يخطئ كل من لا يتوقف بالفحص والدراسة والتمحيص أمام كل جملة أو كلمة أو حرف تنطق به مصر صراحة وعلناً أو ضمناً عبر دبلوماسيتها الهادئة الوقورة أو تحركاتها وسلوكياتها وتصرفاتها وتدريباتها وإيماءاتها، فإنها تنطق بالكثير مما لا تكشفه الألسن والشفاة.
يخطئ تماماً من يستقوى بقوى الشر فى العالم وما أكثرها ويخونه ذكاؤه ويضله عقله وتخدعه نرجسيته فيغفل عن التقدير الحقيقى والموضوعى لما تمتلكه مصر من عناصر القوة الشاملة بجيشها وشعبها ومؤسساتها وثرواتها ومقدراتها، فلا يعطى لكل «رسالة مصرية» ما تستحقه من قدر وتقدير ويتوهم أن القوة مهما عظمت يمكن أن تغتال حقاً أو عدلاً.
يخطئ من لا يدرك أو يستوعب أن العالم بأسره الآن يعيش حالة مفترق الطرق.. إما عالم يسوده السلام والوئام والأمن والأمان، أو عالم لن ينفك الصراع ملازماً له إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.. لم يعد فى العالم الآن متسع من التجارب، فإن كل تصرف صار الآن محسوباً لصاحبه أو عليه.
قالها الرئيس السيسى فى رسالة مدوية لكى يسمعها العالم أجمع شرقه وغربه شماله وجنوبه عبر القمة العربية الإسلامية الطارئة بالرياض: إن المواطنين وجميع أصحاب الضمائر الحرة عبر العالم يسألون- ولهم كل الحق- عن جدوى أى حديث عن العدالة والإنصاف فى ظل ما يشاهدونه من إراقة يومية لدماء الأطفال والنساء والشيوخ.
ويعلن الرئيس أمام القمة والعالم أن مستقبل المنطقة والعالم أصبح على مفترق طرق، وما يحدث من عدوان غير مقبول ولنضع نحن ألف خط تحت غير مقبول على الأراضى الفلسطينية واللبنانية ويضع النظام الدولى بأسره على المحك.
وفى وقت يتباهى فيه بعض قادة الاحتلال بما سفكوه من دماء وقتلوا من أطفال ونساء وشيوخ تجاوز عددهم 43 ألفاً وجرحوا وأصابوا ما يزيد على المائة ألف من الفلسطينيين، ويتفاخرون بفصل شمال غزة عن جنوبها والعمل على نقل الفلسطينيين من الشمال إلى الجنوب، ويتطاول بعضهم فيتحدث عن ضم الضفة الغربية لإسرائيل، ويتصايح بعض من أعمتهم القوة والمساندة العمياء والصمت الدولى المخزى فيتحدثون عن خريطة اسرائيلية جديدة على حساب فلسطين وبعض دول الجوار.. يأتى صوت مصر قوياً هادئاً بلسان الرئيس عبدالفتاح السيسى يعلن باسم مصر أنها سوف تقف ضد كل المخططات التى تستهدف تصفية القضية الفلسطينية سواء عبر تهجير السكان المحليين المدنيين أو نقلهم قسرياً أو تحويل القطاع إلى مكان غير صالح للحياة.
وقالها حاسماً لكى يسمعها ترامب وفريقه اليمينى المتعصب ونتنياهو وحكومته المتغطرسة والعالم كله بصمته المخزى إن مصر لن تقبل تصفية القضية الفلسطينية تحت أى ظرف من الظروف.
وأعلنها مدوية للجميع أن مصر تدين بشكل قاطع حملة القتل الممنهج الذى تمارسه قوة الاحتلال بحق المدنيين فى قطاع غزة.
وفى وقت تلهث فيه مراكز الأبحاث العالمية والإقليمية والمؤسسات الدولية حول توابع عودة ترامب إلى الحكم وأثر ذلك على العالم وتكتلاته ودوله وصراعاته وما يثيره اختيار الفريق اليمينى المتعصب المعاون له من تكهنات واستنتاجات وانحيازهم الكامل للدولة العبرية، يعلن الرئيس السيسى شرطاً أساسياً لإحلال الأمن والسلام والاستقرار للمنطقة والعالم، مؤكداً أمام القمة العربية الاسلامية أن الشرط الضرورى لتحقيق الأمن والاستقرار والانتقال من نظام إقليمى جوهره الصراع والعداء، إلى آخر يقوم على السلام والتنمية هو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط الرابع من يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
ولا يغفل الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى عن مساندة الشعب اللبنانى أمام ما يتعرض له من عدوان.. مؤكداً التزام مصر بشكل كامل بتقديم العون للأشقاء اللبنانيين دعماً لصمود المؤسسات اللبنانية وفى مقدمتها الجيش اللبنانى وسعياً لوقف الحرب والتدمير الذى يتعرض له الشعب اللبنانى الشقيق وتكثيفاً للجهود الرامية للوقف الفورى لإطلاق النار والتنفيذ الكامل وغير الانتقائى لقرار مجلس الأمن رقم «1701».
ورغم كل السحابات القاتمة، لا يتخلى الرئيس السيسى عن الأمل.. مؤكداً أنه رغم قسوة المشهد الحالي، فإننا متمسكون بالأمل وواثقون أن الفرصة مازالت ممكنة لإنقاذ منطقتنا والعالم من ممارسات عصور الظلام والانتقال لبناء مستقبل تستحقه الأجيال القادمة عنوانه الحرية والكرامة والاستقرار والرخاء.
ولا تنتهى رسائل مصر التى يعلنها الرئيس السيسي.. فإن مصر التى تحملت مسئولية إطلاق مسار السلام فى المنطقة منذ عقود وحافظت عليه رغم التحديات العديدة، فإنها مازالت متمسكة بالسلام كخيار استراتيجى ووحيد لمنطقتنا.
حدد الرئيس السيسى مفهوم مصر للسلام، أنه السلام القائم على العدل واستعادة الحقوق المشروعة والالتزام الكامل بقواعد القانون الدولي.
وأقولها بصوت عال للمتشائمين والمتفائلين معاً بمستقبل المنطقة والعالم خلال السنوات القليلة المقبلة: ترى هل يمكن لترامب وفريقه المعاون أن يغفل أو يتغافل عن رأى مصر وما أعلنه رئيسها من رسائل قوية ومدوية تعبر بأعلى صوت عن الضمير الوطنى لكل مصرى مخلص أو كاتب حر؟!.. وبنفس القدر، هل يمكن للمغامر الأكبر نتنياهو ألا يستمع إلى صوت مصر وضميرها؟.. وهل يمكن للعالم- كل العالم- أن يصم أذنيه عما تعلنه الدولة المصرية وقيادتها؟!
فإن المعلوم لكل الدول والقادة أن مصر تفعل بأكثر كثيراً مما تتكلم، وحتى فى صمتها «قوة وحكمة».
وحتى إن صم ترامب أذنيه عن الصرخات الأممية وقرارات مجلس الأمن الدولى والجمعية العامة للأمم المتحدة والانتهاكات الجسيمة للقانون الدولى والقانون الدولى الانساني.. فهل يمكنه أن يفغل أو يتغافل عن حقيقة أن أمريكا حتماً سوف تدفع يوماً ثمن انحيازها المطلق للحليف الصهيوني؟!
وتبقى كلمة: فقد تلقيت عدداً كبيراً من التفاعلات والردود على ما كتبته فى هذه المساحة من العدد الماضى «رسالة إلى الرئيس ترامب».. إن أكثر ما يسعد الكاتب- أى كاتب- هذا التفاعل الايجابى للقارئ بإبداء رأيه، حتى وإن اختلف مع كاتبه.
ومن باب واسع بالثقة والتفاؤل، أيقنت بما لا يدع مجالاً لأى شك أن الصحافة القومية المصرية مازالت رغم كل المصاعب والتحديات قوية فاعلة ومؤثرة، وأن من يروجون لغير ذلك عليهم أن يراجعوا خيالاتهم.
إن مصر القوية العظيمة الشامخة والأبية وطن يمتلك كل مقومات القدرة، وتنعكس هذه الحالة والقدرة ثقة وأملاً واصطفافاً بين بنى الوطن بكل شرائحه وفئاته مهما عظمت المؤامرات والفتن والشائعات.
ختاماً، شكراً لكل القراء الذين تفاعلوا معنا.. وكل التقدير والتحية للكاتب الصحفى الأستاذ أحمد أيوب رئيس تحرير «الجمهورية».. فإن حرية الصحافة حقيقة لا يراها من أضل العمى قلبه.
أشكر من القراء كلاً من الأساتذة الوزير اللواء سعيد عباس، واللواء محمد الغباشي، والدكتورة الإعلامية هنادى سلطان، والأستاذ الإعلامى أحمد سلام، واللواء علاء يوسف، وفضيلة الشيخ سعيد أحمد خضر، والإعلامية فاطمة الدمرداش، واللواء ناصر غازي، والحاج بيومى منسي، وسعاد بيومى ومحمود فوزي، فقد أضافت تعليقاتهم لى الكثير.