الشعبية كما هي ميزة وقوة فهى أيضا مسئولية ويجب أن يمتلك صاحب هذه الشعبية مقوماتها، حتى لا تتحول إلى نقمة ووسيلة ضغط سيئة ومرفوضة في اتخاذ القرارات وتحديد المواقف، وعندما نتحدث عن قطبي الكرة المصرية بما يمتلكانه من شعبية جماهيرية ضخمة فالمفترض أن تكون هذه الشعبية حافزًا للتفوق وحصد البطولات وليس لفرض الإرادة على الآخرين أو تجاوز القوانين واللوائح اعتمادًا على الاحتماء بالجماهير في الخطأ.
ما حدث الثلاثاء الماضي في مباراة القمة أمر لا يجب أن يمر، ولابد من محاسبة المتسبب في هذا المشهد المسيء للمنظومة الرياضية فى مصر، لأنه لا يحدث في العالم كله أن مباراة بهذا المستوى تظل معلقة حتى قبل موعدها بنصف ساعة، وكل طرف يملى شروطه ويسعى لفرض إرادته على الآخرين بالقوة ويُطلق تصريحات وتهديدات وتلميحات واتهامات بلا أدنى مسئولية بينما مائة مليون مصرى ومثلهم على الأقل من الأشقاء العرب من محبى الفريقين لا يعرفون مصير المباراة وهل ستلعب أم لا، هذا بدون مبالغة صورة لا تليق خصوصًا وانه في نفس التوقيت كانت القاهرة تستضيف الوفود المشاركة في الجمعية العمومية للاتحاد الإفريقى، وفى حضور رئيس الفيفا، وكان المنتظر أن تكون مباراة القمة فرصة لدعوتهم للاستمتاع بأكبر ناديين في القارة، لكن للأسف بدلا من ذلك قدمنا لهم فرصة مشاهدة «عك» تنظيمي لا يمت للأصول والقواعد الكروية في شيء بل يسيء لنا جميعا.
بدون الدخول في التفاصيل ومن لديه الحق، ومن الجاني ومن المجنى عليه، فما حدث إساءة وسوء تقدير لا يمكن قبوله لا من رابطة الاندية التي من المفترض انها وجدت لحل المشاكل فإذا بها تصبح إحدى المشاكل التي تحتاج حلولا، ولا من اتحاد الكرة الذي يبدو أنه قرر أن يكتفى بالاستمتاع بمشاهدة معارك الرابطة مع الأندية، ولا من الأهلى الذى كان منتظرا منه أن يقدم النموذج لناد كبير وصاحب قيم فى احترام الجماهير وتقدير الظروف ودعم الحكام المصريين وإظهار صورة تليق بتاريخه، خسائر ما حدث ليلة الثلاثاء فادحة وإن حاول البعض التهوين منها..
وأولى الخسائر صورة الرياضة المصرية نفسها والتي أصبح واضحًا أنها لا تقوم على القوانين وإنما على القوة وفرض الإرادة والطبطبة والتوازنات والنتيجة في النهاية أننا لا نشاهد منافسة رياضية وإنما صراع إرادات.
ثاني الخاسرين هم الحكام المصريون الذين فقدوا الكثير من سمعتهم بسبب الاتهامات التي لا تتوقف من الأندية وإصرار الكثير منها على استقدام حكام أجانب في مبارياتهم، وبسبب هذا أصبح طبيعيا أن نجد تراجعا في الاعتماد على الحكام المصريين في البطولات القارية والدولية بل وليس مستبعدا ان نجد فرقًا في القارة تعترض على اسناد مبارياتهم للتحكيم المصري، فطالما أن الأندية المصرية تشكك في حكامنا فلا يمكن أن نطلب من الآخرين احترامهم.
ثالث الخاسرين هو القانون واللوائح الرياضية التي لا تطبق إلا في حدود، رغم أن الحل الحاسم في تطبيق القانون وألا يكون هناك ناد فوق القانون.
رابع الخاسرين هو الجمهور الذي أصبح يبحث عن المتعة الكروية في دوريات أخرى ولو راجعنا نسب المشاهدة للمباريات سنجد الدوريات الأوروبية هي الرابحة والغالبية من المصريين يتابعونها بشغف واهتمام أكبر لانهم يجدون فيها الأداء والتنافس الحقيقي والالتزام.
المنتخب الوطنى أحد الخاسرين أيضا لأنه بدون شك سيعاني من هذه الصراعات وتأثيرها على نفسية وعلاقات اللاعبين، بل والتعامل الجماهيري مع لاعبى المنتخب.
كرة القدم تحتاج منا جهدا كبيرا لتطويرها وتحقيق الانضباط ولن يتحقق هذا إلا بالحسم، وأول الطريق محاسبة المتسبب في مشهد ليلة الثلاثاء فلا يمكن أن تبذل الدولة كل هذه الجهود في البناء والعمران وتغيير الصورة الذهنية لمصر، ثم تأتى أندية واتحادات تتسبب في افساد كل هذا.