المتتبع لاحداث منطقة الشرق الاوسط منذ منتصف القرن الماضى وربما قبل ذلك وحتى الأن يدرك من الوهلة الأولى أنها ساحة لمعركة الكبار، والضحية شعوبها .. معركة تجاوز عمرها 70 عاما أشعلت المنطقة نارا يشتد سعيرها تارة ويبرد تارة، معركة أشعلها أطراف غير موجودين ولكنهم مؤثرون أو قل الفاعلون على الأرض والحاسمون لنتائج المعركة فى النهاية، هذا إن كان لها نهاية، والضحايا شعوب مغلوب على أمرها هى الخاسر الحقيقى فى المعركة التى تستنزف بنيتها ومواردها ومقدراتها، مثلها مثل «المٌخلّص إياه» فى المثل الشعبى الذى لا ينوبه سوى «تقطيع هدومه» بالدلالة وليس بالمعنى أو الصغار الذين وقعوا ضحية الاعيب الكبار أو على عكس المثل الشعبى الدارج « يعملوها الصغار ويقع فيها الكبار » هنا نقول « يعملوها الكبار ويقع فيها الصغار».
لعنة الصراعات
ولمن لا يعرف فمصطلح الشرق الأوسط مصطلح جيوسياسي يشير إلى منطقة بلاد الشام وشبه الجزيرة العربية والأناضول بما فيها تركيا وقبرص إلى جانب مصر وإيران والعراق ويمتد إلى ما وراء النهر.
ابتلى هذا الإقليم طوال هذه المدة بلعنة الصراعات، وما أصعبه من إبتلاء وما أقساه من مصير لشعوبه، لا أذكر بعدد سنوات الوعى من عمرى الذى قارب الخمسين أن خمدت سعير معاركه أو هدأت ألات هدمه أو نضب نزيف دماءه،.. ثلاثون عاما ورحى الحرب والمواجهات لاتنام، لا تكل ولا تمل من تدمير الأوطان وقتل الشعوب وتشريد أبنائها، معظم بلدانه ملجأ لأبناء الأخر، يبحثون فيها عن ملاذ أمن تجنباً لصراعات -أغلبها إن لم يكن جميعها- بين ميليشيات وجماعات مسلحة ليس لها من الشرعية شيئاً.
نعم..الميليشيات والجماعات هى كلمة سر المنطقة وهى الطرف الآخر الثابت فى كل صراعات اقليم الشرق الأوسط على إختلاف توجهاتها وأهدافها ونواياها .. سواء مقاومة أو تمرد أو حتى على إقتسام سلطة، الواقع على الأرض يقول ذلك، فى جنوب الإقليم اليمن مثال حى بما يمثله الحوثيون، وفى شماله لبنان مثال أخر بما يقوم به حزب الله، وهما مدعومان وبقوة من إيران، وكذلك حركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية التى تقود المواجهات ضد الكيان الصهيونى، إلى جانب جماعات مسلحة ومتطرفة بمسميات متعددة تمارس الإرهاب فى دول المنطقة وفى أبشع صوره، تعمل لحساب أطراف دولية وإقليمية بهدف زعزعة إستقرار الإقليم، ولها تأثيراها المباشر على الممرات المائية فى الشرق الأوسط.
شواهد الأمر على الأرض لا تخفى على أحد،.. بعض الرصد لواقع المنطقة على مدار ثلاثون عاما مضت كافٍ ليكشف حقيقة الأمر، نحن منطقة تعيش على أرض مشتعلة بنيران تشعلها إسرائيل بشكل يومى من خلال ممارسة البلطجة على دول المنطقة الا من رحم ربى، إلى جانب الميليشيات والجماعات، وأغلبها تدعمه دول وقوى أقليمية ودولية، وكذلك لن ترصد حروبا نظامية مباشرة بين دول الشرق الاوسط طوال هذة المدة، لأن القادة والساسة يتصافحون بالنهار ويمولون ويدعمون ويتأمرون بالليل.
الدول لها حسابات وتقدير موقف لكل تحرك او مواجهة، لديها ما تخسره من مقدرات شعوبها وثرواتها، تختلف كليا عن المليشيات والجماعات، فليس لها حسابات، وليس لديها ما تخسره وحساباتها تقاس بموازين بعيدة تماما عن حسابات العقل والمنطق، وتدرك تماما أن ما تفسده وتدمره سوف تدفع الدول والشعوب فاتورته، من يدفع الأن فاتورة إعادة إعمار العراق وليبيا؟ ومن سيدفع فاتورة إعادة إعمار غزة ؟ وكما قلت .. بقليل من الرصد للواقع.. ستذكرون ما أقول لكم وستجدون ان الواقع أصدق قولا من الأنباء والكتب.
لا مكان للضعفاء
أقليم بهذا الزخم وبهذا الزحام العرقى والطائفى وبهذا الصراع الدموى يفرض على العاقل من دوله أن يعى ما يحاك له وأن يتسلح دائماً بالقوة، لا مكان للضعفاء فى هذه المنطقة، ضعفك يعطى فرصة للطامعون والمتأمرون أن ينقضوا عليك، طمعا فى أرضك أو مقدراتك، أو إستنزافاً لمواردك أو تعطيلا لمسيرتك ،أو محواً لتاريخك ، أو تقليصا لدورك.
العاقل فى هذه المنطقة ينبغى أن لا يٌستدرج لمعارك، وأن لا يكون سبباً لنجاح المتربصين به، ولكن عليه أن يكون عاقلاً ومستعداً أيضا، وقادراً قبل كل ذلك، لأن القادر والقوى وسط الضعفاء قادر على بدء المعارك وإنهائها، أما معارك الضعفاء بعضهم البعض نادراً ما تكون لها نهاية، لعجز كل طرف عن حسم المعركة لصالحه، ولذلك دائما تظل مقولة الساسة « تجنب الحرب أفضل كثيراً من التورط فيها» تفرض واقعها ومنطقيتها على المنطقة ودولها القوى منها والضعيف، وتركوا الساحة للميليشيات والجماعات المسلحة لتخوض معاركها نيابة عنها.
نهاية الكلام ..
لا تنتظر أصلاحاً من فاسد ..
ولا صلاحاً من قاتل..
الخلاصة فى قول الحق سبحانه وتعالى
« إن الله لا يصلح عمل المفسدين» يونس – «81»