ليست صدفة على الإطلاق أن يتزامن الحوار الوطنى فى مناقشته لقانون الحبس الإحتياطى مع ما يقوم به مجلس النواب من تعديلات فى قانون الإجراءات الجنائية. فالأمران مرتبطان تمام الإرتباط. والحقيقة التى لا يمكن إغفالها أو تجاهلها على الإطلاق أن الإرادة السياسية الفاعلة التى يقوم بها الرئيس عبد الفتاح السيسى من أجل إرساء الإستقرار الأمنى والسياسى والإقتصادى واضحة وضوح الشمس .فكما أن هناك إجراءات قوية فى المناحى الاقتصادية والأمنية، كذلك هناك إجراءات أكثر قوة من الناحية السياسية وذلك بهدف تدعيم الديمقراطية الحقيقية التى يبتغيها المواطنون منذ زمن طويل.
وهنا تأتى فكرة الحوار الوطنى الذى دعا إليه الرئيس عبد الفتاح السيسى فى أبريل عام 2022 والذى تناول العديد من القضايا والموضوعات الشائكة والمسكوت عليها. وهذا الحوار خرج بتوصيات بالغة الأهمية منها ما هو تنفيذى ومنها ما هو تشريعى وباتت الأمور قيد التنفيذ بعد إصدار الرئيس السيسى تعليماته إلى الحكومة بتنفيذ كل ما هو تنفيذى على الفور وتكليف الحكومة أيضا بإعداد مشروعات القوانين لعرضها على مجلس النواب لإتخاذ ما يلزم بشأنها طبقا لتوصيات الحوار الوطني، الذى شارك فيه كل أطياف المجتمع المصرى من أحزاب سياسية ومجتمع مدنى واتجاهات فكرية وثقافية وأساتذة الجامعات. ولم يصادر الحوار على رأى أو فكر بل بالعكس كانت كل الآراء مفتوحة أمام الجميع بلا استثناء. الكل يدلى بدلوه بدون رقابة وبدون حذف أو تعديل وخلافه..
ومؤخرا تناول الحوار الوطنى قضية بالغة الأهمية وهى الحبس الاحتياطى تلك القضية التى تحقق ضمانات حقيقية للمتهم طبقا للقاعدة القانونية التى تؤكد أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته. وتم الإتفاق على عدة توصيات تم رفعها الى الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى قرر على الفور فى إطار الديمقراطية الحقيقية الإستجابة لتوصيات الحوار الوطنى وتوجيه الحكومة للتنفيذ على الفور سواء ما كان سريعا فيما يتعلق بالشأن التنفيذى وفيما يتعلق بإعداد القوانين التى تهدف الى تحقيق متطلبات ما أوصى به الحوار الوطني. وتلك هى الديمقراطية الحقيقية النابعة من المشاركة الفعالة من كل الأطياف وهو ما تمثل فى الحوار الوطنى وإنتهوا إلى صياغة نهائية وتم مناقشة قضية الحبس الإحتياطى من كل الزوايا والإتجاهات بلا استثناء وانتهت إلى هذه التوصيات التى باتت قاب قوسين أو أدنى من التنفيذ. فضلا عن تزامن هذا الأمر مع قانون الإجراءات الجنائية داخل مجلس النواب وقيام اللجنة الدستورية والتشريعية بالمجلس بمناقشة مشروع القانون وإنبثقت أيضا لجنة فرعية عن مجلس النواب لمناقشة القانون، مما يعنى أن هناك إهتماما بالغا وشديدا بهذه القضية بشكل يفوق كل الخيال. وهذا يستوجب توجيه التحية والشكر إلى مجلس النواب والى اللجنة التشريعية واللجنة الفرعية فيما قاموا به من جهد كبير فى هذا الشأن. كل ذلك تمهيدا لإصدار قانون الإجراءات الجنائية الجديد. وهنا ملاحظة بالغة الأهمية وهى أن مناقشة الحوار الوطنى لقضية الحبس الاحتياطى أنها تتزامن مع قانون الإجراءات الجنائية ..هذا يعنى أن الأمر كما قلت سابقا ليس صدفة وإنما هو معد مسبقا وبتخطيط جيد. وكل ذلك ياتى فى إطار تحقيق المزيد من الضمانات بحقوق المواطن المصرى واستخدام كل ما هو مستحدث من إجراءات جنائية فى أكثر الدول الديمقراطية فى كافة مراحل التقاضى من جمع الإستدلالات أو التحقيق أو المحاكمة وخلافه. وأيضا نجد فى قضية الحبس الإحتياطى أنه يحقق ضمانات للمتهم ودفاعه بما يتضمنه من وضع مهم جدا كمبدأ أن الحبس الإحتياطى ليس عقوبة وإنما هو عبارة عن إجراء وقائى تستلزمه مصلحة التحقيق ووفق زمن محدد وبدائل.. فضلا عن استحداثه مبدأ التعويض المادى وجبر الضرر عن الحبس على نحو خاطئ.
وهو ما أكد عليه الرئيس بأهمية تخفيض الحدود القصوى لمدد الحبس الاحتياطي، والحفاظ على طبيعة الحبس الاحتياطى كإجراء وقائى تستلزمه ضرورة التحقيق، دون أن يتحول لعقوبة، مع تفعيل تطبيقات بدائل الحبس الاحتياطى المختلفة، وأهمية التعويض المادى والأدبى وجبر الضرر، لمن يتعرض لحبس احتياطى خاطئ.
أليس ما يحدث فى كل هذه الأمور يؤكد بما لا يدع أدنى مجال للشك أن مصر تسعى بكل السبل والطرق إلى تحقيق المزيد من الاستقرار السياسي. وهذا يتمثل فى حد ذاته فى قمة الديمقراطية التى تمثلت فى أمرين. الأول وهو الحوار الوطنى الذى تحدث عن الحبس الإحتياطى بكل شفافية وكذلك مناقشة مجلس النواب لقضية قانون الإجراءات الجنائية ..كل ذلك مؤداه أن مصر تعيش مرحلة ديمقراطية حقيقية من خلال تفعيل حياة سياسية سليمة طبقا لنص المادة الخامسة من الدستور. وهذا فى حد ذاته أكبر رد على كل الذين يزايدون فى هذا الملف المسكوت عليه منذ زمن طويل فيما يتعلق بالحبس الاحتياطى أو قانون الإجراءات الجنائية. ومن المؤكد أن كل ذلك سيتم عرضه على مجلس النواب فى دور الإنعقاد الجديد لإقراره وبذلك تكون مصر قد حققت انجازا تاريخيا فى تفعيل الحياة السياسية الحقيقية والسليمة التى تتم من خلال كل الآراء وكل الأطياف بلا استثناء ولم يتم مصادرة رأى أو فكرة وإنما تم التوافق فى نهاية المطاف على هذه التوصيات سواء فيما يتعلق بقانون الإجراءات الجنائية أو فيما يتعلق بقانون الحبس الإحتياطى .. وكل ذلك يعد عملا أساسيا فى منظومة الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التى تسعى بالدرجة الأولى إلى توفير الحياة الآمنة والمستقرة والكريمة لكل المواطنين.