الرواية الرائجة داخل إسرائيل الآن أن مقتل يحيى السنوار فرصة ذهبية جاءت لإسرائيل لإنهاء الحرب على غزة، ولكنه إنهاء على الطريقة «النتنياهية» بمعنى أن نهاية الحرب ووقف إطلاق النار لا يستوجبان بالضرورة الانسحاب الإسرائيلى من قطاع غزة، فإسرائيل بقدر ما أوجعتها ضربة السابع من أكتوبر العام الماضى فهى أيضا أهدتها الذريعة لتحقيق هدف قديم خفى وهو إعادة احتلال قطاع غزة أو على الأقل السيطرة العسكرية والأمنية على محاور ومناطق فى القطاع، مثل محور فيلادلفيا «صلاح الدين»، ومحور «نتساريم» الذى يفصل شمال القطاع عن جنوبه، بالإضافة إلى السيطرة على حزام أمنى داخل القطاع على طول الحدود مع قطاع غزة، وبالطبع الاحتلال الدائم لشمال القطاع، هذه هى الخطة منذ البداية والتى بناء عليها ظل نتنياهو يراوغ ويفسد المفاوضات ويمضى قدما فى العملية العسكرية فى شمال قطاع غزة ويعلنه منطقة عسكرية مغلقة، ويدفع باتجاه تهجير السكان من الشمال إلى الجنوب، فنتنياهو الذى يرفض إقامة دولة فلسطينية ويتفاخر بإعلانه ذلك فى أى مناسبة ويتهرب من حل الدولتين يريد تصفية القضية الفلسطينية برمتها ويراهن على اليمين المتطرف، لكن هدف تصفية القضية خطط له نتنياهو أن يتم على مراحل بعضها انكشف فى تسريبات وبعضها لا يزال فى السر، كالتسريب الذى كشف خطة نتنياهو لتهجير سكان قطاع غزة نحو سيناء وهو الهدف الخبيث الذى وأدته مصر فى مهده بإعلانها الخطوط الحمراء، وبعدها عاد نتنياهو لينفى ويتملص، ثم أخذ «يحوم» فى تصور آخر خلاصته أنه يريد محو غزة الحالية والعودة بالقطاع إلى ما قبل 2005، أى قبل الانسحاب الإسرائيلى من قطاع غزة، وكانت أول خطوة فى هذا الاتجاه احتلال الجانب الفلسطينى من معبر رفح وانتهاك اتفاقية المعابر فى 2005.
يحاول نتنياهو الآن الاستفادة من الدعاية السياسية التى اكتسبها بمقتل قادة كبار من حماس وحزب الله حتى يغير الواقع على الأرض، وقد قال ذلك بالفعل ومن ثم يستهدف نتنياهو السيطرة الكاملة على شمال قطاع غزة، ليكون جزءًا من اليوم التالى فى غزة، ومحاولة فرض تصوره الاستعمارى على الإقليم مع اقتراب موعد الانتخابات الأمريكية، وقدوم رئيس جديد للبيت الأبيض، ويراهن نتنياهو على عودة دونالد ترامب الذى ربما وعده بزيادة مساحة إسرائيل على الخريطة بتغيير البيئة الإقليمية.
جاء وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن للمنطقة للمرة الـ11 ولكنى أرى أنه لا يمكن النظر بتفاؤل لهذه الزيارة وستمر كسابقاتها العشر والنتيجة أيضا ستكون صفراً، أمام عدم القدرة على وقف نتنياهو، وأتصور أن بايدن وبلينكن يعلمان النتيجة مسبقة ويعلمان أيضا أن واشنطن فى كل وأى حال لن تتخلى عن إسرائيل و ما يحدث فقط مجرد استهلاك للوقت قبل الانتخابات الأمريكية.
دائما تكون العقبة أن نتنياهو لا يستجيب للضغوط الدولية، لإنهاء الحرب، وهذا واضح للعالم حتى حلفاء واشنطن وإسرائيل يعلمون ذلك جيدا فسبق أن أعرب مفوض السياسة الخارجية فى الاتحاد الأوروبى جوزيب بوريل عن أسفه لعدم وجود أى قوة قادرة على وقف نتنياهو فى غزة ولبنان عندما قال لمجموعة صغيرة من الصحفيين أثناء حضوره اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة: «ما نفعله هو ممارسة كل الضغوط الدبلوماسية لوقف إطلاق النار، لكن لا يبدو أن أحدا يملك القدرة على وقف نتنياهو، لا فى غزة ولا فى الضفة الغربية».
سيحاول نتنياهو المماطلة مرة أخرى حتى إتمام مشروعه فى شمال قطاع غزة، مع العلم أن مشروعه ليس مرتبطا بعودة الرهائن، فقد انتهى من يحيى السنوار لكنه أيضا لم يصل إلى الرهائن أو بالأحرى ما تبقى من رهائن، نتنياهو يريد فرض تصوره لليوم التالى لغزة، معتقدا انه سيدشن مرحلة سياسية جديدة فى غزة تنسجم مع تصوراته فى غياب واضح للمجتمع الدولى وعجز صريح لمؤسساته.
الشاهد أن نتنياهو يجرالمنطقة لحرب إقليمية موسعة بتعدد ساحاتها ووضع الإقليم برمته تحت فوهة بركان قد ينفجر فى أى لحظة.