زيارة الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون الأخيرة إلى مصر لم تكن مجرد جولة دبلوماسية عابرة، بل حملت رسائل متعددة الأبعاد عكست عمق العلاقات المصرية الفرنسية، ووضعت مصر فى قلب المشهد الإقليمى والدولى كلاعب رئيسى يتمتع بالقوة الناعمة والتاريخ الحى والدور السياسى الفعّال.
الاستقبال التاريخى الذى حظى به ماكرون من الرئيس عبد الفتاح السيسى والشعب المصرى، لم يكن بروتوكوليًا فقط، بل كان تعبيرًا صادقًا عن احترام متبادل وشراكة ممتدة بين دولتين تربطهما مصالح سياسية وثقافية واقتصادية متشابكة. واللافت فى الزيارة أنها لم تقتصر على اللقاءات الرسمية، بل حملت بعدًا شعبيًا وإنسانيًا، عبّرت عنه خطوات ماكرون فى خان الخليلى، ومصافحته للبسطاء، واستماعه لتفاصيل التاريخ من قلب الجمالية.
زيارة خان الخليلى، الحى العريق الذى يجسد روح القاهرة التاريخية، كانت لحظة استثنائية. فأن يمشى رئيس دولة كبرى مثل فرنسا وسط الناس، برفقة نظيره المصرى، ووسط ترحيب شعبى عفوى، هو مشهد نادر يحمل دلالات قوية عن استقرار مصر وأمنها، وعن صورتها الحقيقية كدولة مضيافة قادرة على جذب القادة والشعوب بثقافتها وتاريخها وروحها المرحة.
ثم جاءت المحطة الأهم إنسانيًا وسياسيًا، بزيارة ماكرون لمدينة العريش ولقائه بالمصابين والجرحى الفلسطينيين القادمين من قطاع غزة. فى تلك اللحظة، تحوّل الرئيس الفرنسى من زائر رسمى إلى شاهد على الدور المصرى الحقيقى فى دعم القضية الفلسطينية، وتخفيف المعاناة عن المدنيين، بل وأصبح جزءًا من المشهد الإنسانى الذى تقوده القاهرة بحكمة وفاعلية.
باختصار، زيارة ماكرون إلى مصر لم تكن مجرد زيارة رسمية بل تجربة سياسية وشعبية وثقافية وإنسانية متكاملة. أكدت أن القاهرة ليست فقط عاصمة للتاريخ، بل مركزًا حاضرًا فى قلب الأحداث، وأن الدبلوماسية المصرية تجمع بين الأصالة والحداثة، بين الإرث والفاعلية، لتقدم نموذجًا لدولة مستقرة، مؤثرة، تحجز لنفسها مكانًا على طاولة الكبار بثقة وهدوء.