لو كنت من الحكومة لقررت وفورًا ومجانًا توصيل الغاز الطبيعي للمنازل وتحويل كل السيارات التي تسير في مصر إلى الغاز أو الطاقة الكهربائية وعدم الترخيص المروري لأي سيارة تسير بالبنزين أو السولار.
أقول ذلك بمناسبة اعلان الحكومة عن مبادرة لتحويل 1.5 مليون سيارة إلى الغاز الطبيعي بداية العام القادم، واجتماع رئيس الوزراء د. مصطفى مدبولي ووزراء المالية والبترول والشركات المتخصصة من أجل ذلك .
والسؤال: هل اقتراحي سيضيف عبئاً على الحكومة في ظل هذه الأزمة الاقتصادية، لو فعلت ذلك مجانًا؟ وهل سيعاني الأفراد إذا تحملوا التكلفة الأصلية فقط؟ وهل ستخسر الشركات إذا كسبت قليلاً بدلاً من المبالغة في الأسعار.
– الإجابة بالفم المليان: لن يخسر أي طرف، بل العكس هو الصحيح، الكل سيكسب.
تعالوا نسأل: كيف ستكسب الحكومة لو تحملت تكلفة توصيل الغاز للمنازل وتحويل السيارات إلى الغاز مثلا؟
– الإجابة بسيطة: تعالوا نسأل الحكومة: ما هي المبالغ التي تتحملها ميزانية الدولة في شراء غاز البوتاجاز من الخارج وبالعملة الصعبة؟ وكم تتحمل من الدعم لكل أنبوبة بوتاجاز، ومع ذلك لا تصل للمواطن بهذا السعر المدعم، لكن يستفيد السماسرة ببيع الأنبوبة بأكثر من سعرها للمواطن والمواطن يعانى والحكومة تتفرج ؟
– لا شك أن الإجابة ستكون بالفم المليان: الحكومة ستخرج كسبانة ولو بعد سنوات قليلة بعد دفع ثمن هذه التكلفة الآن من الموازنة العامة. ثم تتوقف عن دفع هذا الدعم مستقبلا
وبالنسبة للسيارات: كم تدفع الحكومة دعمًا للبنزين والسولار؟ وكم ستوفر إذا تحولت هذه السيارات إلى الغاز؟
وبدون دخول في الأرقام ستخرج الحكومة كسبانة إذا تحملت هذه التكلفة الآن بالمقارنة بما تدفعه من دعم للبنزين والسولار الآن.
ويكفي أن أقول، وطبقًا لبيان الجهاز المركزي للإحصاء، لدينا نحو 10 ملايين مركبة مرخصة نهاية 2023، وبحسبة بسيطة وبأسعار الشهور الماضية، وقابلة طبعًا للارتفاع، تدعم الحكومة السولار والبوتاجاز يوميًا بـنحو 750 مليون جنيه، أقول يوميًا!!
تخيلوا لو تم ضخ هذه المبالغ لمدة عام أو في ميزانية تحويل المنازل والسيارات إلى الغاز الطبيعي، ألا تكون الحكومة هي الكسبانة بتوفير نحو 300 مليار جنيه سنويًا؟
وتعالوا إلى الآثار البيئية: من التلوث وما تسببه الانبعاثات الكربونية بمقدار 1.5 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون من أضرار صحية، وما تنفقه الدولة من تحسين معدلات تلوث الهواء ، بالإضافة إلى الإنفاق على الصحة لعلاج آثار الأمراض الناشئة عن التلوث.
يعنى تدفع الدولة والمواطن ثمن هذا التدهور الصحي، ومن آثار البيئة الضارة بانخفاض الإنتاج والناتج القومي.. يعني تكون الإجابة بعد ذلك: الحكومة كسبانة وبكل الأشكال.
المواطن.. تعالوا إلى المواطن الذي يدفع في «تموين» سيارته الخاصة، مثلاً 500 جنيه للبنزين أو السولار، فإذا تحولت إلى الغاز سيدفع أقل من النص، فمن هنا الرابح، بالإضافة طبعاً إلى الميزات الأخرى من الحفاظ على كفاءة الموتور وتقليل الزيت… الخ… فمن هنا الفائز؟
وتعالوا إلى من يستخدم أنبوبة البوتاجاز، لو واحدة في الشهر سيدفع فيها أكثر من 200 جنيه في حال ما كان سعرها الرسمي 150 جنيهاً، فإذا استخدم الغاز الطبيعي لن يدفع أكثر من 100 جنيه، بالإضافة لمزايا أخرى مثل توافر الغاز بشكل دائم وبعيداً عن استغلال باعة الأنابيب، فضلاً عن الأمان الذي يوفره الغاز الطبيعي بالمقارنة بتسريب وانفجار الأنابيب… فمن هنا الفائز؟!
الشركات «الناصحة»
وأخيراً تعالوا إلى الشركات التي تقوم بهذه الأعمال… في البداية هناك قاعدة معروفة: «اكسب قليلا، تبع كثيرا، تكسب كثيراً…» اكسب كثيراً، تبع قليلا، تخسر كثيرا»، وللأسف لا تطبقها الشركات هنا…
مثلاً تصر الشركات على توصيل الغاز للوحدات الموجودة في منطقة سبق التوصيل فيها بأسعار فلكية رغم أن المنطق يقول العكس، فهناك بنية تحتية تم الانتهاء منها وسواء تم إضافة مشتركين جدد للاستفادة منها أو لم يحدث، فالتكلفة قد سددت بالفعل، وبذلك يكون المنطق: «استفد بأي مكسب ولو قليل» ، وحتى لو لم يكن هناك مكسب فسوف يتم تشغيل عمالة تتقاضى مرتبات سواء عملت أم لا، فضلاً أن إضافة مشتركين جدد سيزيد من التحصيل الشهري وما به من مزايا…
والأمر كذلك للشركات التي تقوم بتحويل السيارات للغاز فسوف تستفيد من زيادة الطلبات عليها لنفس الأسباب السابقة.
يعني الخلاصة أن كل أطراف المعادلة سيكونوا رابحين، الحكومة والمواطن والشركات، وهنا يكون السؤال: لماذا لا يتكاتف الجميع حتى تكسب مصر بعيداً عن «نصاحة» كل طرف بأن يكون هو الكسبان الوحيد!!