الأنظار السودانية كلها معلقة على القاهرة، تنتظر ما يمكن أن يسفر عنه المؤتمر الذى سينعقد نهاية هذا الشهر ويأملون أن يكون بداية الانفراجة وإسكات أصوات البنادق وعودة الهدوء.
رهان السودانيين على مصر له أسباب عديدة، أهمها الثقة فى نواياها وأنها لا تبحث عن تحقيق مصالح ولا تنحاز إلا لاستقرار السودان وحماية أهله من شبح الفوضى والدمار، وثانيها أن القاهرة تصر أن يكون الحل للأزمة سودانياً، لا تتدخل وإنما فقط تهيئ المناخ للأطراف السودانية من أجل الحوار والنقاش والبحث عن حلول تقرب وجهات النظر.
والثالث العلاقة التاريخية الممتدة بين مصر والسودان، شعبياً وقيادياً وثقافياً، كما لم تغلق مصر أبوابها أمام أى سودانى بل كانت ومازالت تمثل لهم الملاذ الآمن.
مؤتمر القاهرة بالنسبة للسودانيين يمثل أمل الإنقاذ من حالة ترد غير مسبوقة وصلت إليها البلاد بسبب الحرب المدمرة.
يقول الدكتور صديق تاورعضو المجلس السيادى السودانى الأسبق والقيادى بحزب البعث العربى الاشتراكى ان الدور المصرى لإنهاء النزاع والصراع العسكرى السودانى مهم للغاية ولايمكن ابدا الاستغناء عنه وهو مطلوب لعدة اعتبارات اهمها العلاقات المصرية السودانية الازلية والتى اصبحت علاقات متشابكة فى كافة المصالح والمجالات فما يصيب السودان حتما يصيب مصر وما يصيب مصر او يهدد مصر هو تهديد لدولة السودان وهو ما نلمسه من الاعداد الكبيرة جدا التى جاءت الى مصر الشقيقة الكبرى ويؤكد أن مصر هى الملاذ الآمن لنا جميعا كسودانيين. ورغم ان مصر تقبلت هذه الجموع الغفيرة التى جاءت اليها بكل ترحاب وسعة صدر الا ان هذا الجانب يشكل ضغطا وعبئا مضافا على المصريين اقتصاديا واجتماعيا بشكل عام.
يضيف تاور أن مصلحة مصر والمصريين انهاء هذه الازمة فى اقرب وقت ممكن والاعتبار الثانى ان استمرار الحرب فى السودان يفتح احتمالات وتعقيدات اضافية تعقد المشهد فى السودان مثل الارهاب والجريمة العابرة للحدود وتهريب السلاح وغيرها ويخرب الاقتصاد ويزيد الهجرة غير الشرعية وتجارة السلاح وغيرها خاصة مع اتساع الرقعة الجغرافية للسودان ومخاوف من انهيار الدولة فى ظل ظهور جماعات مسلحة خارج نطاق الدولة يمكن ان تكون هى نفسها خارج السيطرة مع استمرار الحرب وهذا يعتبر تهديدا امنيا لاستقرار الاقليم كله ودول الجوار والقيادة المصرية تدرك هذا الخطر على السودان والمنطقة بالكامل وأن عدم استقرار الاوضاع الامنية والسياسية بشكل طبيعى فى السودان يعنى تهديدا ليس لمصر وحدها ولكن لكل المنطقة، باعتبار ان مصر هى المركز الوحيد المتماسك فى المنطقة والتى اعتدنا ان كل الصدمات التى تحدث فى المحيط المجاور لها تستطيع مصر امتصاصها مثلما حدث فى اليمن وسوريا وليبيا وجنوب السودان والعراق لذلك ازدياد الضغوط على مصر هو امر مزعج ومربك لنا جميعاً، وعلينا أن ندعم الجهود المصرية لتحقيق المصالحة السودانية.
قال د. صديق تاور ان مؤتمر السلام الذى سينعقد فى القاهرة الشهر الجارى والذى تنظم له مصر الآن بدعوة كل الاطراف فى السودان للجلوس على مائدة الحوار تستطيع مصر من خلاله ان تحقق وقفا لاطلاق النار الكثيف المدمر بين الطرفين والذى وصل لكل مكان فى السودان ، ولاننا نعلم ان موقف مصر النزيه والمحايد وانه لا يعنى القاهرة سوى تحقيق الامن والاستقرار للسودان وليس لها اى اطماع او اهداف من هذه الحرب سوى مصلحة الشعب السودانى فحتما سيكتب لها النجاح.
ولفت تاور إلى ضرورة استبعاد كل التيارات التى تدعو على الملأ لاستمرار الحرب وتقف ضد ايقاف ضرب النار لانها تحقق اهدافها الخاصة من هذه الحرب وهى تيارات معروفة وتسعى لتحقيق مصالح خاصة بها حتى يغيروا افكارهم ويراجعوا مواقفهم الداعمة للحرب خاصة لأن هؤلاء هم من ساهموا فى افشال كل المبادرات السابقة.
وقال ان مصر من خلال اعلانها عن المؤتمر فى الاساس أكدت انها لن تتدخل لفرض حل من الخارج بل تريد ان يكون الحل «سودانى سوداني» حتى يتقبله الجميع وان دورها فقط التنسيق والتنظيم للمؤتمر وان التدخل لازالة الخلافات فقط وهو ما أعطى الجميع أملا كبيرا فى نجاح المؤتمر بالعكس من مبادرات اخري.
يقول محمد عبد الله الدومة نائب رئيس حزب الامة السودانى ومدير مكتب الحزب فى القاهرة ان المبادرة المصرية والتى أعلنت عنها الخارجية المصرية بجمع كل الاطراف السودانية فى القاهرة ليست الاولى بل ان الرئيس عبدالفتاح السيسى قاد بنفسه مؤتمر دول الجوار السودانى يوليو الماضى لإيجاد حل للقضية السودانية وحضره رؤساء دول الجوار السودانى وبذلت مصر وقتها جهودا كبيرة لايجاد مخرج لهذا الازمة المتفاقمة والمؤتمر المنتظر عقده خلال الشهر الجارى هو استكمال لمبادرة الرئيس السيسى وهو ما يعكس الموقف المصرى تجاه دولة السودان ورغبة مصر الصادقة لانهاء هذه الازمة بدون ان يكون لها مصالح شخصية من هذا المؤتمر بتغليب طرف على آخر.
قال ان حزب الأمة هو جزء من القوى السياسية المدنية الساعية لإنهاء هذا الصراع ولتحقيق الأمن والاستقرار بالسودان ويقوم بدور مهم وهو توعية المواطنين والشباب لعدم الانضمام لاى من القوى المتصارعة وان يقف الجميع على الحياد وتشكيل رأى عام ضاغط على القوات المتصارعة بايقاف الحرب والعودة لمائدة الحوار وحل الخلافات بالطرق السلمية والحوار لا بالسلاح .
أشاد نائب رئيس حزب الامه بالدور المصرى المحايد والذى يسعى لايجاد حل للازمة بالتنسيق مع كل الاطراف ولديها قنوات اتصال وتقف على مسافة واحدة من الجميع رغم ان القوى السياسية فى السودان قوى ممزقه وغير موحدة فى قرارها السياسى فتجد انه داخل الحزب الواحد او التيار السياسى الوحد اراء مختلف تجد من يدعم الجيش الوطنى داخل نفس الحزب فى حين هناك اشخاص آخرون من نفس الحزب يدعمون الدعم السريع مما ترتب عليه ارتباك سياسى فى القوى المدنية ولذلك تسعى القوى المتصارعة لجذب تيارات سياسية واحزاب الى جانبها مما يعقد المشهد السياسى والامنى فى السودان والتى تحولت الآن الى تربة خصبة لحرب اهلية اضافة لظهور جماعات مسلحة وانفصالية تحارب الى جانب القوى المتصارعة مما وسع دائرة القتال وسقوط اعداد كبيرة من القتلى والمصابين مع عدم وجود خدمات صحية وتوافر المواد الاساسية .
لذلك تقع على مصر مسئولية كبيرة لانهاء هذا الخلاف بعد ان تخلى الجميع عن السودان وتتمسك مصر بمسئولياتها التاريخية تجاه السودان، ونأمل فى نجاح هذه المبادرة .
من جانبه يقول السفير صلاح حليمة مساعد وزير الخارجية الاسبق ونائب رئيس المجلس المصرى للشئون الافريقية ان المبادرة المصرية لانهاء النزاع السودانى يعول عليها السودانيون جميعا لايقاف نزيف الدماء السودانى والمستمر منذ عام، مضيفاً أن المؤتمر سيشمل كل القوى والاحزاب السياسية فى السودان والاطياف المختلفة وتحقيق شمولية المشاركة فى الحل للازمة لبدء المرحلة الانتقالية للمسار السياسى والمسار الامنى العسكرى المرتبط بوقف اطلاق النار واتخاذ الترتيبات الامنية فى هذا الصدد وكذلك فيما يتعلق بالتوافق فيما يتعلق بمعالجة الاوضاع الانسانية معالجة شاملة بمشاركة الامم المتحدة والمتعلقة بالمساعدات الانسانية والتوافق حول اعادة الاعمار .
قال حليمة ان المجتمع السودانى المشارك بكل طوائفه فى المؤتمر المصرى والذى سيعقد نهاية الشهر هو من سيحدد وسيصدر قرار وقف اطلاق النار واتخاذ الترتيبات الامنية اللازمة وسيمثل وسيلة الضغط الحقيقية على الاطراف المتصارعة فى السودان لذا فعلى كل الاطراف فى السودان الالتزام بما يقرره المؤتمر وهو قرار مجتمعى لانه مشكل من كل الاطياف والاحزاب وغيرها فى السودان وسيكون قرارها ملزم لانه يعكس ارادة شعبية.
أوضح ان هناك تنسيقا مع مبادرة جدة باعتبار انها المنبر الوحيد الذى لا يزال يعمل بالتنسيق مع الاطراف السودانية فى حين توقفت المبادرات الاخرى لانها اقتصرت على محاولة ايقاف مؤقت لضرب النار فى حين ان المبادرة المصرية تختلف عن المبادرات الاخرى وهناك شمولية فى كل الاطراف وشمولية فى الحل، ولذلك يتم الربط مع منبر جدة وكذلك الربط مع مبادرة دول الجوار وهى المعنية اكثر بهذا الملف الذى يؤثر عليها وتهديداته التى تنعكس على دول الجوار بشكل اكبر من اى دولة اخرى بالتالى المبادرة المصرية مبادرة مجتمعية للسلام وتجاوز الازمة السودانية من خلال المجتمع السودانى بشمولية المجتمع وشمولية الحل.
وستقوم مجموعة الاتصال والتى تتكون من الدول المهتمة بالشأن السودانى ولها دورفى انهاء الازمة وسيكون دورها فى المبادرة المصرية متابعة مخرجات الحوار ووضع الآلية للتنفيذ ولن يتدخل احد فى الحوار من خارج السودان والتدخل سيكون فقط لتذليل العقبات وتنفيذ المخرجات والتى سيصل لها المجتمع السودانى بشكل واضح من خلال المخرجات للحوار.
منظمات الإغاثة الدولية تحذر العالم:
أخطر مجاعة فى العالم تنتظر بلاد سلة الغذاء
منذ اندلاع الصراع فى السودان فى ابريل عام 2023 بعد ان فشلت العملية السياسية والحوار الوطنى السودانى و تعرض الشعب السودانى فى كل المناطق من الدولة الى كارثة انسانية حقيقية خاصة وأن الدولة تعانى فى الاساس من مشاكل اقتصادية وعدم القدرة على توفيرالخدمات لذلك كانت الكوارث الانسانية شديدة للغاية على الشعب السودانى طبقا لتقارير الامم المتحدة والجهات المعنية خاصة وان القتال بين الطرفين الجيش وميلشيا الدعم السريع، موجود فى الاساس فى المدن الكبرى المكتظة بالسكان سواء الخرطوم العاصمة او باقى الولايات فى السودان ودائما ما تكون الخسائر بين المدنيين اكبر بكثير اضافة لعدم القدرة على توفير الخدمات الصحية والعلاج او الرعاية مما ترتب عليه هروب عدد كبير من ابناء السودان خارج منازلهم إما بالهروب على الحدود السودانية إلى دول الجوار فى مخيمات على الحدود او الى العيش فى مخيمات داخل السودان فقد وصل العدد حتى الآن الى 9 ملايين نازح سودانى داخل السودان وخارجها الى دول الجوار وطبقا لتقرير الامم المتحدة والتى تعتبر الازمة السودانية إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية فى الذاكرة الحديثة,فيمثل النازحون السودانيون 13 فى المائة من مجموع النازحين فى العالم أى أن واحدًا من كل الأوضاع فى السودان جعلت كل المنظمات والمؤسسات الدولية تحذر من المصير الصعب لهذا البلد.
بل ان الولايات المتحدة الأمريكية نفسها دعت العالم إلى الاستيقاظ بشأن الحرب السودانية محذرة من أن يواجه أخطر مجاعة فى العالم منذ 40 عاماً، وقالت ليندا توماس جرينفيلد سفيرة أمريكا فى الأمم المتحدة وصفت الوضع بأنه أكبر أزمة إنسانية على وجه الكوكب وأن المجاعة فى السودان يمكن أن تصبح أكثر فتكا وأن ما يزيد على 2.5 مليون شخص أو ما يوازى 15٪ من سكان دارفور وكردفان يمكن أن يموتوا بحلول نهاية سبتمبر.
ثمانية نازحين فى جميع أنحاء العالم هو فى السودان.
الأوضاع فى السودان جعلت كل المنظمات والمؤسسات الدولية تحذر من المصير الصعب لهذا البلد.
بل ان الولايات المتحدة الأمريكية نفسها دعت العالم إلى الاستيقاظ بشأن الحرب السودانية محذرة من أن يواجه أخطر مجاعة فى العالم منذ 40 عاماً، وقالت ليندا توماس جرينفيلد سفيرة أمريكا فى الأمم المتحدة وصفت الوضع بأنه أكبر أزمة إنسانية على وجه الكوكب وأن المجاعة فى السودان يمكن أن تصبح أكثر فتكا وأن ما يزيد على 2.5 مليون شخص أو ما يوازى 15٪ من سكان دارفور وكردفان يمكن أن يموتوا بحلول نهاية سبتمبر.
يوضح تقرير الامم المتحدة الوضع المأساوى الانسانى السودانى وانعدام الأمن الغذائى وأن 17.7 مليون مواطن أى أكثر من ثلث سكان البلاد يواجهون ما يفوق انعدام الامن الغذائى اى عدم توفير السلع الاساسية .
ومن بين هؤلاء هناك ١٨ مليون شخص على شفا المجاعة فى المناطق المتضررة من النزاع فى دارفور وكردفان والخرطوم والجزيرة وان ٣٫٦ مليون طفل يعانون من سوء التغذية الحاد ويمكن أن تواجه ولايتا الخرطوم والجزيرة، فضلًا عن دارفور الكبرى وكردفان الكبرى نتائج كارثية فى حالة زيادة شدة النزاع واستمرار ضرب النار بين الطرفين ، مما يؤدى إلى نزوح مستمر ويحد من إتاحة وصول المساعدات الإنسانية إلى السكان المحتاجين ، والمناطق التى تثير قلقًا بالغًا هى ولايتا شمال دارفور والخرطوم بما فى ذلك محليات فى أم درمان فضلًا عن مناطق فى دارفور الكبرى تستضيف النازحين فى معسكرات مكتظة بدون توفير الخدمات الاساسية للهاربين من جحيم الحرب الدائرة فى البلاد.
كما أفادت التقارير التابعة للمنظمة الدولية للهجرة أن النازحين قد نزحوا فى البداية من 12 ولاية ونزح حوالى 53 فى المائة من سكان هذه الولايات عبارة عن 3.6 مليون نازح من ولاية الخرطوم، تليها ولاية جنوب دارفور والجزيرة وشمال دارفور، ووسط دارفور وغرب دارفور، وولايات أخرى وفقًا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين .. منسقة الشئون الإنسانية فى السودان التابعة للأمم المتحدة رصدت زيادة عدد الفارين من الحرب، وطالبت المجتمع الدولى بالتدخل لانهاء الصراع، مؤكدة ان العنف الذى لا هوادة فيه يجب أن ينتهى فكل روح بريئة تزهق تقف بمثابة شهادة مروعة على الوحشية المطلقة.
واعلنت منظمة انقاذ الطفولة فى فبراير الماضى ان حوالى ٣٫٦ مليون طفل يعانون من سوء التغذية الحاد وعدم توفير الاحتياجات الاساسية وكذلك المضاعفات الطبية مثل الجفاف وانخفاض حرارة الجسم ونقص السكر فى الدم وامراض عديدة دون توفير الرعاية الصحية والعلاجية لهم من آثار الحرب الدائرة .
وقالت لجنة الامم المتحدة لحقوق الطفل ان حوالى 24 مليون طفل سودانى ربما يتعرضون لما سمته خطر كارثة جيلية بينهم 14 مليونا بحاجة ماسة للدعم الانسانى من غذاء وعلاج .
ووفقا لمنظمة الامم المتحدة للاغذية والزراعة «الفاو» حول الانتاج الزراعى فى السودان عقب اندلاع الصراع المسلح تراجع الانتاج بشكل كبير بنسبة 40 فى المائة عن متوسطه خلال السنوات الخمس الماضية بسبب تأثير الحرب وانعدام الامن للعمليات الزراعية فتضاعفت اسعار القمح ثلاث مرات مما يهدد بكارثة انسانية العام القادم اذا لم تتوقف الحرب .
والغريب أن السودان بكل ما يعانيه من وضع مأساوى يتعرض لحالة من التجاهل من المؤسسات الدولية فرغم أن مجلس الأمن هو المنظمة الدولية الأولى لحفظ السلم والأمن الدوليين لم يعط القضية السودانية أى اهتمام منذ بدايتها حتى الآن فقد استغرق المجلس عاما كاملا لاتخاذ القرار رقم 2742 لإيقاف الحرب وإسكات البنادق والعودة لمائدة الحوار ورغم ذلك لايزال القتال مستمراً فى جميع أنحاء البلاد، مع عدم وجود تدابير لحماية المدنيين من التعرض للأذى والقتل.