تمتلك الدراما المصرية إرثا فنيا عريقا بدأ مع بداية مرحلة الستينات وبداية أنطلاق بث التليفزيون المصرى، وبداية البحث عن الفن من خلال الجهاز الجديد، الذى أشعل بجاذبيته «كجهاز للصورة وليس الصوت فقط» أحلام صناع الفن الاذاعى والمسرحى والسينمائى وقتها للتوجه الى تقديم. فن جديد هو الدراما التليفزيونية، إضافة الى جيل جديد احب الفن ودرسه ووجد فى الدراما هدفه لتقديم فن قريب من الواقع ومتغيراته فى سنوات الثورة والحراك السياسى والاجتماعى وصولا للصدمة الكبري،النكسة، وما بعدها من مقاومة وصمود وتحدى وصولا للانتصار فى اكتوبر 1973، وما بعده من سنوات التغيير فى السبعينات لتستمر الدراما التليفزيونية متابعة لأحداث الوطن، ومعبرة عن الكثير من تطوراته سياسيا واجتماعيا بفضل اجيال من المبدعين فى الكتابة والإخراج والتمثيل وكل فنون العمل الدرامى الذى تنوع فى المراحل الاولى لهذا الفن بشكل مدهش ليقدم كل القصص والحكايات وفقا لحجمها الدرامى،ونوعها،فرأينا على شاشاتنا التمثيليات القصيرة «نصف ساعة»، والطويلة «تمثيلية السهرة فى ساعتين»، والمسلسلات القصيرة «سبع حلقات» والطويلة «خمس عشرة حلقة» قبل ان نعرف مسلسلات الشهر،اى الثلاثين حلقة كاملة، إضافة الى الافلام التليفزيونية القصيرة،والطويلة، وكل هذه القوالب الدرامية كانت تعبر تماما عن المحتوى الذى قدمته،وعن القصص التى قدمت عن روايات وقصص لكبار الأدباء امثال نجيب محفوظ ويحيى حقى وإحسان عبدالقدوس وغيرهم، والآن بعد اكثر من ستة عقود على بداية الدراما المصرية، من المهم ان نتذكر العوامل التى ساعدت على انتشارها وتألقها، وايضا تأثيرها الثقافى والاجتماعى العميق منذ العقد الأول، وحيث كانت للأعمال الدرامية اهميتها،مهما كان المستوى العام قويا، أو ضعيفا «حين تداخلت أمور صناعة الدراما بين جهات الإنتاج التليفزيونى وبين الإنتاج الخاص من خلال المنتج المنفذ».
قدمت الدراما من خلال انتاج التليفزيون أفضل الاعمال عن بطولات المصريين فى الدفاع عن بلدهم من خلال نوعين من الدراما، دراما الجاسوسية مثل «رأفت الهجان»، و«دموع فى عيون وقحة» فى ثمانينات القرن الماضى وصولا الى «حرب الجواسيس» و«هجمة مرتدة»، وقدمت ايضا افلام لا تنسى مثل «الطريق الى ايلات» عام 1993 و«أرض الكرامة» عام 2004 وهى أعمال خالدة لا يمل المشاهد من استعادتها.
عن مصر الريف والصعيد والمدينة، وعن المصريين فى كل طبقاتهم وعن السلوك الاجتماعى المتفاوت بين الطبقات والبشر قدمت الدراما التليفزيونية مئات المسلسلات من خلال أجيال من المبدعين فى الكتابة مثل اسامة انور عكاشة ومحفوظ عبدالرحمن ومحمد جلال عبدالقوى وكوثر هيكل ومحمد صفاء عامر ومحمد السيد عيد ومجدى صابر وكثيرين غيرهم، ومخرجون مثل يوسف مرزوق وابراهيم الصحن ويحيى العلمى ومحمد فاضل وإسماعيل عبدالحافظ وإنعام محمد على وجمال عبدالحميد وغيرهم ولن ننسى مسلسلاتهم الرائعة مثل «عيلة الدوغرى» و«ليالى الحلمية» و«الراية البيضا» و«أبوالعلا البشرى» و«أرابيسك» و«المال والبنون» وغيرها، وأيضاً قدمت الدراما أعمالاً مهمة فى مسيرة المجتمع المصرى نحو التنمية بأعمال تتعرض لما يستجد فى الواقع أولا بأول بنظرة نقدية مثل مسلسلات «القاهرة والناس» «حكايات هو وهى» و«أبنائى الأعزاء شكراً و«ما زال النيل يجرى» و«حلم الجنوبى» و«الشوارع الخلفية» وغيرها. اضافة لدراما الأسرة التى تنوعت بين الاسرة بمختلف طبقاتها مثل «زيزينيا» و«ضمير أبلة حكمت»، و«لن أعيش فى جلباب أبى» والتى نجحت فى التعبير عن الاختلافات الكبيرة التى استجدت على الحياة المصرية فى القيم والعادات والتقاليد وشاركت فى توثيق السلوك والحراك الاجتماعى للمصريين على مدى يتجاوز نصف قرن،وفى نفس الزمن،قدمت الدراما اعمالاً شديدة الاهمية فى توثيق الاحداث التاريخية الهامة لمصر مثل مسلسل «بوابة الحلوانى» عن قصة انشاء قناة السويس وحفرها بايدى ابناء المصريين ،ومسلسل «جمهورية زفتى» عن تجربة فريدة للمصريين للاستقلال عن الاحتلال،ومسلسل «نابليون والمحروسة» عن فترة احتلال جيش نابليون لمصر وكيف واجهها المصريون.
من الأيام.. إلى أم كلثوم
لا ينسى احدنا احمد ذكى حين قدم دور العظيم «طه حسين» فى مسلسل «الأيام» المأخوذ عن كتاب له عن حياته وطفولته اخرجه يحيى العلمى ليقدم فيه رسالة لكل إنسان بان النجاح والتفوق سلاحهما الاجتهاد والجهد الكبير لتغيير الحياة للأفضل،و هو ما اكده مسلسل آخر بعد عشرين عاما «1999» عن حياة أم كلثوم كما كتبها محفوظ عبد الرحمن وأخرجتها انعام محمد علي، الاجتهاد وأقصى الجهد، ومسلسل ثالث عن عالم كبير من علماء مصر هو الدكتور مصطفى مشرفة قدم فيه الكاتب. محمد السيد عيد صورة بديعة لحياة هذا العالم الذى تفوق مبكرا فى دراسته للعلوم وتعب كثيرا حتى يحصل على حقه فى إكمال دراسته والوصول الى هدفه.
متغيرات حديثة للدراما
فى العقد الاخير،قدمت الدراما المصرية أعمال هامة، وطنية واجتماعية عززت الواعى والاهتمام بقضايا الوطن وقضايا الواقع أيضا مثل «بنت اسمها ذات» و«تحت السيطرة» و«هذا المساء» و«سجن النسا» ومثل «العائدون» و«بطلوع الروح» و«فاتن امل حربى»، ومثل ثلاثية «الاختيار» ومسلسل «الحشاشين» ليبدو تطور الدراما واضحا ومهما مع استعادة للمسلسلات القصيرة «15 حلقة وأقل» من خلال أعمال درامية تعبر غالبا عن قصص فردية لازمات إنسانية فى علاقة الفرد بأسرته وكل محيطه مثل سلسلة بعنوان «إلا أنا» وصولا لهذا الموسم الدرامى الذى اوشك على الانتهاء والذى ضم عددا من الأعمال المعبرة عن فكر جديد فى رؤية الحياة بما فيها من قضايا تستحق التوقف عندها من خلال أعمال مثل «ولاد الشمس» و«قلبى ومفتاحه» و«اخواتى» و«النص» و«80 باكو»، و«اشغال شاقة جدا» وبعدها جاء الجزء الثانى لنرى خلاله اعمال مثل «لام شمسية» و«حسبة عمرى» و«قهوة المحطة» و«ظلم المصطبة» و«منتهى الصلاحية» وهى اعمال تتفاوت بين التوقف عند آلام الماضى وأحكامه الظالمة تجاه المرأة والحياة العائلية وبين افكار اليوم للبحث عن الذات حتى من خلال طرق مرفوضة، ودور التكنولوچيا فى الحياة وكيف تحول الموبايل الى جزء رئيسى فى دعم الحياة او إفسادها.