ولا يخفى ما تواجهه الدولة المصرية والمنطقة والعالم كله من تحديات ومتغيرات فارقة
رسائل عديدة يمكن استخلاصها بسهولة ويسر من حديث الرئيس السيسى منذ أيام أثناء افتتاح عدد من المشروعات التنموية بجنوب الوادي؛ أهمها فى رأيى هو ضرورة المصارحة والشفافية، وإفساح المجال للإعلام؛ حتى ينهض بدوره فى التنوير وتكريس الوعى فى مواجهة الشائعات من ناحية، والصمت الحكومى الذى يشكل بيئة خصبة لنمو هذه الشائعات وانتشارها مثل النار فى الهشيم.
الرئيس طالب الجميع، وزراءً وإعلامًا، بالحديث مع المصريين وتوضيح الأمور، كما طالب وزراء حكومة مدبولى خصوصًا وزراء الكهرباء والتموين والمالية بمصارحة الشعب بحجم المشكلات وعدم التهرب منها، وتوضيح مشكلات كل قطاع.
توجيهات الرئيس السيسى للمسئولين بالحديث إلى الإعلام إشارة يجب أن يلتقطها الوزراء كل الوزراء، فثمة رغبة من صانع القرار أن يكون الشعب والناس والإعلام حاضرين فى المشهد ومطلعين على كل شيء بلا مواربة.
أين نواب البرلمان..أليس واجبهم مساءلة الحكومة والرقابة عليها، وتنبيهها لمواطن القصور والإخفاق، ورسم خارطة طريق لتحسين أحوال الشعب الذى انتخبهم وحملهم مسئولية وأمانة الرقابة والتشريع لصالح الناخبين..؟!
صدقونى دور الحكومة المصارحة بالحقائق مهما تكن صعبة، فالأصعب هو غياب المعلومة الصحيحة والشفافية؛ فالبديل هو الضبابية والإحباط وانعدام الشفافية والمساءلة وتلك بيئة خصبة يرتع فيها المتربصون بالوطن الساعون لإشاعة البلبلة واليأس وتفكيك الجبهة الداخلية..!!
لا عذر لأحد بعد اليوم..فالرئيس طالب الجميع، حكومة وإعلامًا، بضرورة إعلان الحقائق للناس، صدقونى تكلفة المصارحة أقل بكثير من الصمت والتعتيم؛ ففى النهاية لا يقنع إلا المقنع ولن يقتنع الناس إلا بما يرونه ويعيشونه فى حياتهم اليومية فمهما تتحدث الحكومة عن خفض الأسعار ثم يذهب الناس لشراء احتياجاتهم فيجدون أسعار السلع غالية فلن يصدقوا ما تقول بيانات الحكومة وتصريحات مسئوليها.
وإذا كان من حق الحكومة إذا أحسنت وأنجزت أن يعرف الناس حجم جهدها المبذول منها؛ وهنا يأتى الإعلام الواعى فى رصد تلك الإنجازات وتوصيلها للناس دون رتوش..فمن حق المواطن أن يعرف متى سيتوقف تخفيف الأحمال، ومتى يتوقف الغلاء المرتبط بتوفر الدولار، ومتى تنتهى معاناة أبنائهم مع الثانوية العامة، ومتى يجد كل مريض ما يحتاجه من رعاية طبية ودواء بسعر فى متناول يديه.؟!
الرئيس وضع النقط فوق الحروف فى العلاقة بين الحكومة والإعلام والشعب، ويبقى أن يخرج المسئولون ليشرحوا للناس حقائق الأمور، وأن يستجيبوا للإعلام إذا ما طرق أبوابهم، وألا يبقى المستشار الإعلامى هو الوسيلة الوحيدة لاستقاء أو إملاء بيانات الوزارات.. نريد عودة التواصل المباشر بين الوزير والصحفى كما كنا نفعل..!
لا جدال أن الإعلام وفى القلب منه صحافتنا القومية رأس الحربة فى إدارة معركة الوعي، تدعمه المؤسسات الدينية والشبابية والثقافية والبرلمان، ومن قبلهم الأسرة التى تبنى أولى ركائز الإدراك والفهم فى نفوس الناشئة والأطفال.
ولا يخفى ما تواجهه الدولة المصرية والمنطقة والعالم كله من تحديات ومتغيرات فارقة تتشكل على ضوئها مفاهيم وقيم وموازين قوى جدية ترسم ملامح العالم الجديد، ومن ثم فإن الإعلام والحكومة والبرلمان مدعوون الآن أكثر من أى وقت مضى لمخاطبة الرأى العام بقوة وموضوعية لصيانته من أى محاولات للتشويه المتعمد بالقفز على الحقائق فى إطار رياح الحرب النفسية ومحاولات الاستهداف التى لا تتوقف من هنا وهناك.
للإعلام والصحافة رسالة تنويرية هدفها إيقاظ الهمم والشعور الوطنى وخلق ظهير شعبى قوى مساند للدولة فى تحولاتها الكبرى مع التنبيه لأوجه القصور متى وجدت، ونشر الرأى والرأى الآخر كسباً للمصداقية وتحقيقاً للموثوقية فلن يقنع فى النهاية إلا المقنع، ومن ثم فليس مطلوبًا من الإعلام عمومًا والصحافة على وجه الخصوص أن يسعى الربح؛ إذ إنهما ليسا سلعة ولا ينبغى أن يكونا كذلك، فما ينفق عليهما أقل بكثير من الفائدة المرجوة حال وجود رأى عام واعٍ مستنير بما يجرى حوله، ومن ثم يكون داعمًا ومتفاعلًا مع قضايا أمته وشواغل دولته..وإلا فإن ثمن غياب مثل هذا الرأى العام فادح وفادح جداً.. ولن يملأ فراغهما إلا أبواق الإفك والضلال والشائعات وهشاشة العقول وقابليتها لتصديق ما يلقى إليها دونما تمحيص ولا تحقق..ومن هنا فإن الحضور القوى للإعلام يتطلب تدفق المعلومات بسهولة ويسر ومصداقية فى وقت مناسب، فالسبق هنا حتى ولو كان شائعة يكسب مساحة فى العقول يصعب تقدير عواقبها أو استدراك مخاطرها.
ولا يجادل أحد أن قوة الإعلام والصحافة وحيويتهما من قوة الدولة وحيويتها؛ فهما يقومان بدور خطير فى تشكيل وعى أى شعب وإلا ما نبهنا الرئيس السيسى مرارا وتكراراً لخطورة أدوارهما لدرجة أنه جعلهما محوراً رئيسياً فى كل زياراته ومؤتمراته، يشتبك مع القضايا الحقيقية وأولويات الوقت الواجبة لتوصيل صحيح المعلومات و تبيان ما تبذله الحكومة من جهد كبير فى مشروعات قومية عملاقة لتحسين جودة الحياة ليعرف المواطن كيف كنا ..وأين أصبحنا..وأين نذهب فى الغد القريب..؟!
ننتظر ترجمة تصريحات الرئيس لأفعال تفتح المجال لتدفق المعلومات والحقائق إلى الناس بلا تردد ولا محاذير..وأن تعود العلاقة بين الصحافة والمسئول كما كانت بلا واسطة ولا تحفظ؛ فمصلحة الطرفين واحدة؛ دعم الدولة وبناء وعى صحيح لا وعيًا زائفًا هشًا لا يصمد أمام شائعة من هنا وافتراء من هناك!!
ننتظر من الحكومة والبرلمان والإعلام أن يعيدوا صياغة المشهد ليصبح أكثر انسيبابية وجذبًا وتفاعلاً مع كل حدث ومتغير وتحول وما أكثر ما نراه من مشاهد وتحولات تطرح السؤال المهم: هل كان إعلامنا مبادرًا أم كان مجرد رد فعل، وهل كانت الحكومة سابقة عليه أم مجرد رد فعل تنفى شائعة أو تصحح مفاهيم مغلوطة جرى افتعالها قصدًا وعمدًا أو سهوا وتقصيرًا..ليتنا نستلهم الدروس والعبر ونضع الإعلام والصحافة فى مكانهما المناسب حتى لا نكون مجرد فعل!!