تتفرد بعلم خاص ليس له مثيل فى كل علوم الدنيا وهو علم «المصريات»
تتفرد مصر بميزات لا يشاركها فيها أحد فى العالم، من حيث التاريخ والجغرافيا، بموقع يكاد يتوسط العالم، وحضارة أقدم من الكثير جدا من الدول العظمى، وتاريخ يدعو إلى الفخر والتباهى، ولا نقول ذلك فقط من قبيل الانحياز لبلدنا ـ وإن كان الانحياز هنا واجبا وليس مباحا ـ إنما الواقع يؤكد ذلك كله.
وفى كتابه الماتع «شخصية مصر: دراسة فى عبقرية المكان»، للدكتور جمال حمدان، يتحدث عن شخصية مصر الطبيعية وما يتعلق بالجيولوجيا والجغرافيا والصحارى التى تمثل النسبة الأكبر فى مساحة مصر، ويذكر ملامح التجانس الطبيعى والمادى والحضارى والبشرى والعمرانى للشخصية المصرية، وكذلك الحضارة من العصر الفرعونى حتى ثورة يوليو، والحياة السياسية وجوانبها الإستراتيجية.
ويؤكد أن شخصية مصر تكاملية من الجوانب الاقتصادية التى كانت الزراعة ركيزتها الأولى ثم تطور الصناعة والثروة المعدنية، وخريطة المجتمع والعلاقات المصرية العربية، والعاصمة باعتبارهما بنية وبوصلة خريطة المجتمع.
وتتفرد مصر بروح المكان لتستشف عبقريته الذاتية، ويرى حمدان أن الكلمة المفتاح فى شخصية مصر الطبيعية هى البساطة، التى تتجلى فى بنيتها وسمات وجهها التضاريسى إلى مناخها وقاعدتها الجيولوجية الراسخة، ويأتى النهر ليضيف إلى صحراويتها تأثيره الخاص على طول مجراه فى الوادى والدلتا، ثم سيناء وأهميتها الجغرافية والتاريخية.
ويتناول تحليل شخصية مصر السياسية عبرالعصور، وكيف تحولت من أول امبراطورية فى التاريخ، إلى أطول مستعمرة عرفها العالم، وعبقرية الموقع الجغرافى فهى حجر الزواية والأرض الركن فى الثلاثية القارية التى يتألف منها العالم القديم والوحيدة التى تلتقى فيها قارتان وتقترب منها ثالثة أكتر ما تقترب لا سيما أنها تقع عند التقاء أربعة ضلوع من هاتين القارتين.
وأظن يقينا، أن كل الكتب يمكن تلخيصها فى صفحات معدودة، إلا هذا الكتاب العبقرى فإن أى تلخيص أو محاولة اختصار له لن يكون وافيا ولا منصفا لما فيه من عبقرية مصر.
وبجانب هذه العبقرية، إذا انتقلنا إلى جانب آخر، نجد أن مصر تتفرد بعلم خاص ليس له مثيل فى كل علوم الدنيا وهو علم «المصريات»، أحد فروع علم الآثار ويختص بدراسة تاريخ مصر القديمة، ولغتها وآدابها ودياناتها وفنونها، حيث تعدّ الحضارة المصرية من أقدم حضارات التاريخ، ويتضمن هذا العلم دراسة اللغة والأدب والدين والعمارة والفن من الألفية الخامسة قبل الميلاد حتى القرن الرابع الميلادى.
وكان القدماء المصريون أول علماء المصريات بداية من تحتمس الرابع الذى قام بإزالة الرمال من حول جسد أبو الهول تحقيقا لحلم رآه يناشده فيه بذلك، واهتم الإغريق بدراسة تاريخ مصر، وقدم علماء المصريات العديد من الإسهامات فى كشف أسرار الحضارة المصرية القديمة التى اتخذت شكلا أكاديميا وأصبحت تخصصا مهنيا.
وحتى فى الاحتفالات والأعياد، كان لمصر مناسبات فريدة لا يشاركها فيها غيرها ولا يوجد مثلها، فقد عرفت الأعياد منذ فجر التاريخ، وأقيمت الاحتفالات والمهرجانات وتتزين البيوت والمعابد، ومن أهمها عيد توحيد القطرين أو الوجهين القبلى والبحرى على يد مينا وأصبح عيدا رسميا بجانب الأعياد فى العصر الفرعونى ومنها عيد الحصاد، وعيد اللقاء الجميل، وعيد السنة الجديدة وعيد الوادى وعيد حورس بجانب الأعياد الزراعية، مثل عيد وفاء النيل والحصاد وحرث الأرض.
وإذا كان هناك العديد من الدول تحتفل بأعياد الربيع، فإن هذا العيد فى مصر له خصائص وميزات ومظاهر مختلفة تماما عن غيرها، ومنها ما نحتفل به هذه الأيام وهو «شم النسيم»، ويعود تاريخه إلى العصور القديمة، واحتفل المصريون به لأول مرة فى حوالى 2700 قبل الميلاد، ومازال مستمرا حتى اليوم، ونحصل فيه على عطلة بمناسبة بداية فصل الربيع، ونقضى اليوم فى التنزه بين الخضرة والماء، وفى الحدائق، وعلى شاطىء النيل، نتناول الوجبة التقليدية الفسيخ والخس والبصل الأخضر، الترمس والبيض المسلوق الملون.
إنها مصر التى لا شبيه لها ولا مثيل، هى بحق «أم الدنيا».