هذه الصور الثلاث .. شاهدتها وأنا أتابع «نشرة الأخبار» قبل «مدفع الإفطار».. سيدة فلسطينية من أهل الضفة الغربية تحمل أطفالها.. تبكى فى صمت.. يجر زوجها «ماتيسر» من مقتنيات «بيتهم الذى كان».. السيدة وزوجها وأطفالها مع جميع سكان المنطقة يغادرون المكان قبل أذان المغرب.. مغرب رمضان.. يسيرون إلى «المجهول».. لقد طردهم جيش إسرائيل من أرضهم ومنازلهم لكى يسكن فيها «المستوطنون»!!.. الصورة الثانية.. مشهد مهيب يملأ ساحات المسجد الأقصى المبارك.. أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومسرى حبيبنا محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.. ثمانون ألف فلسطينى أدوا صلاة التراويح «فى ليلة واحدة» رغم أنف «الاحتلال».. الصورة الثالثة.. مائة ألف إسرائيلى يخرجون فى مظاهرات تزلزل «قلب تل أبيب» لمطالبة حكومة بنيامين نتنياهو بسرعة تنفيذ صفقة تبادل الأسرى ووقف الحرب فى غزة والعدول عن إقالة مدير جهاز «الشاباك» رونين بار.. مظاهرات «تل أبيب»شهدت أعمال عنف لدرجة أن السفارة الأمريكية هناك طالبت رعاياها بـ»توخى الحذر»!!…ما يحدث فى إسرائيل «الآن».. يبعث بالعديد من «الرسائل» التى يعد التوقف عندها وأمامها»طويلا» من ضرورات الإدراك الجيد لثوابت الأمن والاستقرار والسلام فى منطقة الشرق الأوسط والعالم.. التصريحات «وإن شئت قل الإعترافات» الخطيرة التى أدلى بها رئيس جهاز الشاباك المقال رونين بار تؤكد أن الحكومة الإسرائيلية لا تريد من مفاوضات إطلاق سراح الأسرى ووقف إطلاق النار إلا كسب الوقت والتغطية على «الأهداف الحقيقية» التى تسعى إليها.. .الجنون غير المسبوق من قبل العديد من الوزراء والمسئولين فى حكومة بنيامين نتنياهو الذين أطلقوا سيلا من «التصريحات العنصرية النازية» وأعلنوا عن البدء فى اتخاذ إجراءات «كارثية».. هذا الجنون يمكن أن يقلب وتيرة الأحداث فى الشرق الأوسط رأسا على عقب.. مسئولون وخبراء ومحللون بدأوا يحذرون من أن إسرائيل على مشارف «حرب أهلية»لا يستطيع أحد التنبؤ بنتائجها أو تداعياتها… فى لقائنا أو رسالتنا «اليوم» أحاول إن شاء الله سبحانه وتعالى أن أعرض المشهد الإسرائيلى «غير المسبوق» من خلال «الثوابت الصهيونية» الحاكمة للسلوك والتحرك الإسرائيلىفى كل زمان ومكان .. ثوابت وردت وثبتت فى العديد من الوثائق الإسرائيلية.. عثرت على بعضها فى كتاب «إنهيار إسرائيل من الداخل» للمؤرخ الموسوعى عبد الوهاب المسيري.. الوثائق تؤكد إن جميع الإسرائيليين على اختلاف انتماءاتهم وتوجهاتهم السياسية والحزبية متفقون على «اغتصاب حقوق الفلسطينيين».. إسرائيل باعتراف الصهاينة المؤسسين لاتريد سلاما عادلا «ولا شبه عادل».. تريد سلامًا «حديديًا» .. سلاماً «توافقيًا» .. يحقق لها كافة الأهداف والغايات.. إسرائيل تؤمن أن أفضل سياسة يمكن أن تتعامل بها فى المنطقة هى سياسة قوة الأمر الواقع.. إن مايحدث فى إسرائيل الآن من هوس الحرب والإستيطان بالإضافة إلى واقع الإستقطاب والتشرذم والتصدع داخل المؤسسات العسكرية والأمنية والسياسية والإجتماعية.. يراه البعض نوعاً من جنون القوة .. ويراه آخرون أنه خطوة على طريق «بداية النهاية».
الأنباء الواردة من «تل أبيب»أدق وأشد تشخيصا لحالة الاضطراب والخلل والعطب التى أصابت إسرائيل.. هذه الأنباء تشخص وتدلل وتبعث بإشارات بالغة الخطورة والأهمية.. أنقل بعض تلك الأنباء التى تناولتها وسائل الإعلام العالمية حول ما يجرى داخل إسرائيل «الآن «.. ولنبدأ بالرسالة التى وجهها رونين بار رئيس جهاز الشاباك إلى وزراء حكومة بنيامين نتنياهو ردا على قرار إقالته.. تلك الإقالة التى زادت الوضع الداخلى الإسرائيلى إشتعالا.. قال بار فى رسالته إن قرار استبعاده من فريق مفاوضات تبادل الأسرى كان له تأثير سلبى على سير التفاوض وكان هذا القرار يهدف إلى إجراء مفاوضات دون التوصل إلى صفقة.. وأن قرار الإقالة جاء لمنع التحقيق فى أحداث «السابع من أكتوبر» وبيان الفشل الذى حدث.. كما أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو كان يمنعه من اللقاء بالوزراء خلال السنة الماضية.. لقد أحدثت رسالة رئيس الشاباك المقال دويا هائلا فى كافة الأوساط الإسرائيلية «لتتصاعد الأزمة الداخلية»
الوضع الداخلي الإسرائيلى «الملتهب» دفع رئيس المحكمةالعليا السابق أهارون باراك إلى القول بإن إسرائيل تنزلق نحو «حرب أهلية»بسبب تصاعد الانقسامات الداخلية.. قال باراك فى تصريحات لصحيفة يديعوت أحرونوت :إن المشكلة الرئيسية للمجتمع الإسرائيلى هى «الجبهة الثامنة» وهى الشرخ الحاد بين الإسرائيليين أنفسهم.. هذا الخلاف يتفاقم وأخشى أن تكون نهايته مثل قطار خرج عن القضبان وينحدر إلى الهاوية ويؤدى إلى «حرب أهلية».. وواصل قائلا : يجب أن نسعى جاهدين للتوصل إلى اتفاق بين الأحزاب المتشددة لأن المشكلة هى أنه فى المجتمع الإسرائيلى لا يوجد سعى للاتفاق بل استخدام «القوة فقط»
زعيم المعارضة الإسرائيلية يائيرلابيد نزل إلى الشارع وشارك فى إحدى المظاهرات التى خرجت ضد الحكومة.. وخلال المظاهرة قال لابيد إنه إن قررت الحكومة عدم الانصياع لقرارات المحكمة العليا فيما بتعلق بإقالة رئيس جهاز الشاباك «فسنشل الاقتصاد ولن ندفع الضرائب».. أضاف لابيد :إن الحكومة تفعل كل شيء لبدء حرب أهلية ونتنياهو يدفع إلى ذلك علنا وإذا قررت حكومة نتنياهو عدم الامتثال للمحكمة العليا فيجب «شل إسرائيل بأكملها».. يجب أن يضرب الاقتصاد ويجب أن يضرب البرلمان ويجب أن تضرب المحاكم ويجب أن تضرب الجامعات والمدارس.. سنناضل من أجل الوطن، ولن نسمح لهم بتدميره. انهم يستخدمون كلمة الوحدة لإسكاتنا. هذا لن يُجدى نفعاً.. الصمت فى وجه حكومة هدامة ليس وحدة.. هذا «القول الشديد» من زعيم المعارضة جعل أحد أعضاء حكومة نتنياهو «وزير الطاقة» يطالب بمحاكمة لابيد.. صراع إسرائيلى داخلى على كافة المستويات.. «إسرائيل فى مواجهة إسرائيل»!!
مجلس الوزراء المصغر «الكابينيت» صادق على الاعتراف بثلاث عشرة مستوطنة فى الضفة الغربية ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش يعلق على هذا القرار قائلا : هذه خطوة هامة فى طريق الضم والسيادة على الضفة الغربية رسميًا ومستمرون فى مساعى تحقيق أمانينا فى شرعنة وتطبيع المستوطنات بالضفة الغربية!!.
وزير الأمن القومى إيتمار بن غفير راح هو الآخر يدفع نحو «المزيد».. لقد أعلن بن غفير وحزبه عن القيام بإجراءات جديدة لإلغاء اتفاقيات السلام الموقعة مع السلطة الوطنية الفلسطينية ووصف هذه الاتفاقيات بأنها «أحد أكبر الأخطاء فى تاريخ إسرائيل».. قال حزب «عوتسماه يهوديت» الذى يرأسه بن غفير إنه يعتزم تقديم مشروع قانون إلى الكنيست لإلغاء اتفاقيات «أوسلو والخليل وواى ريفر».. ينص الاقتراح على إلغاء الاتفاقيات التى تم توقيعها بشكل كامل وأن تقوم إسرائيل باستعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل هذه الاتفاقيات بما فى ذلك إعادة الأراضى التى تم التنازل عنها فى إطار الاتفاقيات.. وصف حزب بن غفير إقامة دولة فلسطينية بأنه تهديد وجودى لإسرائيل.. وقال الحزب بالنص»إن إقامة دولة فلسطينية فى قلب أرض إسرائيل من شأنه أن يشكل تهديدا وجوديا لدولة إسرائيل ومواطنيها ومن شأنه أن يؤدى إلى إدامة الصراع الإسرائيلى الفلسطينى ويقوض الاستقرار فى المنطقة ولن يكون الأمر سوى مسألة وقت قبل أن تسيطر حركة حماس على السلطة».. بن غفير قال عن مشروع القانون :»إن الوقت حان لتصحيح أحد أكبر الأخطاء فى تاريخ البلاد وهى اتفاقيات أوسلو الملعونة التى جلبت لنا آلاف القتلى وما زلنا نعانى منها حتى يومنا هذا!!.
يتضح لنا من هذا كله أن إسرائيل «الآن» هى مزيج من الهوس والضعف والارتباك والتشرذم.. والجنون!!.. هذا الكيان «غريب» بالفعل.. لا يوجد له مثيل على وجه الكرة الأرضية.. كيان يضم بين جنباته وفى أساسات بنيانه وتكوينه «عوامل فنائه».. إسرائيل فى موقف عدائى دائما مع «الآخر».. موقف يتعدى درجات وأشكال «العداء التقليدي» ليصل إلى حد إباحة وشرعنة القتل والسحق والمحو والتجويع والإبادة.. إسرائيل لا تعترف بسلام لا يؤكداغتصاب حقوق الغير.. لا تعترف بعدل يضع حدا لجرائمها وإجرامها.. لا تؤمن بتعايش يمنح «الآخر» أدنى حقوق الإنسانية!!.
فى كتاب «انهيار إسرائيل من الداخل».. يشير عبد الوهاب المسيرى إلى قضية بالغة الأهمية فيما يتعلق بإسرائيل.. الدولة والشعب.. هذه القضية هى ما يعرف بـ»الإجماع الصهيوني».. الأساس والركيزة الأهم والأبرز التى تقوم عليها دولة الاحتلال.. والإجماع الصهيونى من المهم ومن الواجب الإحاطة به جيدا.. لأن هذا الأساس الصهيونى يؤكد أن جميع «الصهاينة»سواء.. من حيث الهدف والغاية خاصة فيما يتعلق بالصراع العربى الإسرائيلى واحتلال فلسطين.. لا فروق جوهرية بين حكومة ومعارضة.. أو يمين ويسار.. أو ليكود وعمل.. أو صقور وحمائم.. الجميع متفق هنا على مباديء أساسية ضد الفلسطينيين والعرب عموما.. .يقول عبد الوهاب المسيرى عن «الإجماع الصهيوني» : اغتصب المستوطنون الصهاينة أرض فلسطين وأسسوا دولتهم الصهيونية وهى دولة تستند إلى «الإجماع الصهيوني».. وهو اتفاق داخل الدولة الصهيونية بين التيارات والاتجاهات والأحزاب الصهيونية التى تضم الغالبية الساحقة من المستوطنين الصهاينة بشأن الأمن وحدود الدولة والعلاقة مع الفلسطينيين ومع يهود العالم ودول العالم وخاصة دول الغرب وفى مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية.. وقد تظهر اختلافات بشأن الوسائل والنهج ولكنها لا تنصرف قط إلى «المسلمات النهائية».
لخص عبد الوهاب المسيرى قواعد أو ثوابت «الإجماع الصهيوني» فى عدد من «البنود» هي..
1-اليهود شعب واحد وفلسطين هى أرض الميعاد ووطن اليهود القومي..
2- وجود الفلسطينيين فى وطنهم فلسطين حسب التصور الصهيونى هو أمر عرضى زائل ومن ثم فلابد من التخلص منهم إما بالطرق السلمية أو الطرق الإرهابية..
3- من حق الدولة الصهيونية أن تدافع عما تراه حقاً لها بكل ضراوة..
٤- تتفاوت مفاهيم السلام بين حزب صهيونى يمينى وآخر صهيونى يسارى لكن الجميع متفقون حول مفهوم أمن إسرائيل..
٥- القضية الفلسطينية بالنسبة للصهاينة قضية أخلاقية بما يمكن الحديث عن منح تعويضات للفلسطينيين المتضررين دون أى حديث عن عودتهم إلى ديارهم أو إعادة توطينهم..
٦- سياسة الأمر الواقع هى السياسة الوحيدة التى يجب إتباعها مع العرب.. فالأمر الواقع هو الذى يغير الواقع العربى ويفرض واقعا صهيونيا جديدا عليه ويمكن تحقيق السلام بالشروط الصهيونية من خلاله..
٧- القدس هى العاصمة الموحدة والأزلية للدولة الصهيونية وليست موضوعا للمساومة..
٨- الصفة الغربية جزء من الدولة الصهيونية.. هذا هو الوجه والعقل «الصهيوني» الحقيقى وما يحدث فى بعض محطات الصراع من إبداء مرونة أو إعلان رغبة فى إقامة سلام.. كل هذا ما هو إلا تكتيك أو تخطيط صهيونى تفرضه ضرورات اللحظة.. إن مفهوم الإجماع الصهيونى الذى يحكم أى تصرف إسرائيلى يؤكد أن إسرائيل.. اليمينية أو اليسارية.. المتطرفة أو العقلانية.. لاتؤمن بالسلام ولاترى للفلسطينيين أى حق فى «فلسطين»!!!
من الأشياء المهمة الأخرى التى أشار إليها عبدالوهاب المسيرى فى كتابه هو مدى إيمان الفكر الصهيونى بمبدأ القوة القاتلة فى تحقيق الأهداف والغايات الصهيونية.. الحرب.. القتل.. الإرهاب.. كل أنواع الإجرام مباحة مادامت فى خدمة الصهيونية.. يشير المسيرى إلى إن الصهاينة المؤسسين لدولة الاحتلال غرسوا فى العقلية والتكوين الصهيونى أن القوة وحدها هي التى ستجعل لهم مكانا فى الشرق الأوسط وأن السلام الذى يجب أن يسود هو «سلام الردع»!!.. يقول المسيري: إن الزعيم الصهيونى «المؤسس» فلاديمير جابوتنسكى أكد دون مواربة أن الصهيونية جزء من التشكيل الاستعمارى الغربى الذى لم يكن بمقدوره أن يحقق انتشاره إلا بالقوة.. ولذلك فقد طالب منذالبداية بتسليح المستوطنين الصهاينة مثلما فعلت دولا استعمارية أوروبية فى بعض مستعمراتها.. قال جابوتنسكى صراحة إن العرب لن يقبلوا بالصهيونية إلا إذا وجدوا أمامهم «حائطا حديديا».. كما أعلن ديفيد بن جوريون وموشيه شاريت وشارون أن إسرائيل عندما تتحدث عن السلام مع العرب فهى تريد «سلاما توافقيا» تحت ضغط القوة .. أما أى دعوات أخرى لسلام يعطى الفلسطينيين حقوقهم فإن هذا فى نظر الفكر والثوابت الصهيونية «سلام مقابر» لن يرضى به أى صهيوني.. هذه هى إسرائيل.. منذ «التأسيس» وحتى «الآن».. كيان خارج نطاق العقل والمنطق والإنسانية.. كيان تقوده حركته الذاتية إلى طريق واحد.. طريق الفناء.
من خرج فى طلب العلم كان فى سبيل الله حتى يرجع.. صدق حبيبنا محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.. اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم فى العالمين انك حميد مجيد..اللهم بارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم فى العالمين انك حميد مجيد.. وصلى الله على سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
فلسطين.. أرض الأقصى.. أرض المحشر.. أرض المسرى.. مسرى حبيبنا وسيدنا محمد رسول الرحمة والإنسانية.. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.