القصة ممتعة لأنها كاشفة عن العظمة فى نفوس المصريين .. رجل على باب الله يعمل باليومية.. وسيدة لا تجيد القراءة ولا الكتابة .. يرزقهم الله تعالى بــ 3 أبناء من ذوى الهمم .. فيدخلون مرحلة تحدٍ حقيقية .. فلم يصبهم الضجر بل قامت الأم بتعلم القراءة والكتابة حتى تساعد الأبناء الثلاثة فى المذاكرة .. وعندما لاحظت فيهم ميولاً للتعليم الأزهرى قامت بإدخالهم المعاهد الازهرية، وتفوق محمد فى حفظ القرآن الكريم والعلوم والمعارف العامة لدرجة أنه كان يحفظ المعلومة بمجرد السماع مرة واحدة.. ومن هنا بدأت حكاية أسرة مصرية تفوق ابنها الأكبر محمد فى مسابقة تحدى القراءة العربى فى موسهما الثامن بالإمارات العربية المتحدة متغلبا على 39 ألفا من ذوى الهمم يمثلون 50 دولة .. محمد يؤكد أن والدته السيدة ثريا محمد محمود« أيقونة» حياته والنور الذى أشرق فيها وعينه التى يرى بها العالم.. أما والده أحمد حسن عبد الحليم فذلك الرجل مثال للرضا واليقين وقد منح ابنه محمد طاقة لو اجتمع أهل الأرض على أن يمنحوه مثلها ما استطاعوا.
محمد فى كشف لـ «الجمهورية» أنه متعدد المواهب حيث يحب كرة القدم بصورة غير طبيعية وفريقه المفضل مانشستر سيتى ويحلم أن يصبح مثل طه حسين، وأول كتاب قرأه كان عن أينشتاين.
> ماذا حدثنا عن نشأتك؟
>> نشأت بمحافظة الإسكندرية وسط أسرة بسيطة مكونة من أب وأم وثلاث إخوة، أختى الكبيرة «شهد « طالبة بكلية التجارة قسم «إدارة أعمال « جامعة الإسكندرية مبصرة، وشقيقين غير مبصرين هما « فارس بالصف الثانى الثانوى وملك بالصف الخامس « بالتعليم الأزهري، ونحن الثلاثة من أبطال التحدي.
> كيف بدأت رحلة الصعود والتحدي؟
>> والدتى غير متعلمة ولم تدخل مَدْرَسة لكن قررت أن تتعلم معنا فبعدما رزق الله أبى وأمى نعمة أولاد ثلاثة غير مبصرين قررت والدتى أن يكونوا قادرين باختلاف بتفوقهم ونبوغهم العلمي، حيث تقوم بمساعدتنا فى القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم، وحققت حلم حياتها فى أولادها وتعلمت معنا، ولم تكتفِ بذلك، فالعلم ليس له نهاية، بل تمنت أن نصل العالمية ونرفع عَلَمَ مصر بالخارج وهذا ما استطاعت تحقيقه فى شخصي، وأثق أن إخوتى سيكملون الطريق، وتعتبر والدتى أول من استشعرت موهبتى فى محبة القراءة وساعدتنى فى تنميتها حتى تخرج للنور، والفضل لها وللدكتورة رقية رحمة الله عليها بجامعة الإسكندرية فهى من أوائل الداعمين لي، فعندما كنت طالبا بالصف الثالث الابتدائى استشعرت والدتى أن بيتنا على موعد بولادة عالم يحفظ كلام الله، وعندما بدأت مسابقة تحدى القراءة شجعتنى على القراءة وبدأنا القراءة بطريقة «برايل»، فكانت تقوم بشرح الكُتب لى كما كان يفعل المشرفون المختصين بالمسابقة وبعد ذلك كانت تُسجل لى الكتاب بصوتها، واقوم بسماعه ثم أبدأ الاستيعاب ورصد الأفكار التى تحتاج إلى كُتب خارجية حتى تتضح رؤية تلك الأفكار كاملة فى ذهني.
> ما هو أول كتاب قرأته ولماذا اخترته؟
>> أول كتاب كان عن «أينشتاين» للدكتور محمد فتحى صبري ، لإننى من أشد المعجبين بقصص الكفاح وهذا ما جذبنى له.. كفاح وإصرار أينشتاين على النجاح، فقد تعلمت الكثير من شخصيته.
> كم عدد الكتب التى قرأتها وما أبرزها؟
>> قرأت 400 كتاب حتى الآن، وأبرز الكتب التى قرأتها «اشتراكية الإسلام، وقضايا المرأة، والرحيق المختوم «.
> هل حاولت تأليف الكتب؟
>> بالفعل لى تجربة فى كتاب علوم القراءات القرآنية ووضعتها فى كتاب عنوانه: «العاصم فيما انفرد به عاصم».
> وكيف نجحت فى مسابقة «تحدى القراءة العربي؟
>> كانت والدتى أول من قدمت لى بالمسابقة التى تعتمد على تلخيص 50 كتابًا وتم التصعيد على مستوى المنطقة الأزهرى ثم على مستوى الجمهورية فالوطن العربي، والاختبار كان فى الثقافة العامة، وكانت منافسة صعبة و قامت لجنة الاختبار بتمحيص المتسابقين فى العلوم والمعارف المختلفة الأدبية والشرعية والمعلومات العامة، وأثق أنه لا يرتقى للصعود سوى من كان لديه المهارات والملكات المميزة، أما أنصاف المواهب فلا مجال لهم.
> وماذا عن هوايات بخلاف القراءة؟
>> عندى عدة هوايات بجانب القراءة، حيث أحب الأنشطة الترفيهية ومتابع جيد لمباريات مانشتر ستي، ومتابع الدوريات الخمس لكرة القدم، وقد طلبت مِنِّى إحدى دور النشر تلخيص كتاب عن كرة القدم ونشأتها وكأس العالم عام 1934، وكان ذلك عام 2019، لكن لضيق الوقت لم أخض التجربة كما أننى اشعر بإعجاب مع ألعاب الذكاء لتنمية مهاراتي.
> قدراتك فى القراءة نابعة من دراستك الأزهرية أم موهبة حرصت على تنميتها؟
>> عندما تعلمت طريقة «برايل» لم تحقق طموحى ومنذ أن تعلمت بالأزهر شعرت أن شيئًا ينقصنى فعندما كنت أذهب للمكتبات العامة كنت أقرأ كل ما تقع يدى عليه، بطريقة مبالغ فيها ملفتة للنظر أدهشت الجميع، فالقراءة كانت ومازالت متعتى وغذاء روحي، وواصلت التدريب على طريقة «برايل» لكن الآن لم اعتمد عليها فى الاطلاع لقلة الكتب بطريقة «برايل»، واعتمدت على السماع والكتب الصوتية، وقد منحنى الله تعالى ذاكرة تحفظ ما يقال للمرة الأولي، وعندما أطلب تكرار المقروء حتى أتمكن من الإدراك الشامل للمعني.
> هل التحقت بمدارس النور للمكفوفين بجانب التعليم الأزهري؟
>> بداية الأمر درست بمدارس النور للمكفوفين بالإسكندرية وعندما انتقلت للصف الثانى الابتدائى بها قرر الوالدين أن التحق بالتعليم الأزهري، وشاءت إرادة الله تعالى أن يكرمنى بدخول قلعة العلوم والمعارف فالتحقت بالصف الأول بالتعليم الأزهرى مع استمرار الدراسة بمدارس النور للمكفوفين حتى المرحلة الإعدادية.
> استثمار المهارات والقدرات تخلق مبدعًا، فهل قمت بذلك؟
>> المسابقة كانت حافزا لتنمية واستثمار قدراتى حتى استحق التتويج بالمركز الأول على مستوى الوطن العربى فى تحدى القراءة والثانى فى حفظ القرآن الكريم، ومن وجهة نظرى أن المسابقات ليس للتنافس فقط وإنما لتنمية المهارات.
> ماذا تعلمت من القراءة؟
>> القراءة علمتنى الصبر وصعود السلم درجة درجة حتى أصل للقمة، فنحن قادرون باختلاف وأفكر جيداً قبل تخطى أى خطوة، ولا أحبذ المغامرة فأنا أحفظ القرآن الكريم بالقراءات العشر، كما كنت الأول فى المرحلتين الابتدائية والإعدادية على مستوى محافظة الإسكندرية، والآن فى الصف الرابع بمعهد القراءات.
> كيف ترى المكاسب التى تحققت لذوى الهمم خلال السنوات الماضية؟
>> بصراحة لابد ان اشكر
الرئيس عبد الفتاح السيسى فهو داعم وأب حنون لذوى الهمم فى كافة المجالات بعد سنوات عجاف حقاً فلم يكن ينظر إلينا أحد، رغم أننا شركاء فى الوطن ولنا نفس الحقوق وعلينا نفس الواجبات، وحلم حياتى أن ألتقى الرئيس السيسى مرة ثانية حتى يرى ثمرة عنايته بذوى الهمم، خاصة وأن ذلك الفوز لم يكن سهلا بسيطا وإنما جاء عقب تحديات شرسة من منافسين يمثلون دول العالم العربي، وللعلم فإننى سبق والتقيت الرئيس السيسى عقب فوزى بالمركز الثانى فى مسابقة القرآن الكريم التى تنظمها وزارة الأوقاف وذلك عام 2022 فى احتفالات مصر بليلة القدر وشرفت بتكريم الرئيس لى.
> حدثنا عن والدتك ماذا تعلمت منها؟
>> أمى هى حياتى هى النور الذى أرى به الدنيا وعينى التى أعرف بها عالمي، هى الوقود الذى أشحن به عزيمتى وطاقتي، هى العطاء الذى جبر الله به خاطري، أمى الأنفاس التى ينبض بها قلبى والمحبة التى تسكن فى روحى والرضا الذى يسيطر على جوارحي، تلك السيدة العظيمة التى تؤمن بمقولة «لكل مجتهد نصيب « فعندما رُزقت بنعمة أولاد من متحدى الإعاقة، طلبت من الله بعد ولادتنا نحن الأشقاء الثلاث أن يمنحنا فكرا سليما وقلبا مستقيما وعقلا عليما، وغرست فينا الإصرار وسلبت من عقولنا تفكير النقص، مما جعلنا نؤمن أننا أسوياء وضربت لنا الامثال بالعظماء أمثال طه حسين، وقد سبق وأخبرتكم أنها امرأة بسيطة لم تحصل على نصيب من التعليم، ولكن لمساعدتنا بدأت تتعلم حتى أصبحت قارئة متقنة لا تعرف الخطأ، يكفى أنها كانت توقظنا قبل صلاة الفجر حتى نؤدى الفريضة حضورا، وكانت تحث والدنا أن يأخذنا إلى المسجد لإداء الصلاة بالمسجد حضورا، ونعود بعدها لنتناول طعام الإفطار قبل أن يذهب والدى إلى السعى على رزقه، ثم تجلس معنا لترتيب أوقات القراءة والمذاكرة ومتابعة الحفظ، وحينما حققت الفوز بالجائزة أسرعت إليها باكيا فاحتضنتنى وهى أكثر منى بكاء وتردد شاكرة حامدة ربها أن رزقها ثمرة تعبها وكفاحها وجهادها، وزاد بكائى حينما أخرجت علم مصر من حقيبتها التى تحملها ووضعته حول جسدى وقالت لي: الآن مصر تفخر بتربيتى لأبنائي، وطلبت منى أن تكون مسابقتى المقبلة فى المملكة العربية السعودية حيث إنها تحلم بزيارة بيت الله الحرام مع والدي.
> ماذا يعمل والدك؟
>> والدى هذا رجل من الصالحين حقا، رجل يعمل باليومية ليس له مصدر رزق ثابت، لكن يقينه بالله يجعله أغنى الناس، ولأنه من الصالحين فقد منحه الله تعالى زوجة صالحة، لم نسمع يوما أن أمى أثارت الضجر أو الشكوى لعدم وجود ما يكفى فى البيت بل كانت تردد بفطرتها البسيطة قائلة: نحن أفضل من غيرنا كثيرا، ولأن والدى يحرص على دروس العلم بالمساجد كان يردد قول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: من بات آمنا فى سِربهِ معافى فى بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها»، وكان يضاحكنا قائلا: فيه حد منكم جعان يا ولاد، فنضحك كلنا ونقول له: الحمد لله شبعانين بوجودك معانا، هذا الرجل كان يقتطع من قوت يومه حتى يشترى لى الكتب، وشرائط الكاسيت التى أقوم بالتسجيل عليها للكتب التى أرغب فى قراءتها، كان يحملنى صغيرا إلى المدرسة صباحا ثم يذهب إلى طلب الرزق، وكانت والدتى تحضرني، ولا أنسى حينما كان يقول لي: أنت وإخوتك ثروتى فى الدنيا والنعمة التى رزقنى الله بها، وأنتم العون والسند والعكاز اللى هتسند عليه، هذه الكلمات البسيطة منحتنى القوة التى لو تجمع أهل الأرض فلن يقدروا على منحى مثلها، إن أبى تاج
> وهل يحفظ أخواتك القرآن الكريم ومتفوقون مثلك؟
>> والدتى جعلتنا أسرة مترابطة نافعة للمجتمع ونفع المجتمع ومساعدة أولادها فى التعليم غايتها، أخى فارس يختم القرآن مثلى ويجيد قراءة القرآن بالقراءات الثلاثة وهو فى سبيل إتمام القراءات العشر وقد شارك معى فى مسابقة تحدى القراءة، وملك حفظت 18 جزءًا، وأختى شهد تحفظ 7 أجزاء، فحفظ القرآن الكريم حرصت عليه والدتى منذ كنا أطفالا.
> ماهى طموحاتك ومن قدوتك؟
>> أنا قدوتى رسولنا الكريم صلوات الله عليه وسلم ثم الدكتور طه حسين، فقد قرأت له عدة كتب منها الأيام والمعذبون فى الأرض، وكذلك عدد من الأدباء، وأطمح أن ألتحق بكلية أصول الدين شعبة العقيدة والفلسفة وأن أكون مثل الإمام الأكبر فضيلة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، كما أننى أحب هذا المجال.