إذا لم يدرك العرب طبيعة الوضع الذى هم فيه من الانقسام والاختلاف فى الرؤى والسياسة الخارجية، فلن تكون لهم قائمة ولن يكون لهم وجود فى المستقبل خلال عقود قادمة، وليقرأوا التاريخ ويستوعبوا الدرس ليكون لهم عبرة.
بداية من المؤتمر الصهيونى الأول، وهو المؤتمر الافتتاحى للمنظمة الصهيونية الذى عقد بزعامة تيودور هرتزل فى مدينة بازل بسويسرا يوم 29 أغسطس 1897، بعد أن شعر هرتزل بالإحباط بسبب عدم حماس أغنياء اليهود بالمساعدة فى تمويل مشروعه، بالعمل على إقامة وطن قومى لليهود ويكون إما فى فلسطين، أو الأرجنتين، أو أوغندا.. وكانت أخطر وثيقة استعمارية «وثيقة هنرى كامبل بنرمان 1907»، وتتحدث عن دول لا تقع ضمن الحضارة الغربية، ويوجد تصادم حضارى معها، وتشكل تهديداً لتفوقهم، واستمرار قوتهم الاستعمارية، وقدرتهم الكاملة على السيطرة على العالم، وهى بالتحديد الدول العربية بشكل خاص والإسلامية بشكل عام. الواجب تجاه هذه الدول لتحقيق ذلك التفوق واستمرارية تلك السيطرة، دعا المؤتمر إلى إقامة دولة يهودية فى فلسطين، تكون بمثابة حاجز بشرى قوى وغريب ومعاد، يفصل الجزء الإفريقى من هذه المنطقة عن القسم الآسيوي، الذى يحول دون تحقيق وحدة هذه الشعوب، وهو إقامة دولة إسرائيل، واعتبار قناة السويس ممراً مائياً يسمح بالتدخل الأجنبي، مع وجود قوات الاحتلال البريطانية فى مدن القناة.. وهذا يفسر ويؤكد أن العدوان الثلاثى وحرب 1956، دليل قاطع على انعدام النية تماماً لإعادة قناة السويس بعد انتهاء فترة الامتياز الأولى فى عام 1969، وأداة معادية لسكان المنطقة، ثم تحقق ذلك فى إعلان قيام دولة إسرائيل، الذى تلاه ديفيد بن جوريون الرئيس التنفيذى للمنظمة الصهيونية العالمية ومدير الوكالة اليهودية، فى 14 مايو 1948 متزامناً مع انتهاء الانتداب البريطانى على فلسطين، الذى نص على قيام دولة يهودية فى فلسطين «أرض إسرائيل» بحسب الإعلان، وما تلاه من عدوان 1956 و1967، وضم الضفة الغربية وضم مرتفعات الجولان، واحتلالها اليوم بالكامل وحتى جبل الشيخ، والاعتداءات الوحشية الإجرامية الإسرائيلية المتكررة على غزة والضفة، واحتلال جنوب لبنان.. وما نراه الآن من مواقف وتصريحات للرئيس الأمريكى دونالد ترامب بالإصرار على تهجير الفلسطينيين إلى سيناء وإلى الأردن، والإصرار على تفريغ أرض فلسطين التاريخية المحتلة المغتصبة المسروقة من الفلسطينيين، لإقامة الدولة الصهيونية اليهودية.. وبعد كل أحداث العدوان الغاشم الهمجى المستمر على غزة من 18 شهراً، ودخول لبنان وسوريا، وبعدهما فى خطوة قادمة الأردن، ضمن المخطط المرسوم.. والآن بعد 77 سنة وليست الـ 18 شهراً الأخيرة فقط، ليس من الحكمة ولا المصلحة ولا العقل أن ندفن رءوسنا فى الرمال فالواضح والمؤكد الآن بأمانة وصدق أنه سواء بـ 7 أكتوبر أو دونه، لم يكن الأمر ليتغير ولم يكن للمؤامرة أن تتوقف أو تنتهي، وكان الكيان الصهيونى وحلفاؤه من الأمريكان سيجدون ألف مبرر وحجج سخيفة، للاستمرار فى طريق التوسع والتمدد، وتنفيذ إقامة دولة إسرائيل الكبرى والشرق الأوسط الجديد.