تفلّت الجمل من صاحبه وضاع بين الوديان والسهول، فأخذ يبحث عنه فى كل مكان دون جدوي، وعندما يئس من اعادة جمله وقف بين الناس يقول صارخاً والذى نفسى بيده لو وجدت هذا الجمل لأبيعه بدرهم واحد وهذا نذر منى أمامكم وأمام الله، وبعد فترة وجيزة ظهر الجمل بما حمل، فبدأ الناس يذكرون صاحب الجمل بنذره وقسمه، فتركهم وذهب إلى داره وقد أحضر هرة صغيرة حقيرة وربطها بالجمل وخرج للناس فى السوق وقال: أبيع الجمل بدرهم، وأبيع القطة بألف درهم، ولا أبيع أحدهما دون الآخر
فقال الناس:
> «ما أرخص الجمل لولا الهرة» وكانت تلك الطريقة الملتوية مخرجاً لصاحب الجمل الماكر، وصار مثلاً يضرب فى اختلاط الغث والسمين والجمع بين الغالى والرخيص وكذلك ارتباط النفيس بالخسيس فيقلّ قدره ويفقد قيمته بسبب ذلك، هذه القصة الطريفة تنبئنا بالعديد من القواعد التى يجب ان نعرفها وننتبه إليها فى أمور عدة، اقتصادياً وسياسياً ومجتمعياً وصولاً إلى العلاقات الشخصية، فعلى الصعيد الاقتصادى تجد مصنعاً واحداً ينتج سلعة جيدة ومطلوبة لكن ينقصها التغليف أو التصميم الجيد أو السعر المرتفع فتجد الناس يقولون «سلعة جيدة لكنها كذا».
> وتكون النتيجة بوار السلعة الجيدة نتيجة اقتران شيء سلبى بالصورة الذهنية عن تلك السلعة، ويمكن لمصنع كبير ينتج أكثر من سلعة أن يكون لديه سمعة طيبة فى كل المنتجات إلا منتجاً واحداً، ونظراً لاقتران كل تلك المنتجات بنفس البراند ستجد عزوفاً عن شرائها نتيجة هذا الاقتران القاتل، ونفس المعنى نجده فى علاقاتنا الإنسانية على جميع المستويات، احب فلاناً لكنه مرتبط بفلان، فلان إنسان رائع لكنه جزء من شلة عليها علامات استفهام وعلامات ترقيم.
> ونجد أبناءنا وقد ارتبطوا بصداقات عديدة فنقف أحياناً ونقدم لهم نصيحة عدم الارتباط ببعض الأشخاص لأنهم سيئون أو أصحاب سلوكيات معوجة، فاختلاط السلوكيات تضيع هيبة التربية السليمة والعلاقات السوية، ونفس الشيء نجده فى عالم التعليم بين المعلمين والطلاب والبحث العلمى بين العلماء والباحثين والصحافة والإعلام بين عناصر العمل فى الأقسام المختلفة، نجد مثل الهرة كثيرين ومثل الجمل قليلين، فتنخفض القيمة الإجمالية للمكان نتيجة وجود عناصر رخيصة تقلل من شأن العناصر ذات الوزن المحترم.
> فى مجالات السياسة والعلاقات الدولية وهذا هو بيت القصيد فى المثل المضروب والشروحات المتممة لفكرته، نجد منطقة جغرافية ما تضم عدة دول منها الجمال ومنها الهِرر، وهذا يصل بنا إلى حاصل جمع مشوه، لذلك نجد دولا كبيرة تحاول الخروج من قيود التجمعات المخجلة والتى لا طائل من الاستمرار والتواجد والمشاركة فيها، فهى انتقاص من قدرة وقوة ومهابة البعض فى نفس الوقت هى إضافة وكسب غير مشروع للبعض الآخر من ذوى القامات الوهمية.
> فالجمل رائع وما شوّهه إلا ارتباطه بالهرة، لذلك وفى العموم يجب أن نفك الارتباط بين الجمال والهرر – جمع هرة – فوراً ودون إبطاء، فاستمرار ارتباط أصحاب القيم والمبادئ بهذه الكيانات والكائنات الرخوة ما هو إلا ضياع للوقت والجهد والفرص أيضاً، ينطبق هذا فى حياتنا الاجتماعية والعملية وكعلوم مستوى الأفراد وكذلك على مستوى المجتمعات وصولاً إلى الأمم والشعوب والدول كذلك، بيد ان فرصة إعادة تشكيل العالم الجارية أمام أعيننا جميعاً تدفعنا لسرعة حسم أمورنا المؤجلة الخاصة بارتباطاتنا الوهمية المنهكة التى تمثل خسارات صافية،
> فك الارتباط سيضع الأمور فى نصابها، ويضع الوزن الحقيقى لكل شيء، لتبقى الهرة هرة والجمل جملاً.