لم نجد استطلاع رأى حديثًا ولا حتى ورقة تحليلية ترصد بشكل موثق أداء النواب فى دور الانعقاد الحالى الذى قارب على النهاية، وتقدم بالدليل حجم إنجازات كل حزب «لدينا 17 حزباً ممثلة داخل غرفتى النواب والشيوخ» أو نائب مستقل أو إخفاقاتها ومدى رضا المواطنين عن أداء هذا المجلس بصفة عامة؛ اللهم إلا تقريرًا تحليليًا عن أداء النواب على موقع مجلسهم الموقر توقفت عند مطلع العام 2022 رغم أن توفر مثل هذه المعلومات من شأنه أن يعطى مؤشرًا عما هو آت فى الانتخابات البرلمانية المقبلة التى سجل مركز ـ بصيرة ـ فى يناير 2025 أن 79 ٪ من المصريين ينوون التصويت فيها..وهذا فى حد ذاته مؤشر جيد يدل على ارتفاع الوعى لدى الجماهير بأهمية الإدلاء بالأصوات فى الانتخابات أى انتخابات بدلاً من العزوف والسلبية.
ورغم غياب مثل هذا الاستطلاع المهم، فثمة مؤشرات نوعية تشير إلى أن رضا الشارع عن «نوابه» لم يتحسّن جوهريًا، فثمة انتقادات متناثرة عبر مواقع التواصل ومنتديات مثلReddit، تعبر عن إحساس بعدم التوازن وثقة منخفضة فى البرلمان كجهاز رقابى أو ممثل حقيقى للشعب؛ حتى أن البعض يحلو له أن يسمّيه «غرفة تصديق»..لكنها فى النهاية تبقى مجرد انطباعات بدون مؤشرات كمية موثوقة حول تقييم أداء البرلمان بغرفتيه.
تعزيز المشاركة السياسية من شأنه تقوية الحياة النيابية وتعميق الممارسة الديمقراطية؛ فالمشاركة بالرأى أو الصوت الانتخابى يمكنه دون سواه مع شفافية التصويت ونزاهته أن يضع المرشح المناسب فى مكانه المناسب، ويقطع الطريق على أى محاولة لشراء الأصوات أو دخول المال السياسى لحلبة المنافسة الانتخابية.
أما المقاطعة أو العزوف فهو سلاح العاجزين الفاشلين؛ وهو فوق ذلك سلبية تتنافى مع أدنى متطلبات الديموقراطية؛ فماذا تفعل الأحزاب والقوى السياسية إذا لم تتنافس وتنخرط فى غمار النضال السياسى والانتخابات بشتى صورها ودرجاتها تحقيقاً لاستقرار حقيقى وحفاظاً على المصالح العليا للبلاد.
وإذا كنا نرفض تزوير الانتخابات وشراء الأصوات بالمال فليس أقل من أن نرفض بالدرجة ذاتها أى دعوة للتكاسل أو التفريط فى الحق الانتخابى ما دام التصويت يجرى وفق ضوابط دستورية ارتضيناها، وإشراف قضائى كامل لا يرقى إليه أدنى شك فى نزاهته ومصداقيته.
لا شك أن الديمقراطية تتعمق بمزيد من الممارسة وتنضج بمزيد من العمل، وتتخلص من أخطائها شأنها شأن أى عمل بشرى بمزيد من التجارب.. والسؤال: ماذا يريد المواطن من البرلمان الجديد..؟!
والجواب عندى أن المواطن يتطلع أن يستهل البرلمان الجديد بغرفتيه عمله، مدركاً لجوهر تحديات الوطن وعمق مشكلاته ومتاعب الشعب العظيم، وأن يعرف طريقه لقلب المواطن وعقله، ويحترم إرادته ووعيه، ويحرص على رعاية مصالحه، ويصغى لنبضه، ويسارع إلى الاستجابة لتطلعاته وطموحاته.
المواطن يرجوه برلماناً يحترم سيادة القانون، ويعلى مبدأ الفصل بين السلطات، ويكفل التنافس الشريف بين الأحزاب وتكافؤ الفرص بين آحاد الناس، برلمان يتبنى قيم الإدارة الرشيدة والديمقراطية الحقيقية، ويسمع للجميع داخل البرلمان وخارجه، ويعدل بينهم، ويشاورهم فى الأمر، ويؤمن بدور العلم وأهمية التعليم الجيد والنقد الهادف، ويقف على مسافة واحدة من جميع فئات الشعب، فلا ينحاز لفئة على حساب الأخري، الضعيف عنده قوى حتى يأخذ له الحق، والقوى ضعيف عنده حتى يستخلص منه الحق، يملك القدرة على الرقابة والتشريع واتخاذ القرار السليم فى وقته المناسب، يعرف أعضاؤه حدود الأمن القومى ومقوماته، والمصالح العليا للبلاد. يتمسك بالحق مهما يكلفه.
برلماناً يستلهم رؤية الرئيس السيسى الهادفة لإحداث نقلة نوعية لحياة الناس بالعمل والإنتاج والاعتماد على الذات، وأن تضاعف جهدها لتوفير تعليم راق يواكب العصر وأن تهتم أكثر بالتعليم الفنى بتوفير مزيد من الحوافز إدراكًا للأهمية القصوى للتعليم المنتج والبحث العلمى المثمر والصحة العفية للشعب وهى عناصر إذا ما تحققت فإن مصائب كثيرة سوف تنقشع.. برلماناً يحافظ على الدولة ومؤسساتها، ويشجع المشروعات القومية التى تقيمها الدولة للاكتفاء من الغذاء والكساء والدواء والطاقة.
برلمانًا يدفع الحكومة لتسريع وتيرة رقمنة الحياة وميكنة الإجراءات وتقليل أخطاء العامل البشرى وإنجاز الخدمات فى أسرع وقت وبأقل كلفة حماية للمواطن من بيروقراطية الموظفين وفساد الفاسدين لجذب مزيد من الاستثمارات الخارجية والمحلية معاً وأن تعالج بصورة جذرية ما قد يدفع مثل هذه الاستثمارات للذهاب لدول أخرى ..!!
الناس تريده برلماناً يحتضن أهل الكفاءة والخبرة ويعتمد عليهم.. يؤمن بالمواطنة وانسجام المجتمع، ويملك رؤية علمية للمستقبل تقوم على التخطيط السليم والإدارة بالأهداف والعلم وشفافية المقاصد ووجوب المشاركة الشعبية فى القرار وتقييم أداء الحكومة وأجهزتها المختلفة التى تتعامل معه وتقدم له ما يحتاجه من خدمات.
نريده برلماناً يؤمن بأن البشر هم ثروة هذا الوطن وعدته وعتاده وظهيره فى السراء والضراء ورأسماله الحقيقى الذى لا تقدم لأى دولة إلا عبر تنميته وتأهيله لقبول أى تغيير أو تطوير منشود. برلماناً يستلهم التاريخ ويستخلص دروسه وعبره ولا يتجاهل أو يستهين بإرادة هذا الشعب، ويدرك أن للعدالة طرقا عديدة لا تقتصر على إعادة توزيع الموارد والثروات فحسب بل بالبحث عن صيغ جديدة لتوليد مزيد من الثروة وفرص العمل والاستثمار.