العشرة سنين من مملكة المقوقس وهرقل ، وهو يطلب الرسولى الأب بنيامين ، وهو هارب بين يديه من مكان إلى مكان ، وهو فى البيع المخفية.
« فأنفذ ملك المسلمين لما ذكروه أصحابه بحال الأب البطريرك بنيامين : أميراً ومعه سرية إلى أرض مصر ، اسم ذلك الأمير عمرو بن العاص ، فى سنة ثلاث مائة وسبعة خمسين لدقلطيانوس ، فى اليوم الثانى والعشرين من بؤونة ، ونزل عسكر الإسلام إلى مصر بقوة عظيمة ومقدمه عمرو الأمير ابن العاص ، وهدم الحصن ، وأحرق المراكب بالنار ، وأذل الروم».
>>>
> وهناك عشرات الوثائق الاخرى فضلا عن الوثيقة السابقة وكلها تؤكد دور الفتح الإسلامى فى إنهاء عذابات المسيحيين المصريين من الرومان ، ومنها ما كتبه المؤرخ المصرى ابن عبد الحكم فى كتابه «فتوح مصر والمغارب» ويعتبر أقدم كتاب مصرى يعالج التاريخ المصرى والإسلامى عند فتح مصر: يقول نصا «فخرج عمرو بن العاص بالمسلمين حين أمكنهم الخروج ، وخرج معه جماعة من رؤساء القبط، وقد أصلحوا لهم الطرق ، وأقاموا لهم الجسور والأسواق ، وصارت لهم القبط أعواناً على ما أرادوا من قتال الروم .. ثم فتح الله للمسلمين ، وقتل منهم المسلمون مقتلة عظيمة ، واتبعوهم حتى بلغوا الاسكندرية فتحصن بها الروم ، وكانت عليهم حصون مبنية لا ترام ، حصن دون حصن ، فنزل المسلمون ما بين حلوة إلى قصر فارس إلى ما وراء ذلك ، ومعهم رؤساء القبط يمدونهم بما احتاجوا إليه من الأطعمة والعلوفة».
وتعقيبا عن هذه الروحية المصرية العظيمة بين المسلمين والمسيحيين منذ الفتح يقول المفكر والمؤرخ المصرى المعاصر د.حسين نصار فى تحليله لتلك الفترة : «طبيعى بعد هذا كله أن يرضى أقباط مصر عن الحكم الجديد ، وأن يرضى عنهم وخاصة أن المسلمين لم يتدخلوا فى الأمور الدينية للقبط، وتركوا التنظيم المالى على ما كان عليه أيام الرومان ، بل كان جل المشرفين عليه إن لم يكن كلهم من القبط، ويجرى باللغتين القبطية واليونانية».
>>>
> ترى هل يفهم الجهلة والغلاة من المتطرفين والتكفيريين ذلك أولئك الذين ملئوا دنيانا فتنا داعشية مقيتة..!!
> إن هذه الوثائق التاريخية تؤكد مجتمعة وبكل دقة «الدور المسيحى – المسلم المشترك» بين أبناء مصر منذ الفتح فى مواجهة الاعداء المشتركين والذين كانوا أيام الفتح الاسلامي.. «الروم».. وهم اليوم «روم» بأشكال جديدة بعضها أجهزة مخابرات غربية وإسرائيلية وبعضها الآخر تنظيمات داعشية – إخوانية تريد ذات الهدف القديم.. خلق الفتنة ونشر الفوضى غير الخلاقة فى ربوع مصر.. وهو ما فشل من قبل وقطعا سيفشل مستقبلا.. حفظ الله مصر.