كنت أتوقع أن يصدر مركز معلومات مجلس الوزراء مع نهاية الدورة البرلمانية الحالية كتابًا أو تقريرًا علميًا جامعًا لتوثيق حصاد الدورة البرلمانية التى أوشكت على النهاية كما كان يحدث، حصاد التشريع والرقابة، كم تشريعاً صدر استجابة لاحتياجات الناس، وكم استجوبًا أو طلب إحاطة أو بيانًا قُدِّم استجابة لمطالب الشعب.. كما كنا نتوقع أن يصدر هذا المركز كتابًا سنويًا على رأس كل عام جديد (كما كنا نفعل فى كتاب الجمهورية أثناء رئاستى لتحريره ورئاستى لمجلس إدارة المؤسسة) ليكون بمثابة مرجع يرصد بأمانة وشفافية حقيقة ما نحن فيه، ما وقع من سلبيات وأخطاء وما أنجز من مشروعات ونجاحات؛ لكننا مازلنا نفتقد مثل هذا النوع من الكتب والاستطلاعات وإن شئت الدقة نفتقد مراكز معلومات ودراسات بإمكانها الاضطلاع بمهمة إخراج استطلاعات رأى جادة ورصينة تقنع المواطن البسيط الذى يحتاج لمثل هذه الحقائق الكاشفة لشتى جوانب الواقع، المتنبئة باتجاهات المستقبل واحتياجاته وتحدياته، وتقدم فى الوقت ذاته بدائل مهمة وحلولاً قائمة على العلم والدراسة المستفيضة لصانع القرار الذى لا يمكنه القيام بكل شيء لوحده.
مركز معلومات مجلس الوزراء كان حريصاً فيما مضى على إصدار تقارير واستطلاعات رأى دورية كاشفة بعمق عما يختمر فى التربة المصرية من أحداث واتجاهات للرأى العام.. ولا أدرى لماذا لا يصدر المركز تحليلًا علميًا لأهم ما تلقته منظومة الشكاوى الحكومية من استفسارات وشكاوي، لاسيما فى ظل ما يوليه رئيس الوزراء د.مصطفى مدبولى من اهتمام متزايد بها، لنعرف ما أكثر القطاعات التى تسببت فى تلك الشكاوى ولماذا.. وكيف تعاملت معها أجهزة الحكومة.. وما نسب المشكلات التى جرى حلها على أرض الواقع ..وردود فعل المواطنين حول تلك الاستجابات.. كما نرجو لو يصدر المركز تقارير ربع سنوية بأهم ما دار فى مصر من أحداث وقضايا شغلت الناس واستحوذت على اهتماماتهم فى المجالات كافة، بدءاً بالأسعار، مروراً بالمؤشرات الكلية للاقتصاد وانتهاء بمجريات السياسة وتطوراتها فى الداخل والخارج وما تشهده من نقلة نوعية غير مسبوقة..ومدى رضاء المواطن عن أداء حكومته وبرلمانه ليبدد سحب الدخان التى تتسبب فيها قنوات الشر ومواقع الإفك التى لا تتوانى عن الصيد فى الماء العكر لتأليب الرأى العام وإشاعة حالة من الإحباط واليأس بين المواطنين.
كنت أرجو والحال هكذا أن يرصد مركز معلومات مجلس الوزراء نبض الشعب عبر استطلاع رأى حر يقيس من خلاله أداء الحكومة وزرائها ومحافظيها ومجلس النواب والأحزاب وشتى فعاليات المجتمع ومؤسساته حتى يكون الشعب على بينة مما يجرى فى واقعه، وما ينتظره فى المستقبل.. استطلاع رأى يرصد الإنجازات التى تحرزها الدولة ورئيسها فى كل موقع على أرض مصر.. ومدى إلمام المواطن بها، وإيمانه بجدوى الإصلاحات التى أثرت بلا شك عليه وتحمل ولا يزال جانباً كبيراً من تداعياتها بل إنه بشهادة الرئيس السيسى هو البطل الحقيقى فى معركة البناء والبقاء ودحر الإرهاب.
لا تزال مصر تعيش مرحلة هى الأصعب فى تاريخها، مرحلة اضطربت فيها دول المنطقة اضطراباً عظيماً لم تشهده ربما فى تاريخها كله.. لكن مصر بفضل وعى شعبها وقيادتها نجت مما كان يحاك لها فى الظلام من مؤامرات لا تزال تتهددها فى المنطقة، فحدودها الاستراتيجية لا تزال ملتهبة، ولا تزال دولٌ مجاورة تعيش مخاضًا صعبًا وصراعات دموية كما فى السودان وليبيا، ناهيك عما يجرى فى غزة المحاصرة من حرب إبادة لا تجد للأسف ردود فعل عربية على قدر الحدث.
وقد ظهر ذلك جليًا فى القمة العربية ببغداد حيث وجدنا مصر كعادتها دائمًا تتحمل العبء الأكبر فى محيطها العربى دفاعًا عن قضية العرب المركزية ممثلة فى قضية فلسطين التى أبدت للأسف بعض الدول الأجنبية كأسبانيا وجنوب أفريقيا مثلاً اهتماما متزايدًا.
وحتى لا نجافى المنطق فثمة جهاز وطنى على درجة عالية من الأهمية، وهو جهاز التعبئة العامة والإحصاء الذى يقدم معلومات يجرى جمعها ومعالجتها بأعلى درجات الإجادة والتوثيق ويمكن الوثوق بها لرسم ملامح الواقع بشتى أبعاده ومكوناته..لكن رصد الحوادث اليومية والقضايا المتغيرة بشتى درجاتها لا تدخل فى اختصاص هذا الجهاز الوطنى الرصين.. وكنا نرجو لو قام مركز معلومات مجلس الوزراء بسد هذا النقص على أسس علمية مدروسة لا تكتفى بسرد الحدث مجرداً بل تقدم معه تحليلات معمقة واستنتاجات علمية ترسم خارطة طريق للمستقبل كما تفعل مراكز الأبحاث المرموقة فى كل الدنيا والتى لا تترك شاردة ولا واردة دون رصدها والوصول لحقيقتها.
كنا نرجو لو خرج علينا استطلاع رأى يجيب عن كل تساؤلات الشارع وما يختلج فى النفوس من أمانى ومخاوف، وما يسود من انطباعات وتصورات.. استطلاع بوسعه أن يجيب مثلاً عن تساؤلات مثل: هل عبر اقتصادنا مرحلة الخطر..وما وضع الاستثمارات المحلية والخارجية..هل زادت معدلاتها أم تراجعت.. وما مدى جاذبية بيئة الاستثمار فى مصر.. أهى جاذبة لرأس المال الأجنبى أم طاردة.. وهل أدى قانون الاستثمار الجديد لتحسن ذلك المناخ.. وماذا عن التعليم والصحة..هل وضعت المبادرات المختلفة يدها على الخريطة الصحية لمصر.. وأسهمت فى إنعاش الصحة المعتلة..وماذا عن معدلات الإصابة بالأمراض المزمنة وكيف تراجعت بصورة ملحوظة بفضل المبادرات الصحية الرئاسية..وماذا عن قائمة انتظار العمليات الجراحية التى وجّه الرئيس السيسى بضرورة الانتهاء منها فى أسرع وقت ممكن.. هل تحسنت منظومة الصحة فى ظل الخطط والبرامج المطروحة أم لا تزال تحتاج مزيدًا من الجهود حتى تؤتى ثمارها.
وللحديث بقية.