قضية مهمة أفرزها الواقع الذى نعيشه على مدار العقود الأخيرة والضربات القاصمة والموجعة التى تتعرض لها ما يسمى جماعات وحركات وميلشيات المقاومة المسلحة وأبرزها، «حزب الله» و»حركة حماس»، بعد اغتيال ومقتل قادة الحزب بدءاً من حسن نصر الله الأمين العام للحزب، وثلاثة أجيال من قادة الحزب، ثم مقتل قادة حركة حماس من إسماعيل هنية ويحيى السنوار إلى القادة العسكريين والميدانيين فى الحركة، لذلك هناك سؤال بات يطرح نفسه، هل تودِّع المنطقة زمن الميلشيات والحركات والأحزاب المسلحة، باحتمالات انتهاء أو على الأقل إضعاف قدرات حزب الله وحركة حماس، وما ينتظر الحوثيين، وميلشيات أخرى مسلحة جميعها تتبع إيران، أو ما تعرف بأذرعها ومنها فى العراق، وسوريا، وهل اتخذ القرار النهائى بالقضاء عليها، هل نودِّع زمن حروب بالوكالة فى المنطقة، لتعود الحرب النظامية والتى تمثلها الجيوش الوطنية لأنها فرضت الحروب والمواجهات المسلحة.. هل نحن أمام درس واضح هو أهمية بناء وقوة الدولة الوطنية، ومؤسساتها وفى مقدمتها الجيوش الوطنية، القادرة على حماية الدولة وأيضاً القادرة على اتخاذ القرارات المصيرية التى تتعلق بمصالح الدولة والحفاظ على أمنها القومى.. هل نحن أمام مرحلة جديدة تحول من الكيانات والميلشيات الموازية للدولة الوطنية.. ومنها الدعم السريع فى السودان، وحزب الله فى لبنان وغيرها.
الحقيقة أن الإجابة لهذه التساؤلات مازالت تحتاج وقتاً، وما قد تضعه الواقع وما هو قادم، رغم أن قدرات هذه الكيانات تضعف بشكل كبير، لكن المعركة لم تنته بعد، وربما يكون الأمر مرهوناً، بمن يملك قرار هذه الكيانات، ومرجعيتها، وهنا أتحدث عن إيران التى تريد من هذه الكيانات أن تخوض حروباً وصراعات ومواجهات بالوكالة عنها.
إيران تعيش ظروفاً صعبة، ومازالت تترقب، رد الفعل الإسرائيلى على هجومها الصاروخى على تل أبيب، والذى قد يتحدد عليه مستقبل المنطقة فى حال الرد الإيرانى على الهجوم الإسرائيلى المرتقب، وتخشى طهران على الدخول بشكل مباشر فى مواجهة ليس مع إسرائيل فحسب بل ستكون مواجهة مع الجانب الأمريكى وحلفاء وداعمى إسرائيل بالإضافة إلى ما لديها من مشروع نووي، كذلك منشآتها النفطية، بل تريد إيران التفاوض وإيقاف الصراع والحرب سواء فى غزة أو تطبيق القرار 1071 فى لبنان، وهناك زيارات واتصالات إيرانية مكثفة من أجل هذا الهدف وتجنب الرد الإسرائيلي، وأحياناً التهديد برد فعل عنيف ضد تل أبيب إذا ما أقدمت على الهجوم عليها.
أذرع إيران فى المنطقة تعانى من مأزق كبير، يتعلق بوجودها وقدراتها.. وإن كانت تعمل بإمكانيات وقدرات إيرانية، لكن لم تفلح طهران فى إنقاذ ما يمكن إنقاذه، أو الدخول فى مواجهة على الأرض إلى جانب هذه الأذرع، وباتت إيران تدافع عن نفسها أكثر ما تدافع عن أذرعها، لذلك فإن الجميع فى مركب تعانى من مصارعة الغرفة، وهو الأمر الذى يسعى نتنياهو والأمريكان إلى استغلاله.
فى ظنى أن مستقبل الحركات والميلشيات المسلحة، والكيانات الموازية للدولة الوطنية، أو قل أذرع إيران فى المنطقة بات محفوفاً بالمخاطر، ومنذراً بالتواري، ودخول مرحلة تقليم الأظافر أو الإجهاز الكامل عليها، أو إبعاد الدعم والفخ الإيرانى عنها، لتسقط بشكل ذاتي، والأمريكان وإسرائيل والغرب لن يفوتوا هذه الفرصة فى ظل الموقف الضعيف، والواقع المرير الذى تعيشه أذرع إيران، وإن كنت أرى أن هناك وقتاً للحديث عن اختفاء هذه الميلشيات، لكنها لن تكون فى حال ما قبل العدوان الإسرائيلي، خاصة أن هناك أحاديث فى لبنان، ليس فقط من أحزاب المعارضة أو القوى السياسية الوطنية، ولكن أصوات شعبية عن أهمية بناء الدولة الوطنية اللبنانية، ورفض وجود حزب الله بشكل يوازى الدولة اللبنانية، وعليه أن يتجرد من أسلحته، فى مقابل تعزيز قدرات الجيش اللبناني، كما بات الحديث عن ضرورة الإسراع فى حسم قضية اختيار رئيس لبنانى يستطيع جمع القوى الوطنية فى الدولة المتأزمة، والتى تواجه أخطر التحديات على كافة الأصعدة.
يقيناً، هناك دروس مهمة من عام الصراعات والحروب الأخير، الذى شهد تصعيدا، وتهديدات كبيرة وتداعيات خطيرة انعكست على كافة دول المنطقة، لكن انتهاء الصراع أو العدوان الإسرائيلى لن يتم إلا بمكاسب كبيرة تتحقق لدولة الكيان، وهو ما يفسر طبيعة اليوم التالى لانتهاء الحرب فى قطاع غزة، فى ظل تأكيد نتنياهو أن حماس لن تحكم غزة، ولن يكون لها وجود وهو أمر سيكون حاضراً فى أى مفاوضات قادمة وهو الأمر الذى سيزيد الأمور تأزماً وتعقيداً، ويقطع الطريق أمام التهدئة ووقف الحرب.
على صعيد حزب الله، فإن قدرات الحزب العسكرية مازالت موجودة، لكنها بطبيعة الحال تأثرت، وفى حال قرر جيش الاحتلال، شن عملية برية شاملة أو توغل برى ربما تكون الأمور مختلفة لكن معنويات وقدرات حزب الله بعد سلسلة الاغتيالات التى طالت أمينه العام وقادته السياسيين والعسكريين ووقوع بعض مقاتليه فى الأسر لدى جيش الاحتلال، والضربات الجوية والصاروخية لمستوعات الذخائر والسلاح قد تؤثر على كفاءة قوات حزب الله فى الميدان، وهناك من يرى أن عناصر الحزب نجحت فى استعادة السيطرة، بدليل بعض الضربات الأخيرة التى وجهت إلى الكيان الصهيونى سواء عبر الصواريخ والمسيرات ومنها عملية قاعدة بنيامينا أو الوصول إلى العمق أو التصدى لمحاولات التوغل البرى الإسرائيلى وإسقاط قتلى منه.
اختفاء حزب الله ليس بالسهولة، لكن اختفاء حماس هو الأكثر صعوبة وهو ما يدركه الإسرائيليون أنفسهم وقاله متحدث جيش الاحتلال، إن حماس فكرة يصعب القضاء عليها لكن يمكن تقليص قدراتها، أما جبهات سوريا، والعراق واليمن، هو رهن القرار الإيرانى وهو ما ينطبق أيضاً على حزب الله حتى أعلن البعض أن لدى حزب الله صواريخ نوعية قادرة على إحداث اختراق العمق الإسرائيلى وتكبيد تل أبيب خسائر فادحة لكنها رهن القرار الإيرانى وعلى حد قول مصادر لبنانية لن تستخدم إلا دفاعاً عن إيران فى حالة تهديدها وليس دفاعاً عن لبنان.
ربما لا تختفى الميلشيات والحركات والأحزاب والجماعات المسلحة ولكنها ستضعف وسوف يظهر ذلك جلياً فى قادم الأيام، سواء بما سيتحقق على أرض الواقع، ونتائج المعارك الضارية مع إسرائيل وداعميها وأيضاً إذا نجحت واشنطن وإسرائيل والغرب فى «قصقصة ريش» إيران وإجبارها على عدم دعم الميلشيات والحركات المسلحة، وفصل إيران عن هذه الجماعات المسلحة وقطع دعم طهران لها أو فرض هذه الشروط على إيران فى حالة توقف الحرب والتفاوض على أمور كثيرة منها سياسات إيران وعلاقاتها الدولية وبرنامجها النووى ودعمها لأذرعها فى المنطقة، كل ذلك سيطرح على طاولة المفاوضات فى ظل التوجه إلى حلول سياسية وهو ما تريده إيران الآن فى ظل الحراك السياسى والدبلوماسى والزيارات المتوالية لدول المنطقة من أجل التهدئة، لكن.
فى اعتقادى أن حسابات إسرائيل بالهجوم أو الرد على إيران ستكون خاطئة وستؤدى إلى إشعال الموقف، وشيطنة إيران، وبالتالى ربما نحن أمام مزيد من التصعيد فى القادم لذلك فإن الأيام القادمة، سوف تجيب عن العديد من التساؤلات فيما يخص مستقبل إيران، وأذرعها، وأرى أن قضية حماس والمقاومة الفلسطينية مختلفة عن حزب الله فلن يكون أمامها سوى الاستمرار فى المقاومة والقتال.
إن لم تختف، فإن الكيانات المسلحة سوف تضعف، بعد الضربات التى تعرضت لها من جيش الاحتلال لكن الأمر الحاسم، فى مستقبل هذه الكيانات الموازية التى تسببت فى أزمات فى الداخل، وصراعات فى الخارج هو الموقف الإيراني، هل ستقطع عنها خطوط الإمداد والدعم هل سترفع يدها عنها، وهل ستجبر إيران على ذلك، وربما ينطبق هذا على أذرع إيران فى لبنان واليمن والعراق وسوريا، لكنى أرى أن الأمر مختلف فى قطاع غزة وفلسطين.
حماس كانت تتحدث عن صيغة وحكومة وطنية، وتوافق جمعى فى قطاع غزة وشيعيون يؤكدون على أهمية الدولة الوطنية اللبنانية.. لذلك أرى أن الصواب والمستقبل للدولة الوطنية، التى تعمل بفكر وحسابات الدولة، وليس بفكر الميلشيات والجماعات والحركات، والكيانات المسلحة، وهو أصل القضية، فلبنان وفلسطين تدفعان ثمناً باهظاً نتيجة غياب الدولة الوطنية، والتوافق الوطني.
تحيا مصر