الجامع الأزهر أقدم جامعة عالمية متكاملة، احتضنت أروقته الملايين من طلاب العلم، حتى أصبح قِبلة العلم، ومنبع الوسطية، ومنارة الإسلام الشامخة، طيلة عُمره الذى تجاوز عمره الألف سنة، متحملاً مسئوليته العلمية والدينية والوطنية والحضارية تجاه الشعب والأمة الإسلامية كلها، فكان لها رمز حضاري، ومرجع علمى رئيسي، ومنبر دعوى صادق.
وقد حرص فضيلة الإمام الأكبر د.أحمد الطيب شيخ الأزهر أن يصبح الجامع بمثابة جامعة متكاملة بهدف احتواء الراغبين فى المعرفة الدينية الوسطية ممن لم يدرسوا بالأزهر فقرر إنشاء أروقة علمية يقوم على إدارتها أساتذة متخصصون فى العلوم الإسلامية ويحاضر بها كبار علماء الأزهر، كما وضع الإمام الأكبر إستراتيجية إدارية للجامع الأزهر تمتاز بالابتكار والإبداع باعتبار أن الجامع الأزهر مقصد لكل المسئولين الذين يأتون فى زيارات رسمية لمصر.. «الجمهورية» حاورت د.هانى عودة مدير الجامع الأزهر الذى يصفه رواد الأزهر بأنه «دينامو» الحركة فى الجامع والأروقة الذى يبدأ يومه من العاشرة صباحا ويمتد حتى بعد صلاة العشاء وذلك فى الأيام العادية.. أما فى شهر رمضان فإنه يقيم بصورة شبه دائمة لا يغادر الجامع الأزهر سوى بعد صلاة الفجر ويأتيه العاشرة صباحا للإشراف على مائدة الإفطار ودروس العلم وصلاة التراويح والتهجد.
>> ما هى أخطر القضايا التى تستشعر أن الجامع الأزهر له دور فى مناقشتها؟
> القضايا كثيرة وأهمها قضايا: التكفير، والتعصب المذهبي، والإلحاد والشذوذ، وقضايا الأخلاق والمواطنة وحماية الاقتصاد القومي، والأمن الفكري، والحقوق والواجبات الأسرية والمجتمعية، وقضايا الثأر والميراث، وأدب الحوار فى الإسلام، والسلام العالمى ومكانة الشباب، وضرورة التفكير، وقضية الوعى ومكانة العقل والمقاصد العامة للشريعة الإسلامية مع إحياء منظومة الأخلاق فى عصر التقنية والرقمنة
>> كثيرون يتحدثون عن الترند هل الجامع الازهر الشريف بحث عن الترند فى رمضان؟
> الترند يبحث عنه الهواة والمحدثون، أما الجامع الأزهر فإنه ميراث وتراث من الفكر والعلم والإبداع والتميز، لذلك فإننا نؤدى رسالة، ونحمل دعوة قائمة على الوسطية والاعتدال، ومنهجنا أساسه العمل المجرد دون التفات إلى الأضواء ومقصدنا تبليغ الرسالة وأداء الأمانة التى يقوم عليها الأزهر الشريف، وتتكامل مؤسسات الأزهر فى حماية العقول من الاختطاف الذى تمارسه جماعات التطرف والعدوان، ولأن قانون الحياة أنك إذا أخلصت العمل ابتغاء وجه الله تعالى فإن الله تعالى يمنحك فوق ما تتوقع أضعافا مضاعفة، لذلك فإننا كنا حريصين على أن يستشعر المسلمون فى رمضان أجواء الشهر الكريم بما فيه من نفحات وعطاءات وفيوضات إلهية، وقد خضنا تجربة عرضناها على فضيلة الإمام الأكبر وساعدنا فيها بصورة كبيرة وكيل الأزهر د. محمد الضوينى وهى أن يتم اختيار أبناؤنا النوابغ لإمامة الصلاة، وبالفعل أخبرنا د.أبواليزيد سلامة مدير إدارة شئون القرآن أن الأزهر به أصوات مميزة من الطلاب تم اختيار 30 منهم لتسجيل القرآن الكريم مرتلا، واستقر الرأى على أن نبدأ بعدد بسيط هذا العام على أن يتم التوسع العام المقبل، حتى أنه من الممكن أن يؤدى طلاب الازهر الإمامة طيلة الشهر فى التراويح، وساعدنا فى نقل تلك التجربة الإدارة الإعلامية المحترفة بمشيخة الأزهر الشريف ولأن النفوس تألف الجميل لذلك فإن أبناءنا دخلوا قلوب الملايين ليؤكدوا أن دولة التلاوة المصرية قائمة شامخة راسخة لا تحركها الرياح ولا تؤثر فيها عواصف السوشيال ميديا.
>> إمام القبلة مسابقة جديدة أطلقها الجامع الازهر ما هو الهدف منها؟
> يشهد صحن الجامع الازهر مولد كثير من عباقرة التلاوة كل عام ليتم اكتشاف مجموعة من القراء الجدد الذين تم اكتشافهم من خلال مسابقة إمام القبلة بالجامع الازهر الجامع الازهر النوابغ الجدد ويصدرها الى دول العالم، حتى يعلم الناس جميعا أن دولة التلاوة المصرية باقية حتى يرث الله الأرض عليها.
>> ما هى معايير اختيار أئمة القبلة بالجامع الأزهر؟
> اتقان حفظ كتاب الله تعالى بالقراءات مع إجادة الاداء الصوتى للقراءات والروايات معا، والجمع بين النظرية والتطبيق والتنسيق.
>> أروقة الازهر لها تاريخ علمى هل لا تزال تمارس ذلك الدور أم تم سحبه منها فى التعليم الجامعي؟
> أروقة الأزهر لها العديد من الأنشطة العلمية مثل رواق العلوم الشرعية والعربية، وهدفه نشر العلوم الشرعية والعربية بين الشباب والنشء لحمايتهم من الأفكار الهدامة والمتشددة ومعالجة الآراء المتطرفة خاصة بين الذين لم تساعدهم الظروف للالتحاق بالأزهر الشريف، كما تشهد أروقة الجامع الأزهر ملتقيات علمية، مثل ملتقى التفسير وهدفه إظهار الإعجاز القرآنى فى ثوب جديد يكشف عن الحقائق العلمية والإعجاز التشريعى فى القرآن الكريم والسُنة النبوية المطهرة ويقوم عليه أساتذة متخصصون فى النواحى الشرعية والعربية والبلاغية وعلوم الطبيعية والزراعة والعلوم والكيمياء وغير ذلك من العلوم، وهناك الملتقى الفقهى وهدفه ايضاح المسائل الفقهية والأراء الواردة فيها، ورواق القضايا الفكرية وهدفه غرس العقيدة الصحيحة فى نفوس النشء والشباب وإرساء مبادئ الأخلاق بما يحقق التلاحم المجتمعى ونشر ثقافه التسامح وقبول الآخر والتعايش السلمي، ورواق السيرة النبوية وهدفه إلقاء الضوء على الدروس المستفادة من السيرة النبوية وإبراز معانى التاريخ الإسلامى والإنساني، وهناك رواق لقضايا المرأة وهدفه إيضاح الحقوق والواجبات التى تخص المرأة بما يسهم فى تحقيق تقدم المجتمع ويحمى الأسرة خاصة بعد الحد من ظاهرة الطلاق والقضاء على العنف الأسرى ومحاربة انتشار أطفال الشوارع وغير ذلك من السلبيات الدخيلة على المجتمع المصري.
>> الجامع الأزهر له تاريخ عريق دينيا وسياسيا لماذا لم يتم توثيق هذا التاريخ؟
> الجامع الأزهر له تاريخ طويل وعريق وله جذور ممتدة منذ 1065 عاماً، وأروقة الجامع الازهر عليها شهادات ميلادها وأثرها ورموزها الفكرية ومراحل تطورها، مثل رواق الجبرت والاتراك والمغاربة والفشنية والطبرسية والجوهرية والعباسى وهناك رسائل علمية وأبحاث علمية أجريت من الناحية الأثرية أو من ناحية التطور العلمى أو من الناحية التاريخية.
>> بعد الألف عام هل مازال الجامع الازهر يمارس نفس دوره؟
> الازهر شاء الله له أن يحمل لواء الوسطية والاعتدال عبر تاريخه، وهذا شاهد تاريخى وواقعى مستقراء تاريخ الازهر الشريف منذ إنشائه، وما حدث من قيام شيوخ وعلماء الجامع الازهر بتدريس العلوم الشرعية والعربية والفقه وما يسمى قديما بشيخ العمود، ومن هنا صار نبراس العلم الشرعية بمفهومها الصحيح الذى يؤمن بالتعددية المذهبية ويفتح المجال أمام الاجتهاد وإعمال العقل فى ضوء الضوابط الشرعية والأسس العلمية حتى أشرق نور الازهر فى العالم كله، وتوافد عليه طلاب العلم من كل حدب وصوب، فتعلموا فيه وسكنوا بطوابقه العلوية التى يبلغ عددها 103 غرف أعلى الجامع الأزهر، وعندما زاد العدد وفاض تم إنشاء مدينة البعوث الإسلامية، ورغم إنشاء الجامعة إلا أن الجامع الأزهر لا يزال قائما بدوره كما كان من قبل.
>> ما هو محور اهتمامات طلاب آسيا وأفريقيا فى دروس الجامع الازهر؟
> أعددنا لهم برامج نوعية فى الفقه الشافعي، والعقيدة، والنحو الوظيفى بما يساعدهم على قراءة صحيحة لكتب التراث والتحدث بالعربية الفصحى ودراسة الحديث والتفسير.
>> برأيك ما ورد على مقولة الوحى نزل بمكة وانتشرت تعاليمه بالجامع الازهر؟
> نعم مصر بها دولة تلاوة قديمة ممتدة وباقية وبشهادة القاصى والدانى وعِلْمُ القراءات عِلْمٌ مصرى مائه بالمائة، وهذه المقولة سمعناها من علماء كثر داخل مصر وخارجها ولعل التاريخ يشهد بذلك من خلال ما يقوم به الازهريون من تعليم علوم الازهر خارج مصر ثم عودتهم الى بلادهم، وتعليم الدارسين الوافدين داخل الجامع والجامعة ليعودوا إلى أوطانهم لتعريفهم الدين الإسلامى الصحيح
>> الجامع الأزهر يعتبر مقصدا لمسئولى العالم من هم أبرز الزائرين الذين قابلتهم؟
> جميع المسئولين الدوليين يحرصون على زيارة الأزهر الشريف ورؤية معالمه التى تسجل تاريخ جامعة الوسطية الدينية العالمية، وعلى سبيل المثال حضرت مؤخرا أورشكا كلاكوتشار، رئيسة البرلمان بجمهورية سلوفينيا وقامت بتفقد جميع أروقة الأزهر وقابلت الأولاد والفتيات ممن يدرسون العلوم والمعارف الدينية، وما لفت انتباهى أنها قامت بإجراء حوار مع فتاة صغيرة سألتها عما تعلمته فى الأزهر، فأجابتها الفتاة أنها تعلمت المحبة، وأن تحب الناس جميعا ولا تَكره أحدا وأن ترفض الظلم والطغيان، وحينها ابتسمت رئيسة البرلمان السلوفيني، وأكملت جولتها بأروقة الأزهر وتجولت داخل الجامع حتى وصلت إلى القبلة وسألت عن منبر الأزهر وأخبرها المترجم المخصص من الأزهر الشريف بأن هذا المنبر شهد أحداثا سياسية مهمة فى تاريخ مصر والشرق الأوسط ومنه انطلقت الثورات التى حررت الوطن من المستعمر الأجنبى كما ألقى من فوق منبر الأزهر الرئيس جمال عبدالناصر خطبته الشهيرة أثناء الصراع مع إسرائيل قبل تحقيق النصر العظيم فى أكتوبر عام 1973.. ومن جملة الحضور الذين قابلتهم فى الجامع الازهر الرئيس التركى السابق عبدالله جول الذى حرص على معرفة تاريخ الأروقة خاصة رواق الأتراك وقد أخبرته أن الأزهر الشريف ظل على مدار تاريخه يفتح أبوابه لطلاب العلم والمعرفة من داخل مصر وخارجها دون تمييز أو إقصاء، باعتباره القِبْلة العلمية لجميع المسلمين فى مشارق الأرض ومغاربها، ومن التقاليد الراسخة التى ظلت لصيقة بالتاريخ العلمى والاجتماعى للأزهر أنه أفرد لكل جنسية وأهل إقليم من طلابه «رِواقاً» يقيمون فيه إقامة دائمة بالمجان طوال السنوات التى كانوا يقضونها فى تحصيل العلوم فى رحابه، وهى أماكن للإعاشة الكاملة بالمجان، طعاماً وإقامة وكسوة ومرتبات ومخصصات كثيرة، تكريماً وراحةً، فتعد أروقة الأزهر رمزاً تاريخياً وحضارياً يشهد بعالمية الأزهر ودوره العلمى والاجتماعى على مر العصور، ومن هذه الأروقة رواق الأتراك الذى تم تخصيصه لأبناء الجنس التركى الوافدين من قارتى آسيا وأوربا وبعض جزر البحر المتوسط، كما التقيت بوزير خارجية سنغافورة فيفيان بالاكريشيان، ووفد من مؤسسة «روز كاسيل» البريطانية، وبسام المولوي، وزير داخلية لبنان، وزير خارجية الصومال أحمد عيسى عوض، ورئيس الجهاز الفنى لمنتخب بنين لكرة القدم أثناء مشاركتهم فى بطولة كأس الأمم الأفريقية التى أقامتها مصر وكان شديد الإعجاب بالجامع الأزهر وكان يداعب الأطفال فى الأروقة بأنهم مشاريع مشاهير فى عالم الرياضة مثل محمد صلاح.