بينما ينتظر العالم الرد الإيرانى المتوقع على اغتيال إسرائيل لرئيس المكتب السياسى لحركة حماس إسماعيل هنية على أراضيها، بدأت عدة مراكز بحثية مهتمة بمستقبل الحروب والشرق الأوسط والشأن الإيراني، فى رسم خريطة للصراع بين طهران وتل أبيب الفترة القادمة، والذى سينتقل إلى مستوى جديد من التصعيد، وقواعد جديدة للردع بين الخصمين.. أهم النقاط المحورية التى ترسم ملامح هذا الصراع، ستكون الحرب النفسية التى ستلجأ إليها طهران كإستراتيجية طويلة المدى لتهديد داخل الكيان، وخلق حالة دائمة من الرعب والخوف لدى الإسرائيليين محاولة «استنساخ» الأوضاع فى مستوطنات الشمال التى هجرها سكانها بسبب غارات حزب الله من الجنوب اللبناني، إلى داخل تل أبيب والمدن الأخري.
كما ستشتعل حروب الفضاء الإلكترونى بين الخصمين اللذين سيشن خلالها كل منهما عدة هجمات مباشرة على المصالح الحيوية والإستراتيجية للآخر محطات توليد كهرباء، تنقية مياه، مستشفيات، مؤسسات حكومية وحتى استهداف المنشآت العسكرية.. وفى الوقت الذى ستصعد فيه تل أبيب من حملات تشوية النظام الإيرانى دافعة نحو مزيد من العقوبات الدولية عليه بسبب البرنامج النووي، ستكثف طهران من جهودها التى بدأتها قبل فترة للحصول على مناطق نفوذ افريقية تسمح لها بالوصول إلى البحر الأحمر بسرعة لسهولة محاصرة إسرئيل عبر منفذ مائى قريب جغرافياً.. وهنا تجدر الإشارة إلى محاولات سابقة لطهران للحصول على موافقة السودان بإنشاء قاعدة عسكرية على البحر الأحمر، انتهت برفض الخرطوم.. يضاف إلى ذلك تسريع وتيرة العمل ببرنامجها النووى الذى ربما ينتهى إلى امتلاكها قنبلة نووية.
مركز دراسات الحرب فى واشنطن، علق فى نشرته الإسبوعية على طبيعة الرد الإيرانى المتوقع قائلاً «تعتزم إيران إثارة الخوف والقلق بين الإسرائيليين من خلال إبطاء ردها والاستفادة من التكهنات حول متى وكيف سترد.. تشن طهران «حربًا نفسية لا تشوبها شائبة» من خلال إطالة أمد الانتقام».. وأضاف «ان هذه الحرب النفسية عطلت الروتين اليومى للإسرائيليين وأصابت الاقتصاد الإسرائيلى بمزيد من الركود، ورفعت درجة الاحتقان المجتمعى ضد حكومة نتنياهو».
معهد «أمريكان إنتربرايز» فى واشنطن، وهو مؤسسة بحثية مختصة بدراسات الحرب، تجاوز الحديث عن المواجهة المتوقعة، وبدأ فى رسم سيناريو للمرحلة المقبلة قائلاً: «تطور طهران مفاهيم جديدة لتدمير إسرائيل دون الحاجة إلى هزيمة جيش الدفاع الإسرائيلي.. تدرك طهران التفوق التكنولوجى للجيش الإسرائيلى والمخاطر التى قد تجرها حرب علنية، ومن ثم فإن يستكشف الإيرانيون كيفية استخدام القوات بالوكالة لتعطيل النظام الاقتصادى والاجتماعى الإسرائيلى دون إثارة حرب واسعة النطاق.. وينطلق تفكيرهم من النظرية القائلة بأن زعزعة استقرار إسرائيل من شأنه أن يدفع المواطنين اليهود إلى الفرار وإنهاء إمكانية بقاء الدولة اليهودية فى إسرائيل على المدى الطويل.»
إليوت أبرامز، خبير شئون الشرق الأوسط فى مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية، قال «أعتقد أن إيران لا تريد حرباً كبيرة ضد إسرائيل، لديهم وسائل أخرى للرد، من أهمها تسريع برنامجها النووي، الذى كثفته طهران منذ أن تخلى الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب فى 2018 عن الاتفاق النووى الإيرانى 2015 المصمم لتقييده مقابل فوائد اقتصادية.. لكن الخطوة الأكثر خطورة ستكون زيادة نقاء اليورانيوم المخصب إلى 90٪، والذى يعتبر من الدرجة المستخدمة فى صنع القنابل، ويمكن أن يأتى ذلك بنتائج عكسية وتستدعى ضربات إسرائيلية أو أمريكية».
سانام فاكيل، محلل شئون الشرق الأوسط فى تشاتام هاوس «المركز الملكى للدراسات الدولية»، فى لندن، قال: «يحاول مسعود بيزشكيان، الذى ينظر إليه على أنه إصلاحي، الموازنة بين الحاجة الملحوظة لإظهار قوة الرد الإيرانى على إسرائيل، ومصلحة حكومته الأوسع فى تخفيف آثار العقوبات الاقتصادية الغربية ومنع بلاده من أن تصبح أكثر عزلة دوليا».. وأضاف «يمتلك الجانبان مؤسسات دفاعية كبيرة نسبياً، إلا ان أياً منهما لا يمتلك القدرات العسكرية الكافية لخوض صراع طويل ومباشر.. وباستثناء القدرة النووية الإسرائيلية غير المعلنة.