مؤامرة إسرائيل لتهجير أهالى غزة، هى مؤامرة قديمة، بسيناريوهات متجددة تحاول إسرائيل تمريرها منذ أكثر من نصف قرن ، لتفكيك القضية الفلسطينية برمتها ، ونسف سيناريوهات حل الدولتين، من خلال تهجير أهالى قطاع غزة بشتى الطرق إلى سيناء، وهو ما كشفته تقارير غربية عدة، وعجزت تل أبيب عبر مؤسساتها الرسمية وشبه الرسمية فى نفيه.
المؤامرة التى تجددت فى العدوان الإسرائيلى الأخير على قطاع غزة فى ٧ أكتوبر 2023، «والتى خلفت وراءها ما يقرب من 28 ألف شهيد غالبيتهم من الأطفال والنساء والشيوخ، و67000 مصاب، وفى زيادة مستمرة، وانهارت 70٪ من البنية التحتية والمنشآت، و٢ مليون مواطن فلسطينى لا يوجد لهم مأوى ولا علاج ولا غذاء ولا مياه للشرب ولا مستشفيات ولا مدارس، مما تسبب فى موت الكثير وخصوصا الأطفال، وأزمة فى الأكفان، والأكفان غارقة فى الدماء، وأصبحت أرض غزة قبورا لهم، ولا يوجد دواء، وعمليات جراحية بدون مخدر، وحتى رغيف العيش أصبح أمنية لكل طفل، ولا يوجد خيم لسكن بديل، ولا يوجد ملابس كافية والناس فى العراء، ولا يوجد كهربا والناس تطهو باستخدام الحطب كأنهم فى القرون الوسطي، ومنع دخول المعونات من أدوية وطعام ومياه وغطاء وكساء»، وعن مخطط تهجير أهالى غزة إلى سيناء، تحدثت عنها هيئة الإذاعة البريطانية «بى بى سي»، مشيرة إلى أنها تعود إلى عام 1971، أى قبل حرب السادس من أكتوبر 1973.
وتضمن تقرير»بى بى سي» وثائق بريطانية سرية، تكشف أبعاد المخطط الإسرائيلى قبل ٥٢عاماً، والذى كان يهدف إلى ترحيل آلاف من سكان قطاع غزة إلى شمال سيناء، وذلك بعد احتلال الجيش الإسرائيلى غزة، إلى جانب الضفة الغربية والقدس الشرقية ومرتفعات الجولان السورية، فى حرب يونيو عام 1967، حيث أصبح القطاع فى نظر الإسرائيليين مصدر إزعاج أمنى لإسرائيل، وباتت مخيمات اللاجئين بؤر مقاومة للاحتلال.
وحسب تقديرات البريطانيين، فإنه عندما احتلت إسرائيل غزة، كان فى القطاع 200 ألف فلسطينى من مناطق فلسطين المختلفة، ترعاهم وكالة الأمم المتحدة «الأونروا» و150 ألفا آخرين هم سكان القطاع الأصليين الفلسطينيين.
وأن غزة لم تكن قابلة للحياة اقتصاديا، بسبب مشكلات أمنية واجتماعية خلقتها حياة المخيمات، وإنه خلال الفترة من عام 1968 حتى عام 1971، قتل 240 فدائياً فلسطينياً وأصيب ٨٧٨ آخرون، بينما قتل 43 وأصيب 336 جنديا من قوات الاحتلال الإسرائيلية فى غزة، وأعلنت الجامعة العربية حينها إصرارها على وقف الأنشطة الإسرائيلية ضد اللاجئين الفلسطينيين فى غزة، وقررت تبنى إجراءات عربية مشتركة لدعم المقاومة فى القطاع.
وقد كانت بريطانيا مهتمة بالوضع فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، وخاصة غزة. وردا على استجوابات برلمانية، أبلغت الحكومة البريطانية مجلس العموم بأنها تتابع بدقة التطورات فى القطاع. وقالت: «نرقب التحركات الإسرائيلية الأخيرة باهتمام خاص، ومن الطبيعى أن ننظر بقلق إلى أى عمل من جانب السلطات الإسرائيلية من شأنه الإضرار برفاهية ومعنويات السكان اللاجئين العرب الفلسطينيين فى المنطقة».
وفى تلك الأثناء، رصدت السفارة البريطانية فى تل أبيب، تحركات إسرائيلية لتهجير آلاف الفلسطينيين إلى العريش التى تقع شمالى شبه جزيرة سيناء المصرية، وتبعد قرابة 45 كليومترا عن حدود غزة مع مصر، وشملت التدبيرات «النقل القسري» للفلسطينيين إلى مصر أو أراض إسرائيلية أخري. وفى أوائل سبتمبر عام 1971، اعترفت الحكومة الإسرائيلية للبريطانيين بوجود خطة سرية فى هذا الشأن، حيث أبلغ وزير النقل والاتصالات الإسرائيلى آنذاك شيمون بيريز «زعيم حزب العمل ووزير الدفاع والخارجية ورئيس الحكومة ورئيس الدولة فى إسرائيل لاحقا، وهو أصلا لاجئ يهودى من مواليد بيلاروسيا عام 1923، وأول عمل له فى فلسطين عامل نظافة سنة 1935 المستشار السياسى للسفارة البريطانية فى تل أبيب، بأنه حان الوقت لإسرائيل كى تبذل جهداً أكثر فى قطاع غزة وأقل فى الضفة الغربية.
وفى تقرير عن هذا اللقاء، قالت السفارة إن بيريز، الذى كان مسئولا عن التعامل مع الأراضى المحتلة، أكد أنه رغم أن الحكومة الإسرائيلية لن تعلن رسميا السياسة الجديدة، ولن تنشر توصيات اللجنة الوزارية التى تراجع الموقف، فإن هناك الآن اتفاقا فى مجلس الوزراء على متابعة تدابير بعيدة المدى للتعامل بشكل أكثر فعالية مع مشكلات غزة.
ويعتقد بيريز بأن هذه التدابير، سوف تؤدى إلى تحول فى الوضع خلال عام أو أكثر قليلاً، وعبر عن الأمل الاسرائيلى فى نقل حوالى 10 آلاف أسرة إلى الضفة الغربية، وعدد أصغر إلى إسرائيل، غير أنه أبلغ البريطانيين بأن التهجير إلى الضفة وأراضى إسرائيل ينطوى على مشكلات عملية مثل التكلفة العالية.. واصل بيريز ترويج المؤامرة الإسرائيلية للدبلوماسى البريطاني، حيث أبلغه أن معظم المتأثرين من الفلسطينيين، هم فى الواقع راضون بأن يجدوا لأنفسهم سكنا بديلا أفضل، مع تعويض عندما تزال أكواخهم، أو يقبلون بيوتا عالية الجودة بناها المصريون فى العريش، حيث يمكن أن يكون لديهم إقامة شبه دائمة.. وسأل الدبلوماسى البريطانى بيريز: «هل العريش تعتبر الآن امتدادا لقطاع غزة؟ فرد زاعماً بأن استخدام المساكن الخالية هناك قرار عملى تماما».
أشار إيرنست جون وورد بارنز، السفير البريطانى فى إسرائيل، بأن بيريز اعترف أن الإسرائيليين يرون أن أى حل دائم لمشكلات قطاع غزة، يجب أن يتضمن إعادة تأهيل جزء من السكان خارج حدوده الحالية، وأكد لحكومته أن السياسة الجديدة، تشمل توطين الفلسطينيين فى شمال سيناء المصرية، غير أنه قال إن الحكومة الإسرائيلية تخاطر بمواجهة انتقادات، لكن النتائج العملية أهم بالنسبة لإسرائيل.
قال أم إى بايك، رئيس إدارة الشرق الادنى فى الخارجية البريطانية، إنه يجرى الآن اتخاذ تدابير صارمة لتقليص حجم مخيمات اللاجئين وفتحها، وقصد بهذا، النقل القسرى للاجئين من منازلهم الحالية، أو بالأحرى أكواخهم، واجلاؤهم إلى العريش فى الأراضى المصرية، وأضاف، يجرى الآن فيما يبدو متابعة برنامج أكثر طموحا لإعادة التوطين.
وبعد شهر، أبلغ الجيش الإسرائيلي، فى لقاء رسمي، عددا من الملحقين العسكريين الأجانب، بتفاصيل إضافية عن خطة ترحيل الفلسطينيين من غزة.
وخلال اللقاء، قال العميد شلومو غازيت، منسق الأنشطة فى الأراضى المحتلة، إن جيشه لا يدمر مساكن الفلسطينيين فى غزة ما لم يكن هناك سكن بديل، هذا هو القيد الوحيد الذى سوف تقبله الحكومة العسكرية، والعملية مرهونة بحجم السكن البديل المتاح بما فى ذلك السكن فى العريش. فضلا فإن الإسرائيليون خططوا لإسكان الفلسطينيين المهجرين قسرا من غزة، فى مساكن كانت مملوكة لضباط مصريين فى مدينة العريش المصرية قبل حرب يونيو 1967، وطبقا لتقرير الملحق السلاح الجوى البريطانى عن اللقاء، سئل العميد غازيت عن سبب اختيار شمال سيناء، فزعم أن السكن فى العريش، قد اختير لأنه المكان الوحيد الذى تتوفر فيه منازل خالية وفى حالة جيدة بعد إصلاحها. وأضاف لن يكون هناك بناء جديد فى العريش.
ونبه السفير بارنز «السفير البريطانى فى إسرائيل»، فى تقرير شامل إلى وزير الخارجية، إلى أن معلوماته تقول أن الأونروا، تتوقع لجوء إسرائيل إلى حل الترحيل. وقال إن الوكالة تتفهم المشكلة الأمنية الإسرائيلية، لكنها لا يمكن أن توافق على النقل القسرى للاجئين من منازلهم، ولا إجلائهم حتى على أساس مؤقت إلى العريش فى مصر. وفى تقييمه للخطة السرية الإسرائيلية، حذرت إدارة الشرق الأدنى من أنه مهما تكن المبررات الإسرائيلية لهذه السياسة بعيدة المدي، لا نستطيع إلا أن نشعر بأن الإسرائيليين يقللون من قيمة حجم الغضب الذى تثيره هذه العقيدة الإسرائيلية القائمة على خلق حقائق وواقع جديد على الأرض فى العالم العربي، ولذلك فعليها إيجاد حلول أخري.
قالت السفارة البريطانية فى تقرير إلى الخارجية فى أواخر أغسطس عام 1971، إن عمليات التطهير فى المخيمات مستمرة، رغم أنها تسير بوتيرة أبطأ لأن السكن البديل فى العريش وأماكن أخرى فى الأراضى المحتلة ليس متاحا، وقد قالت الإدارة إنه تم بالفعل طرد 1638 أسرة «115112 شخصا» من منازلهم فى قطاع غزة، وتهجيرهم إلى مناطق أخرى فى القطاع، أو إلى مواقع أخرى خارجه.
وفى الوقت نفسه، جرى نقاش فى وزارة الخارجية آنذاك بشأن مدى اتفاق السياسة الإسرائيلية مع معاهدة جنيف الرابعة، التى تحدد مسؤوليات دول الاحتلال. وطبقا للمادة ٣٩ من المعاهدة، فإنه يحظر النقل القسرى الفردى أو الجماعي، وكذلك عملية ترحيل الأشخاص من أرض محتلة إلى أرض سلطة الاحتلال، أو أرض أى دولة أخري، سواء تخضع للاحتلال أم لا، وبغض النظر عن الدافع وراء ذلك.
ولذلك يجب أن تتنبه الأمة العربية والإسلامية، أن مؤامرة تهجير أهالى غزة متجددة، وبدأت منذ نصف قرن، والغرض منها تدمير القضية الفلسطينية ونسف محاولات حل الدولتين، من خلال تهجير أهالى غزة بشتى الطرق إلى سيناء.
ولذا نجد الرئيس عبد الفتاح السيسى أكد للعالم أجمع، أن سيناء خط أحمر وأمن قومى لا يمكن تجاوزه ولا يمكن التفريط فيه، ولا تصفية للقضية الفلسطينية، ولا تهجير قسرى للفلسطينيين خارج أراضيهم، ولا توطين للفلسطينيين على حساب الأراضى المصرية، وأن ذلك لم ولن يحدث على الإطلاق، وحل القضية سيكون فى حل الدولتين.