منذ تأسيسها قبل ما يقارب الثمانية عقود، كانت الأمم المتحدة مصدراً للتفاؤل، تقود البشرية عبر عواصف الصراع العالمى والفقر واللامساواة، نحو آفاق أفضل. وقد لعبت الأمم المتحدة، استناداً لمُثل الوئام والاستقرار والتعاون، دورًا رئيسيًا فى تشكيل عالم أكثر عدالة وتوازنًا. وقد تشرفت شخصيًا بالعمل عن قرب مع العديد من المجموعات الاستشارية والفرق واللجان الرائدة التابعة للأمم المتحدة على نطاق عالمي، وهنا يمكننى أن أشهد بما قدمته المنظمة الدولية من أعمال خيّرة.
ومع ذلك، فإننا فى هذا العصر المليء بالتحديات، يجب أن نتوقف لحظة للنظر إلى مسار الأمم المتحدة، وندرك حاجتها الماسة للإصلاح لمواجهة تحديات عالمنا سريع التطور.
مثّل اجتماع الأمم المتحدة الأخير لقمة المستقبل علامة فارقة مهمة فى مسيرتها، لأنه سلط الضوء على الحاجة الملحة لإجراء تحولات داخل إطارها للحفاظ على أهميتها وكفاءتها على الساحة العالمية. ويكشف «ميثاق المستقبل»، وهو اتفاقية بارزة تم التوصل إليها فى القمة، عن عزم الدول على تعزيز الحوكمة العالمية وتعزيز مبادرات التنمية المستدامة.
شملت نقاط النقاش خلال القمة الدعوة إلى إجراء تغييرات فى هيكل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذى تم إنشاؤه بعد الحرب العالمية الثانية، ولكنه لا يعكس بدقة الديناميكيات العالمية الحالية بعد الآن. وينبغى أن يكون هذا المجلس أكثر شمولية وشفافية من أجل استعادة الثقة الدولية فى مهامه الرامية إلى إنشاء نظام عالمى أكثر عدالة.
لم تركز القمة فقط على إجراء تغييرات هيكلية، بل سلطت الضوء أيضًا على أهمية معالجة الهيكل المالى لمعالجة عدم المساواة وتعزيز التنمية المستدامة. يجب مراجعة النظام القائم، الذى غالبًا ما يخلد عدم المساواة ويعرقل التنمية المستدامة. وقد ودعا «ميثاق المستقبل» إلى اتخاذ تدابير ملموسة للانتقال إلى ما بعد الناتج المحلى الإجمالى (GDP) كمؤشر وحيد للتقدم الاقتصادي. ويمكن أن يؤدى اعتماد المقاييس التى تعطى الأولوية لرفاهية الإنسان وحفظ البيئة إلى التوجه نحو إقامة اقتصاد عالمى أكثر عدلاً ووعيًا بالبيئة.
علاوة على ذلك، أقر الاجتماع بأهمية التكنولوجيا فى التأثير على مستقبلنا. وأكد على أن «الاتفاق العالمى الرقمي»، وهو نتيجة رئيسية أخرى للقمة يهدف إلى ضمان تسخير التكنولوجيات الرقمية لصالح كل البشرية.
ومن خلال تشجيع التعاون الدولى فى هذه المجالات، يمكننا استخدام امكانات التكنولوجيا لتعزيز التقدم الدائم وصون حقوق الإنسان. ولأكثر من أربعين عامًا، كنت أدعو إلى زيادة الجهود فى هذه المجالات أثناء قيامى برئاسة التحالف العالمى للأمم المتحدة لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتنمية (UNGAID) والاتفاق العالمى للأمم المتحدة والتحالف من أجل التحضر المستدام.
فى قلب هذه الإصلاحات تقع ضرورة إقرار مبدأ تعددية الأطراف. وفى عالم يزداد انقسامًا، لم تكن الحاجة إلى العمل الجماعى والتعاون أكبر مما هى عليه الآن. يجب على الأمم المتحدة أن تقود بالقدور، وأن تعزز الحوار والتعاون بين الدول والمجتمع المدنى والقطاع الخاص. ومن خلال العمل معًا، يمكننا معالجة الأسباب الجذرية للصراع وحماية كوكبنا وبناء عالم أكثر شمولية وسلمًا.
لطالما كانت الأمم المتحدة ذات دور محورى فى تعزيز السلام والتقدم. ومع ذلك، يجب أن تتكيف مع العالم المتطور من حولنا لتظل ممسكة بزمام الأمور. تقدم استنتاجات القمة مخططًا لهذا التحول من خلال تسليط الضوء على ضرورة التغييرات والإصلاحات الهيكلية وتعزيز التعددية وتجديد الالتزام بالنمو المستدام.. ومن خلال تبنى هذه التغييرات، يمكننا ضمان استمرار الأمم المتحدة فى خدمة شعوب العالم.