يقينا لا نجاح بلا تضحيات، ولا تضحيات دون وعى ولا وعى دون فكر وعلم وثقافة، وقد نختلف حول أمور كثيرة لكن الثابت ان الدول الكبرى لم تصبح كبيرة إلا بالتضحيات الجمعية، وجميعنا يظن أنه يضحى من أجل الآخرين – كل الآخرين – معظمنا يظن انه لم يأخذ حقه فى مجتمعه وأنه يستحق أكثر مما هو فيه وعليه، معظمنا ينظر إلى غيره مفنداً ومتابعاً ومراقباً ومنتقداً وينسى نفسه بما فيها من سوءات وخطايا، لذلك يجب أن ننظر إلى أننا فى اختبارات واختيارات نمر بها ومعها كل صباح، والنجاح صار أمر محل نظر كما الفشل، لم يعد هناك تعريف محدد ومتفق عليه لمفهوم النصر مثلاً ومن ثم الهزيمة، كذلك يقف البعض حائراً أمام مفاهيم الوطنية والدولة الوطنية والمعارضة النزيهة والمعارضة المزيفة وكذلك الإعلام الوطنى والإعلام المرتزق، حتى وصلت الأمور إلى الارتباك المعرفى والمفاهيمى بين الدولة والميليشيا! وكذلك الوطنية والخيانة، واليوم أفكر ملياً فى فكرة التضحيات، فتعريف التضحية أيضاً صار نهباً ومرتعاً للخلافات السياسية، فإذا ارتفعت أسعار البترول العالمية بفعل الحروب والصراعات ترتفع معها أسعار المحروقات المستوردة ويتم ترحيل جزء منها للمستهلك، هذا يحدث فى كل دول العالم دون ضجيج، لكن فى مصر الوضع مختلف، فثقافة الدعم والمجانبة خرّبت الثقافات، لكن الثابت ان الدول والأوطان لم تبن وترتفع هامات الأمم والشعوب دون تضحيات حقيقية ومؤلمة، تبدأ هذه التضحيات من القمة إلى القاع، فالتضحيات بالنفس والروح والدم من أجل الأوطان هى الأعلى مرتبة دون سواها ويتصدرها الضباط والجنود فى ميادين المعارك والحروب والصراعات، وهناك من يضحى بماله أو وقته أو خبرته من أجل وطنه، وهناك من يضحى براحته وسلامه النفسى وحياته المرفهة من أجل المشاركة فى الشأن العام، وهناك من يتحمل بعض الصعوبات الاقتصادية مقتنعاً وصابراً من أجل غد أفضل وهذا أيضاً نوع من التضحيات، وهناك من يضحي/ يتصدق بعرضه وهو يواجه أهل الباطل يحاولون نهش سمعته ونشر الشائعات حوله بالباطل وهذا أيضاً نوع من التضحيات، لكن بنظرة فاحصة لحجم ونوع التضحيات التى يقدمها المصريون للحفاظ على الدولة الوطنية ومجابهة التحديات والتهديدات غير المسبوقة وسط إقليم مشتعل بصراعات لن تنتهى فى القريب العاجل وتحول بعضها إلى ما يسمى «بالحروب والصراعات المملة» سنجد هذه التضحيات أمر يسير ويسير جدا بالنسبة لعظم الهدف والمقصد، فارتفاع سعر درنات البطاطس لبعض الوقت وانقطاع التيار الكهربائى لبضع دقائق وخفض نسبة الدعم المقدم من الحكومة قليلاً للمحروقات او المخبوزات وما ينتج عنه من ضغط على جيوب المواطنين تحت مظلة الحماية الاجتماعية، كل هذا لا يمثل شيئاًَ لو كان المقابل هو الحفاظ على الوطن، واستمرار مخزون الأمن والأمان، أعلم أن المزايدين لا يعجبهم هذا الطرح، ففكرة أننا أفضل – والحمد لله من غيرنا – فكرة لا تجد القبول عند هؤلاء الذين اعتادوا على تزوير الواقع وتزيين أفعال الشيطان وأقواله لدغدغة مشاعر الجماهير ونفاق العوام، لكننى هنا أقول بتجرد والله شهيد على ما أقول وأردد، لقد استطاعت مصر خلال سنوات عشرة صناعة المستحيل وتقديم معجزة حقيقية على الأرض فى وقت لم يعد يعرف أو يعترف بالمعجزات، إعادة بناء الدولة بتكلفة تريليونية والقضاء على الإرهاب والحفاظ على استقرار الوطن ووحدة وسلامة أراضيه وسط عالم يعاد تشكيلة لتختفى دول من على الخرائط وقطعا لن تعود مجدداً وتتآكل دول أخرى وتتحلل جيوش وتسود المنطقة ميليشيات مسلحة من دون الدولة الوطنية، لذلك أضحك كثيراً عندما أتابع أحدهم يتحدث بطريقة جادة عن سعر ورق العنب أو البامية أو البطاطس أو يدخل أحدهم فى جدال عقيم حول أولويات مشروعات البنية التحتية ويتحدث كما لو كان خبيراً أممياً فى كل المجالات وهو لا يجيد إدارة «كشك سجاير» أتابع كل هؤلاء وأتساءل هل ينقصهم الوعى الحقيقي؟ أم ينقصهم التجرد؟ أم أن تكوينهم الوطنى به عوار تكوينى وعيب خلقى لا يمكن علاجه؟ أنا لا أخوًّن أحداً ولكن أتساءل ألا يعقل هؤلاء ويتدبر كل منهم ما يدور حولهم من صراعات حوًّلت دولا كانت ملء السمع والبصر إلى دويلات وميليشيات؟ فيا ليت قومى يعلمون أن طريق الآلام والتضحيات مسار اجبارى لأجل بقاء الدولة الوطنية المصرية.