سوف يمضى وقت طويل جداً.. قبل أن تدرك بعمق القيمة التاريخية العظيمة لثورة 30 يونيو فى مصر.. إنها قصة ثورة كبري.. قام بالدور البطولى فيها الشعب.. وقواتنا المسلحة.. والقيادة الوطنية للرئيس عبدالفتاح السيسي.. فقد انحازت قواتنا المسلحة لثورة الشعب.. وانتصرت لإرادة الشعب الذى رفض ديكتاتورية جماعة الإرهاب والخيانة.. هكذا أكدت قواتنا المسلحة انتماءها المطلق للشعب.. الذى خرج منه كل من فيها من ضباط وجنود.. وأكدت قواتنا المسلحة أيضاً من جديد أنها مدرسة الوطنية المصرية.
فى كل يوم.. وفى كل تجربة جديدة نكتشف أننا أمام الدروس المضيئة والعميقة لثورة 30 يونيو 2013.. وما فيها من ثوابت راسخة للوحدة الوطنية.. ووحدة الوطن وسلامة أراضيه.. وتعلمنا أيضاً المعانى المقدسة للسيادة والشموخ القومى لمصر والمصريين.. كانت هذه هى البداية الطبيعية لقيام الجمهورية الجديدة بمشروعاتها القومية العملاقة.. التى غيرت وجه الحياة فوق أرض مصر.. وسوف تبقى قواتنا المسلحة وإلى الأبد هى درع مصر وسيفها.. وقوة الردع التى تحمى الوطن.. وهى مظلة الحماية للشعب وإرادته الحرة.
لابد أن نقف بكل الإجلال والتقدير للمعانى الخالدة فى حياتنا لثورة 30 يونيو 2013.. وفى هذا التوقيت الصعب من تاريخ العالم العربي.. وتاريخ العالم كله.. وما فيه من زلازل سياسية كبري.. وصراعات عميقة وحروب دموية.. وما جرى من تغييرات عميقة فى الشرق الأوسط.. خلال الحروب الإسرائيلية التى لا تنتهي.. سواء فى غزة أو ضد حزب الله فى لبنان.. أو ضد إيران.. وأخيراً جاء زلزال سقوط نظام بشار الأسد فى دمشق.
سقوط بلا دموع
من البداية لابد أن نعترف بأن بشار الأسد لن يجد فى العالم العربى من يبكيه أو يبكى عليه.. أو حتى يذرف دمعة واحدة على غيابه الذى لم يأسف عليه أو له أحد.
ولن يجد بشار الأسد أحداً يبكيه فى سوريا أو يبكى سقوط «جمهورية آل الأسد» فى سوريا.. لن يجد بشار الآن أحداً يبكى عليه فى الشارع السورى أو فى أى مكان.. لكن قد يبكى الكثيرون طويلاً.. إذا تعرضت سوريا إلى مخاطر كبرى أو إذا تعرضت للتقسيم والتجزئة.. وتحولت إلى ولايات أو دويلات صغيرة أو أقاليم متباعدة ومنقسمة.
وإذا كانت هذه هى نهاية بشار الأسد.. ومأساة بشار الآن.. فلا يجب أن تكون هذه هى نهاية سوريا الدولة العربية الموحدة.
يؤكد الخبراء حول العالم أن سقوط بشار الأسد.. يجب أن يكون هو نهاية للأزمة فى سوريا.. ونهاية للمأساة الكبرى التى يعيش فيها الشعب السورى منذ 2011 وحتى اليوم.
الموقع والثمن
إن قصة سقوط نظام بشار الأسد.. هى إذن قصة الصراعات الكبرى من أجل السيطرة والهيمنة فى الشرق الأوسط.. وهنا لابد أن نتساءل.. ما هى الخريطة الجديدة لسوريا؟! وما هى الخريطة الجديدة للشرق الأوسط؟!
وفى تل أبيب.. أكدت إسرائيل أن هذا هو الشرق الأوسط الجديد!!
ويقول الدكتور هنرى كيسنجر.. إن الجغرافيا والموقع الجغرافى هو الذى يصنع التاريخ.. ويكتب تاريخ الدولة.. لكن المفكر الاستراتيجى الأمريكى روبرت كابلان يؤكد أن الموقع الجغرافى المهم لأى دولة.. يكون له ثمن.. تدفعه الدولة من وجودها وتاريخها.
من واشنطن.. وبعيداً عن التصريحات الرسمية.. يؤكد الخبراء فى واشنطن أن سقوط بشار الأسد فى دمشق أدى إلى تغيير هائل فى موازين القوى فى الشرق الأوسط.. فقد انتهى عصر سلطة آل الأسد فى سوريا بعد 54 عاماً.. وانتهى عصر بشار الأسد.. وكأنه كان يحكم سوريا من داخل قصر من ورق.. وكان صرحاً من خيال فهوي.. فقد تم إعلان سقوط بشار الأسد من التليفزيون الرسمى السوري.. بمجرد دخول ميليشيات الفصائل المتحالفة بقيادة هيئة تحرير الشام إلى أبواب دمشق.. وسرعان ما لجأ بشار الأسد إلى روسيا ولاذ بالفرار.. فى عملية تمرد وعصيان لم تستغرق سوى 12 يوماً فقط.. هى مسافة الوصول من محافظة إدلب فى الشمال إلى حلب.. ومنها إلى حماة وحتى حمص.. وأخيراً دمشق.
ما شكل الحياة بعد ذلك؟
من المؤكد أن الضربات الإسرائيلية لإيران وحزب الله اللبنانى ساهمت فى سرعة سقوط الأسد.. لكن ما حدث فى النهاية يعتبر تحولاً استراتيجياً كبيراً.. له ما بعده من نتائج وتداعيات.. ولابد أن نعترف بأن عواصم القوى العالمية فى واشنطن وأوروبا مازالت فى حالة صدمة وذهول.. أمام المفاجأة الكبرى لسقوط بشار الأسد.
القوى الإقليمية والعالمية تقوم حالياً بإعادة حساباتها.. لتحديد الاتجاهات الجديدة فى التعامل مع سوريا.. والواقع الذى تعيش فيه.. وكيف ستكون عليه الأوضاع فى سوريا اليوم وفى المستقبل.. وأى مستقبل ينتظر سوريا والشعب السوري؟!.. وكيف سوف يتم ملء فراغ السلطة فى سوريا.
وقد أكد وزير الخارجية الأمريكى بلينكن أمس أن الولايات المتحدة ليس لها مصالح فى أن تتعرض سوريا للتقسيم.
فهل نجحت الفصائل المتحالفة فى سوريا.. تحت قيادة هيئة تحرير الشام فى إنهاء الصراع على سوريا؟!
وهل تنجح فى بدء عصر جديد من الأمن والسلام والاستقرار فى سوريا؟! وهل يتوافر للشعب السورى ما يكفى من الأمن والسلام لإعادة الملايين من النازحين واللاجئين السوريين فى تركيا والأردن ولبنان ودول أوروبا وأمريكا وكندا؟!
الأسطول السادس
.. وبدأت الصحف الأمريكية تتحدث عن فرصة لاحت للأسطول السادس الأمريكى فى البحر المتوسط.. لإقامة قاعدة عسكرية له فى طرطوس.. وبهذا ترحل روسيا.. وتأتى أمريكا!!
الآن مستقبل سوريا.. هو السؤال الكبير؟!
لا يوجد مسار أو يقين واضح.
.. سقوط بشار الأسد.. فتح الأبواب واسعة أمام أطماع إسرائيل فى التوسع واحتلال المزيد من الأراضى السورية.
وقام الجيش الإسرائيلى بالاستيلاء فورا على المنطقة منزوعة السلاح فى الجولان.. وأعلنت تل أبيب ان اتفاقية الفصل بين القوات الموقعة مع سوريا فى 1974.. لم تعد قائمة وقامت الطائرات الإسرائيلية بأعنف غارات جوية على جميع المطارات والقواعد العسكرية للجيش السوري.. وأكدت تل أبيب ان الطيران الإسرائيلى قام بتدمير أكثر من 300 هدف عسكرى داخل سوريا.. تم خلالها تدمير العشرات من طائرات ومقاتلات الجيش السورى الحديثة.. خصوصا طائرات ميج- 29.. وتدمير كل قواعد الدفاع الجوى السورى ومخزون الأسلحة الإستراتيجية للجيش السوري.. خصوصا من الصواريخ الباليستية.
وهذه خسائر فادحة.. لسوريا وللجيش السوري.. الذى لم نعد نسمع عنه شيئا.. وهل هو باق أم أين ذهب وأين ذهب ضباطه وجنوده وأين ذهبت ألويته وكتائبه؟! سؤال كبير غامض.
الجولانى
لكن سوريا الآن وصلت إلى مرحلة تقرير المصير.. مصير الوطن السوري.. مستقبله.. مصير الدولة.. مؤسساتها ونظام الحكم.
أحمد الشرع.. الشهير باسم «أبو محمد الجولاني».. بدأ يقدم نفسه على أنه شخصية توافقية مع مختلف طوائف الشعب السورى وجماعته فى محاولة لتقديم نفسه بشكل مختلف يكسب به رضا بعض القوى .. لكن هل يمكن أن يتحقق ذلك.. الأيام سوف تثبت ذلك. وأيضاً أكد أنه مستعد للحوار حتى مع بعض مسئولى النظام السابق.
الآن الطريق أصبح مفتوحا لعودة اللاجئين السوريين للمدن والقرى التى خرجوا منها منذ أكثر من عشر سنوات مضت.. فهل انتهت سنوات الحرب والدمار والوحشة فى سوريا؟! وكيف يمكن ضمان بقاء سوريا بلدا موحدا ووطنا آمنا ومستقرا؟!
سوريا.. بحاجة للدعم.. أولا هذا هو مأزق وطنى كبير لسوريا وللشعب السوري.. واختبار تاريخي.
من الآن.. يتحدثون فى واشنطن وعواصم أوروبا عن استعداد ورغبة لتقديم العون المادى والدعم لبدء عملية إعادة البناء والإعمار فى سوريا.. ولكن الدعم لمن؟!
ودول الخليج العربى أيضا مستعدة لتقديم الدعم.. ولكن أيضا لمن؟! هذا هو السؤال.
وهذا هو ما سوف تجيب عنه الأيام القادمة.. وربما الأسابيع.. العالم لن ينتظر طويلا.
.. فقد حدث قبل سقوط الأسد بأسابيع ان جرت مشاورات إماراتية- أمريكية حول امكانية تخفيف العقوبات المفروضة على سوريا.. مقابل ابتعاد بشار الأسد عن محور إيران وحزب الله.
أسطورة حرب نهاية الزمان
.. ومع ذلك.. حان الوقت للحديث عن أسطورة مخيفة تتردد فى الشارع السوري.. على مقاهى دمشق.. منذ زمن طويل.. وهى ان سوريا سوف تكون هى ساحة «الحرب الكبري» التى سوف يشهدها العالم فى نهاية الزمن!
.. يقول الخبير الإستراتيجى الأمريكى روبرت فارلى إن 2024 كان عاما واعدا بالأزمات والصراعات والحروب الدموية المفاجئة ومن أكبر المفاجآت ان عام 2024 رفض ان ينتهى بدون أن يتم إسقاط بشار الأسد فى دمشق.
لكن عام 2024.. توعد الدنيا بأسرها.. بأن يترك للعام القادم فى 2025 ميراثا ثقيلا من الأزمات والحروب والصراعات الدموية.. والتحديات والأزمات.. والحروب التى لا تتوقف أو تنتهى وعلى مدى عشر سنوات مضت.. لم يشهد العالم مناخا مشحونا بالأزمات والمخاطر والحروب والتحديات كما يحدث حاليا وكان عام 2024.. هو قمة الحروب والأزمات والانقلابات الكبرى فى السياسة العالمية.
ومن المستحيل ان يتجنب العالم تفاقم الصراعات والأزمات والحروب.. بدون التزام صناع القرار فى عواصم القوى الدولية والإقليمية بضبط النفس.. والتزام الحكمة والدبلوماسية الواقعية.
مواقع الخطر
.. هجوم حماس المفاجئ على إسرائيل فى 7 أكتوبر 2023 أدى إلى اشتعال حروب إسرائيل الكبرى ضد الشعب الفلسطينى فى غزة.. وضد حزب الله فى لبنان وتصاعد الصراع بين إسرائيل وإيران.. وإسرائيل تخطط الآن لتدمير منشآت إيران النووية.. ويقول روبرت فارلي.. ان لجوء إيران لإنتاج السلاح النووى يشكل أزمة كبرى فى العالم.. وفى الشرق الأوسط.
.. ويمكن ان يؤدى للحرب.. لأن إسرائيل ترى فى امتلاك إيران للسلاح النووى خطرا يهدد وجودها.. ونتنياهو يطالب الجيش الأمريكى بالاشتراك مع الجيش الإسرائيلى فى تدمير كل ما لدى إيران من صواريخ ومنشآت نووية وهذا يمكن ان يشعل حربا نووية فى العالم.
الصراع على تايوان بين أمريكا والصين.. يمكن ان يشعل حربا عالمية فى 2025.
شبه الجزيرة الكورية.. يمكن ان تكون الشرارة الأولى فى حرب نووية عالمية فى 2025.
سوريا .. إلى أين ؟!
.. الآن الوضع فى سوريا.. لا أحد يعرف إلى أين؟!
لكن بعد سقوط بشار الأسد.. فإن كل الحسابات قد اختلفت فى دمشق.. وتغيرت خريطة سوريا خلال 12 يوما فقط.. سقط خلالها النظام.
فشل الجيش السورى وحلفاؤه فى روسيا وإيران فى التماسك.. والدفاع عن نظام آيل للسقوط.
.. فى النهاية سوريا.. ليست ورقة تطير فى الهواء.. أمام عيون وأطماع القوى الإقليمية العالمية.
.. هناك قوى خارجية.. تحاول التدخل وتقوم بالتدخل.. بدءا من أمريكا.. بالطيران والقواعد الأمريكية فى سوريا.. وحتى إسرائيل.. وتركيا.
كل الأطراف تتدخل فى شئون سوريا.. كل طرف بطريقته.. وبحساباته.. وسقوط نظام بشار الأسد.. يعنى ان سوريا أصبحت الآن أقرب للفوضى ومخاطر الفوضى الشاملة.. أكثر من أى شيء آخر.