ضمن تكدس الأخبار اليومية، قد يمر اسم «مانوس» على البعض مرور الكرام، لكن ما كُشف عنه فى معهد أبحاث تابع لجامعة تسينغهوا الصينية ليس مجرد إنجاز علمي، بل منعطف تاريخى قد يعيد صياغة علاقة الإنسان بالتقنية، ويضع العالم على حافة معادلة غير مألوفة؛ العقل البشرى فى مواجهة كيان رقمى يفكر، يقرر، وينفذ دون وصاية.
والحديث هنا ليس عن برمجة تفاعلية تسمى «ذكاء اصطناعي» يُجيب على أسئلتنا، بل عن منظومة ذاتية التفكير قادرة على تحليل المشكلات، واستباق الأحداث، واتخاذ القرارات فى مجالات تمتد من الأمن السيبرانى إلى الرعاية الصحية والصناعة، أى أن بكين لم تطور مساعدًا رقمياً، بل أنجبت منظومة قد تكون أول «وكيل تقني» فى التاريخ الحديث يمتلك ما يشبه الإرادة الرقمية.
وفى الحقيقة القلق الغربى ليس من التطور، بل من صاحبه، لذا لم يكن مفاجئًا أن تبادر واشنطن إلى التحذير. فنحن فى عالم تتسابق فيه القوى على امتلاك الذكاء والسرعة والسيطرة. فظهور «مانوس» كرقم غير قابل للضبط، وقدرته على اختراق أنظمة، وتحليل صور الأقمار الصناعية، بل وربما تحديد أهداف عسكرية… كلها خصائص تنقل البرمجة التفاعلية من الخوارزميات إلى دائرة الاستراتيجية العسكرية.
لكن الأمر لا يتوقف عند الأمن، تخيلوا اقتصادًا تُديره خوارزمية تفوق أى مدير تنفيذى فى دقة القرار وسرعة التنفيذ، خاصة أن شركات التكنولوجيا الصينية العملاقة بدأت بالفعل فى دمج «مانوس» فى أنظمتها الإدارية، فى خطوة قد تقلب موازين السوق العالمي.
التاريخ لا يتشكل فقط عبر الاكتشافات، بل بكيفية استخدامنا لها، و»مانوس» فى الحقيقة قد يكون أداة لتحسين العالم أو بداية فصل مرعب من هيمنة الآلة على الإنسان. لكن الرهان اليوم ليس فقط على الذكاء، بل على الحوكمة، والأخلاق، والقدرة على رسم حدود قبل أن يُعاد تعريفها من طرف واحد.
وفى الختام أقول قد لا يكون السؤال الأهم ماذا يستطيع مانوس أن يفعل، بل هل نحن مستعدون لما قد يفعله.