منذ أن فاز الفيلم البرازيلى «مازلت هنا» بجائزة الأوسكار كأحسن فيلم دولى وعشاق السينما فى شوق لمشاهدته، وهذا الأسبوع أصبح متاحاً فى العديد من المواقع السينمائية وهو من اخراج والتر ساليس ومأخوذ عن السيرة الذاتية لمارسيللو ابن روبنز بايفا العضو السابق بمجلس الشيوخ البرازيلى والذى اختفى فى ظروف غامضة عام 1971 أثناء الاضطرابات التى شهدتها البرازيل ولم تتأكد الأسرة من وفاة الأب «روبنز» إلا عام 1996.
يحكى الفيلم عن بطولة أم مارسيللو وكيف واجهت محنة اختفاء الأب وحافظت على كيان الأسرة المكونة من بناتها الأربع ومارسيللو الذى كان يبلغ من العمر 10 سنوات لكنه تعرض لحادث وأصبح قعيداً على كرسى متحرك، وكانت الأم قد تركت دراستها الجامعية وهى شابة وتزوجت من روبنز بايفا وعندما فقدت زوجها واجهت الموقف بشجاعة وعادت للدراسة وحصلت على درجاتها العلمية وعلمت أساتذة بالجامعة وقامت بتربية أبنائها وهى لا تستطيع الحصول على دولار من حساب زوجها فى البنوك لأنه فى الأوراق الرسمية مازال على قيد الحياة.
قامت بدور الأم الممثلة الكبيرة فيرناندا توريس وحصلت على جائزة الجولدن جلوب كأفضل ممثلة فى فيلم درامى وأجادت التعبير عن شجاعة واصرار الأم فى كافة المراحل العمرية منذ أن كانت فى سن الأربعين وحتى اقتربت من التسعين.
عنوان الفيلم «مازلت هنا» له أكثر من دلالة فهو يعبر عن شخصية الأم الحقيقية وتجربتها القاسية وأنها مازالت هنا فى الحياة تواجه الظلم، والعبارة فى ذات الوقت تعبر عن الوطن الباقى رغم كل الصعاب التى واجهت أبناءه، كما أن العبارة تشبه عنوان قصيدة «سوف أحيا» للشاعر مرسى جميل عزيز والتى تغنت بها فيروز من ألحان الأخوين الرحبانى فى أغنية بديعة، وكذلك تشير عبارة «مازلت هنا» إلى العدالة التى قد تغيب لعشرات السنين لكنها تعود فى أجمل صورة.
السينما فى أمريكا اللاتينية تسعدنا كل عام بواحد من الأفلام التى تحقق الجوائز العالمية، وفى نفس الوقت تعيش فى الذاكرة مثل فيلم «روما» للمخرج المكسيكى ألفونسو كوارون عام 2018 وفيلم «ليلة الاثنى عشر عاماً» للمخرج ألفارو بريخنر من أورجواى والذى فاز بجائزة الهرم الذهبى فى مهرجان القاهرة السينمائى عام 2015.
«مازلت هنا» على المستوى النقدى يستحق أن نلحقه بابداعات سينما المرأة فى العالم رغم أن مخرجه ومؤلفه من الرجال، لكنه يمثل قوة وصلابة المرأة فى مواجهة مصاعب الحياة والتى لا تختلف من مجتمع لآخر إلا فى بعض التفاصيل.
تبقى الاشارة إلى أهمية عرض مثل هذه الأفلام على منصات السينما على شبكة الإنترنت لأنها تعوض عدم عرض هذه الأفلام المهمة فى دور السينما التى اكتفت بأفلام الأكشن والمغامرات.