رغم أن المؤسسات المصرية الدينية والثقافية والتربوية والإعلامية بذلت جهوداً ملموسة فى قضية تجديد الخطاب الدينى لكن التحديات المستحدثة أعظم.. لذلك تحدثنا مع مستشار شيخ الأزهر د.عبدالدايم نصير أمين عام المنظمة العالمية لخريجى الأزهر الذى رفض حصر الخطاب فى جانبه الدينى مؤكدا فى حواره
لـ «الجمهورية» أن التجديد يجب أن يمتد للخطاب الدينى والثقافى والفكري.. داعياً إلى مشاركة المواطن فى قضية التجديد حتى يعرف عوائدها عليه ويدعمها بصورة فعلية.. مشددا ضرورة وجود انتفاضة شاملة من كافة المؤسسات للوصول إلى الصيغة المأمولة من الخطاب الشامل الذى يسهم فى رفع وتيرة الأخلاق ويدعم التنمية المجتمعية.. كما تطرق الحوار إلى قضية المناهج الأزهرية والهجوم على التراث.
> كيف يرى مستشار فضيلة شيخ الأزهر قضية تجديد الخطاب الديني؟
>> الخطاب بصفة عامة بعيداً عن كونه خطاباً دينياً أو ثقافياً أو معرفياً أو مجتمعياً يعتبر أحد منتجات الفكر العام، وقبل حديثنا عن الخطاب يجب التفتيش عن الوعاء الذى يحوى مضمون هذا الخطاب، لأن الخطاب يمثل انعكاساً لهذا الوعاء من ناحية التوجه الفكرى أو العمق والسطحية، وكذلك من ناحية التسامح أو التشدد، ومع التفتيش عن الوعاء الفكرى للخطاب علينا أن نوقن بأن قضية تجديد الخطاب ليست مسئولية مؤسسة بعينها، سواء أكانت دينية أم ثقافية أم تربوية أم رياضية، بل هى مسئولية المجتمع بكافة مؤسساته، مما يفرض وضع إستراتيجية واضحة لتحقيقها فى ظل التحديات المعاصرة، وضرورة ابتكار آليات جديدة تتفق ومخرجات العصر الحاضر الذى تغيرت فيه المفاهيم نتيجة المؤثرات الخارجية التى جذبت الشباب بخطابها السريع العاطفى المليء بالتشدد والعنف أحيانا وبالتفريط أحيانا أخري، مما أدى إلى غياب الخطاب الوسطى المعتدل الأخلاقى الذى يراعى الواقع ويحترم الأعراف والعادات والتقاليد المجتمعية، ولذلك أصابتنا جميعا صدمة ذلك الخطاب المتحول بعدما لمسنا نتائجه فى الإرهاب بكافة أنواعه سواء فى صورة تدمير وتفخيخ وتفجير أو إشاعات وتزوير ورشاوى وتهرب وظيفى وعدوان على المال العام وحقوق الأفراد.
> بما أنكم وضعتم تأصيلا للمشكلة فكيف ترون الطريق للخروج من ذلك المأزق؟
>> لا سبيل سوى بالتعاون المدروس القائم على خطة مدروسة وإستراتيجية يقوم بتنفيذها المتخصصون بما يشبه الانتفاضة الشاملة التى تتعاون فيها المؤسسات الحكومية وغير الحكومية، والأهم وجود متابعة لما تحقق من المنجزات، ورصد الاخفاقات حتى نكون على بينة من طريقنا ونعرف حجم المنجزات ومدى العراقيل التى تعترض طريق التنفيذ حتى نكون على بينة من أمرنا، وأن ندرك وجود متغيرات مهمة وشديدة على ساحة الخطاب الدينى أو المعرفى أو الثقافى نتيجة تراكمات وإهمال وصل بنا إلى تلك النتيجة من الانحدار التى تجعل العلاج صعباً ولكنه ليس مستحيلاً.
> المواطن البسيط يسمع كثيراً مضمون أهمية تجديد الخطاب الدينى أو الثقافى ولكنه يسأل نفسه عن العائد عليه من وراء ذلك التجديد؟
>> يبتسم د.عبدالدايم نصير ثم يقول: هذا من جملة التحديات المهمة التى لا يلتفت إليها القائمون على عمليات التجديد، هذا التحدى هو كيفية مشاركة المواطن البسيط معنا فى إنجاز التجديد، ولن يشارك المواطن بدون أن يعرف قيمة العائد عليه من وراء نجاح عملية تجديد الخطاب بأنواعه الدينى أم الثقافى أم المعرفي، هذه المعرفة للمواطن البسيط سوف تكون أكبر مكتسبات النجاح فى طريق التجديد حيث سيصبح عاملاً مساعداً فى تنشئة أبنائه على تقاليد وتقويم ذلك الخطاب بما يشتمل عليه من مفردات أخلاقية وتنويرية، وإذا أردنا تبصرة المواطن بالمكاسب فإنها كثيرة حيث سيتمكن من العيش داخل مجتمع مملوء بالتسامح بين المختلفين عقائدياً أو فكرياً أو مذهبياً، مجتمع تنعدم منه أخلاق التزوير والغش والخداع أو الاحتكار وكافة المسالب الأخلاقية التى تفسد على الناس حياتهم، سوف نجد الأمانة فى الكلمة وفى التعليم وفى العلم وفى الطب وفى البيع والشراء، بالمختصر المفيد سنجد مجتمعاً حضارياً كما جاءت به الشرائع السماوية، وللعلم إقناع المواطن هى الخطوة الأولى فى طريق الخطاب الحضارى الذى نسعى إليه ونأمل تحقيقه.
> كثيرون يسارعون بإلقاء اللوم على الأزهر فصى قضية الخطاب الديني؟
>> لا يجب الخلط المتعمد حتى لا تضيع معالم القضايا.. الخطاب الدينى الذى نريد تجديده يجب أن نعرف أولاً أن مفهوم التجديد هو أن يتمكن الخطباء والدعاة من تطوير مفرداتهم التى يتعاملون بها مع المواطن البسيط حتى ينتقل من مرحلة قصص التخويف والتهويل وعذاب القبر وما يشبه ذلك من سرديات فى الخطاب الدعوي، وأن يجعل الدعاة تركيزهم على الخطاب الأخلاقى المتسامح الفاعل فى المجتمع بالبناء والتنمية، وأن ينظروا إلى الإسلام وفق منهجية التعمير لا التدمير انطلاقاً من تأكيد نبى الإسلام بأنه إذا قامت الساعة وفى يد أحد المسلمين فسيلة فإن استطاع أن يغرسها فليفعل، تلك العقلية الإسلامية تمتاز بأنها جاءت لبناء الحياة، كما أنها ترسم صورة للمسلم بأنه شخص حريص على العمل بصورة تجعله يفكر فى عملية الزرع لتلك النخلة رغم المخاطر والأهوال التى تصاحب قيام الساعة، ألم يكن من باب أولى أن يزيد حرصه وترتفع وتيرة العزيمة فى نفسه عندما تكون الأمور مستقرة دون مخاوف أو محاذير، هذا ما كان يجب حدوثه، لكن الواقع مختلف تماماً بصورة كاملة عما كان يجب، فالدول الإسلامية أغلبها تدخل فى دائرة الفقر من الناحية الاقتصادية وتصنفيها من الناحية العلمية بسيط، وكذلك معايير الشفافية والنزاهة، هذا الميراث الثقيل هل السبب فيه علماء الأزهر، أتحدى أن يحاول أحد أن ينكر قيام الأزهر وعلمائه بدورهم على أكمل وجه وأن الأزهر يمثل صمام الأمن المجتمعى بما يؤديه علماؤه من أدوار فى الداخل والخارج.
> هل يعتبر تطوير مناهج الأزهر عاملاً مساعداً فى تطوير الخطاب الديني؟
>> يدخل ضمن خطة الأزهر للتطوير وفق رؤية اللجنة العلمية المسئولة عن المناهج، وهذه اللجنة لديها عدد من المعايير التى تقيس بها مستوى الاستجابة الطلابية للمواد الدراسية من خلال نتائج الامتحانات فى المواد، إضافة إلى مراعاة أبعاد المتغيرات المرتبطة بالواقع، ولهذا وجدت تلك اللجنة القائمة على متابعة المناهج أن هناك بعض القضايا والمسائل التى أصبحت مجهولة فى التعاملات العصرية فقامت بعملية تسهيل المصطلحات وإحلال بعض القضايا ذات الارتباط بالواقع واستبعاد القضايا التى تجاوز ها الواقع، وذلك التطوير لم يأت على أسس التعليم الأزهرى الهادفة إلى تخريج طالب متميز فى العلوم الشرعية والثقافية والعلمية، واتحدى من ينكر نجاح الأزهر فى تخريج كوادر علمية ومعرفية متميزة أسهمت فى الارتقاء بالمجتمع، حيث تتميز العقلية الازهرية بالوسطية الفكرية فى التناول للقضايا، ولكن هذا لا يمنع وجود هجمات من خلل وسائل التواصل الاجتماعى وفق أجندات متباينة مما استلزم قيام الأزهر بعملية تحصين فكرى لطلابه ضد فيروسات الفكر المتطرف وتشريح قضايا الولاء والبراء والتمكين دار الحرب ودار السلم وغيرها.
> هل تعكس نتيجة الثانوية الأزهرية حركة تطوير التعليم الأزهري؟
>> كثيرون يربطون بين النتائج وبين المقاصد، فلا تعكس النتائج النهائية للمراحل التعليمية الثانوية أو الجامعية عن مستوى المنشأة التعليمية، وإنما يجب البحث عن المقاصد التى تستهدفها تلك المنشآت التعليمية حتى نعلم الأبعاد من وراء النتائج فى جانبى الإيجاب أو السلب، ومنذ فترة قرر الأزهر الشريف تطوير المناهج التعليمية بصورة جازمة لا تقبل التراجع بهدف تخريج طالب يعكس حقيقة صورة الأزهر الشريف وقتما كان طالب الأزهر بمثابة موسوعة مصغرة تجمع العلوم والمعارف المتنوعة، ولا ننكر أن التعليم الأزهرى قد شهد حالة تراجع منذ سنوات ماضية رغم النتائج المرتفعة التى كان يتم الإعلان عنها، ولذلك جاءت خطوة قيادات الأزهر الشريف بضرورة إعادة هيكلة شاملة لمناهج وأساليب التعليم فى المرحلة التأسيسية والجامعية وقد جاءت النتائج كاشفة عن مستوى لا يرقى للمستهدف من طلاب الأزهر، مما جعل القائمين على العملية التعليمية فى الأزهر يؤمنون أنهم على درب الصواب وطريق التصحيح، درجة أنه فى العام الأول لتطبيق خريطة التطوير لمستوى الطلاب جاءت النتيجة بنسبة 28٪ فى الثانوية الأزهرية وقد أصاب الطلاب وأولياء الأمور القلق لكن تحسنت النتائج فى الأعوام التالية بعدما أيقن الجميع جدية الهدف، وأكبر دليل على ذلك نسبة التحويلات وطلبات الالتحاق بالتعليم الأزهرى التى تفوق كثافة المعاهد.
> هل التطوير يقتضى ترك التراث الفكري؟
>> المنطق الحياتى يقضى أن الهجوم لا يكون سوى على العنصر الفاعل المؤثر، وأن محاولات التدمير لا تأتى سوى على الموانع الحامية للمجتمع، ولا ننكر أن هناك أجندات خارجية تستهدف القضاء على التراث، ويستخدمون أذرعهم الفكرية بهدف تشويه ذلك التراث وتحميله المصائب كلها، درجة أننا أصبحنا نخشى إذا وقعت حادثة تصادم بين سيارتين أن ينسبوها للتراث، ولكن هذا الهجوم لن يؤثر فى عزيمتنا على المحافظة على التراث باعتباره عملاً فكرياً دقيقاً متميزاً مشمولاً بالعناية من العلماء الأزاهرة الذين يدركون أهمية تربية النشء على عقلية التراث العلمية بعيدا عن بعض المسائل التى تم استبعادها والفتاوى التى تم تجاهلها لكونها وردت فى سياقات زمنية وأحداث بعينها فلا تنسحب على الواقع المعيشى الحادث، ولأن القلوب والعقول تطمئن إلى ما يصدقها القول لذا فإنهم كلما هاجموا التراث ازداد الإقبال عليه، واصرف بصرك إلى أروقة الأزهر التى أصبحت بمثابة جامعة لكل أطياف الفكر منذ العشر سنوات حتى من بلغوا من الكَبَرِ عتياً، ولذلك فإن التراث فى يد علماء الأزهر الذى يوجد داخل مكتبته العريقة حوالى 50 ألف مخطوطة تراثية تعتبر كنزا لا يُقَّدر بثمن.
> نأتى إلى المنظمة العالمية لخريجى الأزهر التى تقود التطوير الفكرى لطلاب العالم الإسلامى وهنا تبرز قضية التعايش المشترك ومواجهة التطرف كيف تعمل المنظمة على دعم الطلاب فكرياً فى تلك القضايا وغيرها؟
>> المنظمة العالمية لخريجى الأزهر تقوم بدورها فى تدريب الوافدين وتأهيلهم وتوضيح الصورة الصحيحة للإسلام، بهدف إعداد جيل من الدعاة يتميزون بالحكمة والموعظة الحسنة وتتكامل فيهم صورة الإسلام، لذلك فإن المنظمة قامت بإنشاء فروع لها داخل مصر وخارجها، وفتحت أبوابها لجميع خريجى الأزهر فى الداخل والخارج، ولدينا فريق عمل يتواصل على مدار الساعة مع جميع الخريجين لاستقبال قضاياهم وأفكارهم ومقترحاتهم بهدف تنمية الوعى لدى الخريجين، لكننا وجدنا أن القاسم المشترك فى التناول هى قضية التعايش المشترك وتفكيك الشبهات المتطرفة، لذلك قمنا بعمل دورات مفتوحة سواء بالحضور فى مقر المنظمة للطلاب الدراسين بمصر، يشارك فيها كبار المفكرين الذين يقتصر دورهم على رصد وسماع الشبهات التى تدور فى أذهان الطلاب ويتم بعد ذلك تفكيكها وفق منهجية الفكر الإسلامى الوسطى الذى يعتبر منهجية الأزهر الشريف، وهناك دورات «أونلاين» يشارك فيها الخريجون من دول عديدة لا يستطيعون الحضور إلى مصر، ولدينا مطبوعات متنوعة يكتبها الوافدون بأيديهم حتى نعرف منها مدى استيعابهم للقضايا ومعالجتهم لها، وأستطيع القول إننا حققنا نجاحاً كبيراً فى تنمية الفكر لدى الخريجين من الوافدين بصورة مميزة جعلت بلادهم يرسلون خطابات تقدير لجهود المنظمة على أننا نرسل لهم نماذج تضيف لأوطانهم فى مجالات العلم والمعرفة والتسامح والتعايش والانفتاح.