لا يمكن لأحد أن يُنكر الجهود الجبارة التى تبذلها وزارة الداخلية فى التصدى لظاهرة المخدرات، التى أصبحت خطرًا داهمًا يهدد المجتمع بكل فئاته، وبالأخص فئة الشباب. هذا الخطر لا يتوقف فقط عند الإدمان أو التفكك الأسرى، بل يمتد ليشكل عبئًا اقتصاديًا وأمنيًا بالغ التأثير على مستقبل الدولة.
خلال زيارتى الأخيرة إلى بلدتى فى صعيد مصر، وخلال تبادل الحديث مع الأهل والأقارب والأصدقاء، استمعت إلى كثير من القصص والمواقف حول هذه الظاهرة الغريبة على مجتمعاتنا، والتى تتمثل فى انتشار أنواع جديدة من المخدرات الكيميائية المركبة، وتأثيرها الفتاك على عقول الشباب وأجسادهم. لقد أصبح من المؤسف أن الحديث عن «الأيس» و«الشابو» والحشيش بات أمرًا عاديًا، كأن هذه المواد أصبحت جزءًا من واقع يومى مألوف. بل إن بعض الشباب اتجهوا إلى بيع هذه السموم بحثًا عن المكسب السريع دون وعى بعواقب ما يفعلونه.. لكن فى المقابل، لا يمكننا أن نقف صامتين أمام هذه المأساة ونغفل عن جهود وزارة الداخلية التى تعمل على مدار الساعة لتطويق هذه الظاهرة. الأجهزة الأمنية شنت مؤخرًا حملات أمنية واسعة فى مختلف محافظات الجمهورية، خاصة فى المناطق الشعبية التى كانت ولا تزال مرتعًا لتجار السموم البيضاء. لقد رأينا وقرأنا عن ضبطيات يومية تُعلن عنها الوزارة، تشمل كميات كبيرة من المواد المخدرة، واعتقال العشرات من المتورطين، سواء كانوا مروجين أو تجارًا.
وزارة الداخلية لم تكتفِ بالحملات الأمنية فقط، بل سعت إلى تنسيق جهودها مع الوزارات والمؤسسات المعنية الأخرى مثل وزارة الصحة، ووزارة التضامن الاجتماعى، وكذلك منظمات المجتمع المدنى، بهدف وضع استراتيجية شاملة تتضمن العلاج والوقاية والتوعية. فالنجاح فى معركة المخدرات لا يتحقق فقط بالملاحقة الأمنية، بل يتطلب أيضًا منظومة متكاملة تُعالج الأسباب وتُوفر البدائل.. المخدرات لم تعد مجرد مشكلة صحية أو أمنية، بل أصبحت أزمة اقتصادية بامتياز. فالمخدرات تقتل الإنتاجية، وتزيد من الإنفاق العام على الصحة والسجون، وتخلق جيلًا من الشباب غير المؤهل للمشاركة فى بناء الوطن. كما أنها تُغذى السوق السوداء، وتُضعف قيمة العمل، وتعزز ثقافة الكسب السريع غير المشروع. وهذا كله يؤدى إلى اضطراب فى التوازن الاقتصادى، ويشكل تهديدًا مباشرًا لخطط التنمية المستدامة التى تسعى الدولة لتنفيذها.
وفى النهاية ، لا يسعنى إلا أن أُثنى على ما تقوم به وزارة الداخلية من مجهودات مشهودة فى هذا الملف الخطير. وأدعو كل الجهات المعنية إلى تكثيف جهودها لمواجهة هذا الخطر من جذوره، ليس فقط بالقوة، بل أيضًا بالفكر، وبالتنمية، وبخلق فرص حياة أفضل لشبابنا، حتى لا يكونوا فريسة سهلة لوهم اسمه «الكسب السريع». مصر تستحق منا أكثر، وشبابها أغلى من أن يُتركوا تحت رحمة تجار الموت.