لا يخفى على أحد أن أوروبا نالت لقب القارة العجوز بسبب النسبة المرتفعة لكبار السن مقارنة بالتعداد الكلى لعدد سكان القارة. لذا سعت الدول الأوروبية بكل الطرق الى الاستفادة القصوى من الأزمات العالمية مثل أوكرانيا، والأوضاع فى دول الشرق الأوسط، والاضطرابات فى افريقيا، وما صاحبها من عمليات هجرة لادخال اللاجئين الى أراضيها ودمج الشباب منهم ذوى الكفاءات فى مختلف المجالات سواء الحرفية أو القطاعات المختلفة كالطب والهندسة وغيرهم الى سوق العمل لديها والاستفادة من الأيدى العاملة وتعويض ارتفاع معدلات العمر لدى سكانها الأصليين.
وافقت الحكومات الأوروبية على حزمة من الإجراءات لمنح طالبى اللجوء والأشخاص، الذين يحملون تصريحا مؤقتا للإقامة فى البلاد، وصولا أسرع لسوق العمل. والدليل على ذلك أن أوروبا الغربية فقط استقبلت ما يزيد عن 5 ملايين طالب لجوء ما بين العامين 2010 و2017 وهو رقم غير مسبوق فى تاريخ أوروبا من ناحية تكفُّل الدول الأوروبية المضيفة بضمان الحد الأدنى للحياة الكريمة للاجئين فى أراضيها.
واضطرت الحكومات الأوروبية الى تفعيل مبدأ الاستفادة المشتركة بينها وبين اللاجئين، فكل من أتى حصل على ضمان صحى كامل، تعليم مجانى للأطفال، مساعدة مالية تضمن الحد الأدنى للمعيشة وفق مقاييس هذه الدول؛ وفى حال حصول طالب اللجوء على حق اللجوء المؤقت أو الدائم فهو يتمتع بكافة حقوق المواطن الأوروبى عدا الحقوق السياسية مقابل أن يساهم هؤلاء اللاجئون فى انتعاش الاقتصاد وزيادة الأيدى العاملة الشابة فى الأسواق الأوروبية.
وبالرغم مما أثبتته الهجرة على مستوى العالم من كونها وقودًا لعملية التنمية الاقتصادية، ووسيلة لتحسين حياة مئات الملايين من البشر، الا أنها كانت تحمل آثارا على المجتمعات. وبسبب ازدياد أعداد اللاجئين، تنوعت الثقافات المختلفة وتأثرت المجتمعات الأوروبية، فمن السهل ملاحظة الأثر الاجتماعى والثقافى للمهاجرين واللاجئين فى الحياة اليومية بالعديد من الدول حول العالم؛ وتأثرت حتى الأنشطة البسيطة، مثل شراء البقالة أو تناول الطعام أو حضور عرض موسيقى أو مشاهدة مباراة رياضية من قِبل المهاجرين أو اللاجئين الذى عملوا على نقل خبراتهم وثقافاتهم وعاداتهم وتقاليدهم.
هنا ظهرت بين بعض الشعوب الأوروبية حالات من الغضب واستنفار ومحاولات لتقليل وطرد اللاجئين من بلدانهم ووضع حد لما أسموه بـ»غزو اللاجئين»، فقد ظهرت حركات مناهضة للاجئين تتعامل معهم بعنصرية، غير أن هناك أحزاب وخاصة ما يطلق عليها اليمينية المتطرفة منها تدعو بشكل صريح الى طرد اللاجئين واعادتهم الى أوطانهم.
وهنا ازدادت المخاوف لدى اللاجئين على مستقبلهم بعدما صعدت الأحزاب اليمينة فى الانتخابات الأوروبية الأخيرة حيث إن هذه الأحزاب تعتبر أكثر عداوة مع اللاجئين. ويبدو الأمر جلياً بأن التحول إلى اليمين فى البرلمان الأوروبى من شأنه أن يؤدى إلى تشريعات أكثر صرامة فى الاتحاد الأوروبى حول موضوع الهجرة. على سبيل المثال؛ الزعيم اليمينى المتطرف فى هولندا، خيرت فيلدرز، والذى أصبح حزبه «من أجل الحرية» أكبر مجموعة فى البرلمان الهولندي، وعد بإصدار «أشد» قانون للهجرة على الإطلاق.
ومن المتوقع أن تتغير سياسة الاتحاد الأوروبى تجاه المهاجرين والمسلمين لا سيما فى الدول التى تعرف ارتفاع عدد المهاجرين من الدول العربية، ودول جنوب الصحراء كألمانيا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا. لذا أعرب اللاجئون عن حزنهم ومخاوفهم، مشيرين الى أن قانون الهجرة الجديد متشدد للغاية، كما أن تجديد تصريح الإقامة أمر معقد جدا، ولكنه سيكون أكثر تعقيدا مع وجود اليمين المتطرف فى السلطة.
فى فرنسا على سبيل المثال، يمثل المهاجرون فى العاصمة باريس ما بين 40 و62٪ من العاملين فى قطاعات المساعدة المنزلية والبناء والفنادق والمطاعم والتنظيف والأمن والصناعات الغذائية، بحسب الإحصائيات الرسمية. ورغم ذلك أكدت زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي، مارين لوبان، أن حزبها مستعد للدفاع عن مصالح الفرنسيين، ومستعد لوضع حد لهذه الهجرة المكثّفة . كما أن مشروع القانون الذى تقدم به اليمين المتطرف فى الجمعية الوطنية فى فرنسا، والذى يسعى إلى حرمان المتقاعدين من تعويضاتهم إن كانوا يعيشون خارجها.
وبدأت المخاوف من تصاعد العنصرية خاصة بحق المهاجرين تجد صداها فى الشارع الفرنسي، حيث دعت منظمات شبابية فرنسية، أبرزها نقابات طلابية، إلى التظاهر ضد اليمين المتطرف فى باريس. وخرجت بالفعل مظاهرة طلابية أمام مدرسة «هنرى الرابع» الثانوية فى باريس، للتعبير عن الاستياء من فوز اليمين المتطرف فى سباق الانتخابات الأوروبية.
وفى ألمانيا المجاورة، أعربت مجموعة «منظمات ألمانيا الجديدة» المختصة بشئون المهاجرين، عن «القلق العميق» إزاء فوز أحزاب يمينية متطرفة فى انتخابات البرلمان الأوروبي، متخوفة من أن يؤجج ذلك العنصرية فى المجتمع.
كما ان النتائج التى حققها اليمين المتطرف ستؤدى إلى خلق قوانين أكثر تعسفية تضيق على المهاجرين، حيث سيتعرض المهاجر لضغوط على مستوى الحقوق الخاصة بممارسة الشعائر الدينية، أو على مستوى الحقوق القانونية المرتبطة مثلاً بالإقامة والحصول على الجنسية، أو أيضاً على مستوى الحقوق المادية.