شهدت مصر الأسبوع الماضى حدثًا اقتصاديًا وتنمويًا بارزًا بافتتاح الرئيس عبدالفتاح السيسى المرحلة الأولى من مدينة مستقبل مصر الصناعية بمحور الشيخ زايد، الذى كان يُعرف سابقًا بمحور الضبعة، وفعاليات موسم الحصاد فى ذات المنطقة. ويمثل هذا الافتتاح علامة فارقة فى مسيرة التنمية الشاملة التى تنتهجها الدولة المصرية، ويعكس رؤية إستراتيجية واضحة نحو تحقيق الأمن الغذائى والصناعي، وتعظيم القيمة المضافة للمنتجات الزراعية، وخلق فرص عمل واعدة للشباب. وتأتى هذه المدينة الصناعية المتكاملة ضمن مشروع «الدلتا الجديدة» الطموح، الذى يهدف إلى استصلاح ملايين الأفدنة لزيادة الرقعة الزراعية لمصر بشكل كبير، وتحويلها إلى قوة إنتاجية زراعية وتصنيعية قادرة على تلبية احتياجات السوق المحلى والتصدير للخارج.
تتميز مدينة مستقبل مصر الصناعية بموقعها الاستراتيجى على محور الشيخ زايد، الذى يربط بين مناطق الإنتاج الزراعى وموانئ التصدير الرئيسية، مما يسهل نقل المنتجات ويقلل من تكلفة الشحن، ويعزز القدرة التنافسية للمنتجات المصرية فى الأسواق العالمية. وقد صممت المدينة لتكون منطقة صناعية ولوجستية متكاملة على مساحة ألف فدان، تضم مصانع متعددة لتعظيم القيمة المضافة للمحاصيل الزراعية، بدءًا من عمليات الفرز والتعبئة والتغليف، ووصولًا إلى التصنيع الغذائى المتطور، والذى يشمل منتجات مثل الأعلاف والمجففات، كما تضم المدينة مرافق حديثة للتبريد والتخزين ومعامل متطورة لضمان جودة الإنتاج، مما يساهم فى تقليل الفاقد من المحاصيل وتحقيق أقصى استفادة من الموارد الزراعية.
إن الهدف الأساسى من إنشاء مدينة مستقبل مصر الصناعية ليس مجرد زيادة الإنتاج الزراعي، بل هو تحويل مصر إلى مركز إقليمى للتصنيع الزراعى والتصدير، وذلك من خلال دمج الأنشطة الزراعية مع الأنشطة الصناعية، مما يخلق سلاسل قيمة متكاملة تزيد من المردود الاقتصادى للقطاع الزراعي. هذا التوجه يسهم فى تحقيق الأمن الغذائى من خلال توفير المنتجات الزراعية الأساسية بأسعار مناسبة للسوق المحلي، ويقلل من فاتورة الاستيراد التى تبلغ سنويًا حوالى 20 مليار دولار للسلع الغذائية، مما يوفر العملة الصعبة ويعزز قوة الاقتصاد الوطني. كما أن هذا المشروع يفتح آفاقًا واسعة أمام القطاع الخاص للاستثمار والمشاركة الفعالة فى عملية التنمية. وقد أشار المدير التنفيذى لجهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة إلى عزم الجهاز طرح 30٪ من أسهم الشركات التابعة له فى البورصة، مما يعكس التوجه نحو توسيع قاعدة المشاركة والاستفادة من ثمار التنمية.
ولا تقتصر أهمية المشروع على الجانبين الزراعى والصناعى فحسب، بل تمتد لتشمل البعد الاجتماعى والتنموي، حيث يوفر آلاف فرص العمل للشباب فى مختلف التخصصات، بدءًا من الزراعة والإنتاج، ومرورًا بالتصنيع والخدمات اللوجستية، ووصولًا إلى مجالات التعدين واستغلال الموارد المحجرية الواقعة ضمن أراضى المشروع. ويعكس هذا التوسع فى فرص العمل التزام الدولة بمعالجة قضية البطالة وتمكين الشباب من المساهمة فى بناء مستقبل بلادهم. كما أن المشروع يعزز مفهوم التنمية المستدامة من خلال الاعتماد على مصادر المياه الجوفية المعالجة، وجهود الدولة فى تطوير قطاع الثروة الحيوانية والداجنة والسمكية، مما يضمن استمرارية الإنتاج وتحقيق التوازن البيئي.
والرئيس السيسي، خلال افتتاحه للمشروع، وجه رسائل مهمة تؤكد على ضرورة تكامل عمل مؤسسات الدولة مع القطاع الخاص، ودعا إلى إطلاق برامج وطنية لإحلال رءوس الماشية بسلالات أكثر إنتاجية، مما يعكس رؤية شاملة لتنمية القطاع الزراعى والثروة الحيوانية. إن هذه المشروعات القومية الكبري، مثل مدينة مستقبل مصر الصناعية، ليست مجرد مشاريع اقتصادية، بل هى مشاريع لبناء الثقة الوطنية، وتعزيز الانتماء، وتمكين المواطن من الشعور بأن الدولة تتحرك بجدية لتأمين مستقبله وتحقيق طموحاته. وفى ظل التحديات العالمية المتزايدة، تعد هذه الخطوات الإستراتيجية ضرورية لتعزيز صمود الاقتصاد المصرى وتحقيق الاكتفاء الذاتى فى أهم القطاعات الحيوية، مما يضمن مستقبلًا أكثر استقرارًا وازدهارًا للأجيال القادمة.