تابعت بتجرد ودون هوى ما يثار الآن حول صناعة الدراما فى مصر بين المؤيدين والمنددين خاصة بعد تعليق فخامة الرئيس على بعض الأعمال الدرامية التى تساهم فى تشويه صورة المجتمع المصرى ربما دون قصد ودعوة سيادته إلى الانتباه الشديد لخطورة وأهمية هذه الصناعة التى تساهم بشكل مباشر مع غيرها فى تشكيل وجدان المصريين، وهنا لى عدة ملاحظات الأولي: الرئيس كان يتحدث بلسان رب الأسرة المحافظ المهموم الذى ينظر إلى ابعد نقطة فى المشهد وبلسان المسئول الذى ينشد قوة مجتمعه من خلال الوعى الحقيقى والفهم الصحيح، الملاحظة الثانية: تباينت ردود الأفعال والأقوال على هذه الملاحظات الرئاسية وتحول الجميع فجأة إلى خبراء فى صناعة الدراما ففتحت أبواب العقول وصناديق الأفكار للبحث عن دراما نظيفة وفن هادف، الملاحظة الثالثة: استغل البعض تلك الملاحظات الرئاسية واتخذها ساتراً للهجوم العشوائى على كل ما هو قائم بصرف النظر عن مستواه الفنى وهؤلاء هم الممتعضون الذين كانوا جزءًا من هذه الصناعة يوما ما ولم يعودوا أو الباحثون عن دور جديد فى منظومة جديدة، الملاحظة الرابعة: تحرك بعض المسئولين فى بعض المواقع لركوب موجة التريند باتخاذ قرارات وهمية لمشروعات وهمية، وهؤلاء هم الذين يديرون مؤسساتهم وفقا لنظرية «الإدارة باللقطة» الملاحظة الخامسة: الرئيس حينما تحدث كان مجردا ينشد الإصلاح الحقيقى لكن الكثيرين ممن تناولوا هذا الحديث كانت تحركهم نوازع الشخصنة متجهة بهم إلى مناطق نائية عن جغرافية افكار الرئيس الإصلاحية وعنوانها المكايدات الرخيصة، تلك الملاحظات الخمسة تؤكد أن هناك مشكلة حقيقية فى تناول القضايا المجتمعية وهى غياب الجدية والتجرد وحضور الشخصنة وسياسة اللقطة، بالطبع هناك أصوات كثيرة شديدة الاحترام تنتقد بوعى وتؤيد بصدق وتنشد الإصلاح وتخدم السياق والمشروع الوطني، لقد كتبت هنا وقلت هناك ان الدراما يجب ان تكون رجع صدى لمشروعنا الوطنى وتكون بانية للقيم والمبادئ ولا تتخل فى الوقت نفسه عن الإبداع والتشويق وصناعة الشغف، انتقدت انتقاد المحب المصلح وليس المتسلق الباحث عن شجيرات اللبلاب، لكن وبعيدا عن التفاصيل التى تقودنا دائما إلى الفتور الفكرى وتغوص بنا الى أعماق بحور الجدل والخلاف أرى ان هناك جريمة كبرى يشارك فيها الكثيرون دون وعي، فالأعمال الدرامية الوقحة التى تدمر قيم المجتمع والتى نهاجمها ونلفظها جميعا تحظى بحفاوة إعلانية مثيرة ومستفزة من معلنين من الجهات الحكومية والشركات المملوكة للدولة والقطاع الخاص الوطنى والأخطر من كل هؤلاء الجمعيات والمؤسسات الخيرية الممولة من المواطنين للمشاركة فى أعمال البر والتقوي، هنا اتساءل بوضوح وجرأة أليس هؤلاء المعلنون مسئولين أمام الله والوطن والدولة عن مشاركتهم فى بناء مداميك العبث والفوضي؟ من يسمح لجهة حكومية مملوكة للشعب ان يعلن من أموال الشعب على محتوى منحط يهدف لتدمير قيم هذا الشعب؟ وهل من أعمال البر والتقوى ومصارف الزكاة الشرعية ان يعلن القائمون على الجمعيات والمؤسسات الخيرية عن أنشطتهم فى أعمال درامية وبرامج شديدة الانحطاط تدمر قيم المجتمع بحجة الوصول إلى اكبر قدر من المتبرعين ؟ هل يقبل الله الخير من يد الشياطين ؟ يا سادة ان الله طيب ولا يقبل إلا الطيب من الأعمال، بيد ان نقطة البداية والنهاية فى مسألة الدراما هى التمويل والتى أراها ثغرة ينزف منها الوعى بغزارة، فأصحاب القرار فى منظومة الإعلانات والترويج ليسوا على مستوى المسئولية قولا واحدا، ولن أقبل فكرة اننا نضع إعلاناتنا على المواد الأكثر مشاهدة ! إذا كان ذلك كذلك فأرسل إعلاناتك على قنوات البورنو فورا حيث المواد الاباحية والمشاهدات المليونية ! وحتى لا ينتهى الحوار إلى لا شيء أطالب السادة المسؤلين عن ادارة هذا الملف بسرعة اتخاذ قرارات تصحيحية عاجلة تمنع وجود إعلانات على المنتجات الوضيعة من دراما وبرامج تافهة وغيرها، خاصة الجهات الحكومية والمؤسسات الخيرية كخطورة أولى وبعدها نطالب القطاع الخاص بفعل الشيء نفسه، لكن وحتى أكون متسقا مع نفسى ولا اخون قلمى اتساءل ما الجهة المسئولة فى الدولة التى تستطيع فعل هذا الأمر وهو بالتحديد «توجيه الإعلانات» الجهات الحكومية وشركات المال العام والقطاع الخاص الوطنى والجمعيات الخيرية « إلى الدراما والبرامج الجيدة وحظر تواجدها على المنتجات القبيحة التى تساهم فى تدمير قيم المجتمع ؟ الحق أقول لقد فكرت وبحثت كثيرًا فلم اجد الشخص أو الجهة التى يمكن ان اقدم له أو لها هذا المقترح! لذلك أتوجه به مباشرة إلى فخامة الرئيس واقول لفخامته، تشير إلى القمر وينظر الحمقى إلى إصبعك فويل للشجى من الخلى.