ليس هناك أسهل من الهدم، ما تحتاج سنوات کی تبنيه، لا يستغرق سوى دقائق لتدميره، ولهذا فقد ينجح من يبحث عن الخراب، خاصة إذا كان مأجورًا ولديه مخطط يصر على تنفيذه، ولا يجد من يتصدى له، أما من يسعى للبناء فمطلوب منه دائما أن يتعب ويصبر لأن البناء صعب وتكلفته غالية والثمار تحتاج إلى وقت، وعندما يكون البناء لدولة كانت شبه منهارة، فإن التعب أكبر والتحمل أكثر، والصبر يجب أن يكون أطول، وما حدث في مصر طوال السنوات العشر الماضية يترجم بوضوح معنى البناء والمشقة التي يفرضها ولهذا يجب أن نتوقف أمام الحقائق التي أعلنها الرئيس السيسى خلال زيارته للأكاديمية العسكرية، ورغم كثرة ما قيل تفسيرًا وتحليلًا لكلمات الرئيس لكني أعتقد أن الرئيس كان يريد أن تصل لكل المصريين، وتحديدًا الشباب، رسالة واحدة وواضحة وهي أن بناء الدول صعب، ويحتاج إلى وقت وصبر وتحمل وإرادة وإصرار، وما حدث فى مصر هو إعادة بناء كاملة وكبيرة لم يكن يصلح أن تجرى مرة واحدة ولا في يوم وليلة.
فالدولة خرجت من أحداث 2011 وما بعدها وحكم الجماعة الإرهابية فى حالة انهيار كاملة، الاحتياطي النقدى انتهى تماما فلم يكن لدى الدولة ما يؤمن احتياجاتها لشهر واحد، أو أيام معدودة، والبنية التحتية كانت مدمرة، والأمن غائبًا والأخطر أن الدولة كانت على شفا حرب أهلية كانت نذرها واضحة للعيان ولو اشتعلت لدمرت كل شيء.
هكذا كان الوضع بشكل صريح عندما تولى الرئيس السيسى المسئولية، أزمات في كل قطاع، ونقص كبير فى كل الخدمات التى يحتاجها المواطن، من كهرباء وصحة وسلع تموينية وبوتاجاز ووقود، وأمن، ولا يمكن أن ننسى الأحوال الكارثية التي ورثناها من عام الإخوان الكتيب، وكان الشعب يئن بسببها، ولذلك فمن الإنصاف أن نسأل أنفسنا الآن… ماذا لو استمر هذا الوضع السييء.. وماذا تحقق بعد عشر سنوات؟
والإجابة التي ستفرض نفسها أن مصر الآن ولدت من جديد واستعادت قواها، فعلى مدى عشر سنوات لم يتوقف الجهد والبناء، في كل مكان على أرض مصر، هناك تغيير حقيقى مشروعات للتعمير والتنمية، مدن جديدة ومصانع وجامعات وطرق، وكل هذا وسط حالة من الأمن والاستقرار الكامل الذي لم يتحقق بسهولة وإنما بتضحيات كبيرة دفعها أبناء الشعب من رجال الجيش والشرطة، في مواجهة الإرهاب والجماعات التكفيرية التي سارت على نفس الخط التخريبي مع الجماعة الإرهابية.
بعد عشر سنوات نحن نعيش الآن في دولة مكتملة القوة، قادرة على الانطلاق، تمتلك كل مقومات التطور، أزمات تم التعامل معها بحلول غير تقليدية حولت العجز الضخم إلى فائض كبير مثل الكهرباء، وملفات أنجزت كما لم يحدث في قرن كامل مثل المشروع القومى للطرق الذى لا يقف عند حدود الرصف ومد الجسور، وإنما توسيع العمران وزيادة المعمور وفتح شرايين تنمية وخلق مساحات للاستثمار، وملفات تكاد تكون أقرب إلى تأسيس دولة جديدة مثل الزراعة التي ستزيد بمساحة 4.5 مليون فدان إضافي، من أجل تحقيق أكبر قدر من توفير احتياجات المصريين.
على نفس الاتجاه يأتى ملف المدن الجديدة التي غيرت شكل مصر وأصبحت مصدر جذب جديدا واستثمارات ضخمة لصالح الدولة وشعبها وخروج من الوادى الضيق المختنق، ومعها الإسكان الاجتماعى والمناطق الحضرية التي غيرت حياة أكثر من 300 ألف أسرة كانوا يعيشون تحت خطر الموت في العشوائيات.
وليس هذا فحسب بل شهدت السنوات العشر أرقامًا تحدث في مصر لأول مرة فى تاريخ الدولة، ومنها الاحتياطى النقدى الذى اقترب من 48 مليار دولار، والبطالة التي انخفضت إلى 6.7 ، والصادرات التي سجلت أكثر من 45 مليار دولار، وفى مقدمتها الصادرات الزراعية التي تتصدر عالميًا، والسياحة التى وصلت إلى ما يقرب من 16 مليون سائح العام الأخير، والأهم مشروع العصر، حياة كريمة الذى ينقل التنمية لأول مرة إلى القرى والنجوع ويغير حياة ما يقرب من 60% من الشعب وبتكلفة تتجاوز التريليون جنيه، وحملة 100 مليون صحة التي فحصت أكثر من 65 مليون مواطن، ومبادرات صحية أخرى قضت على قوائم الانتظار وقضت على فيروس «سي» وتأمين صحي شامل ينطلق فى محافظة تلو الأخرى ليقدم رعاية صحية بمعايير عالمية، ومضاعفة عدد الجامعات لتزيد على الـ 100 جامعة، وتنمية غير مسبوقة في مشروعاتها وأرقامها تصل إلى الحدود في كل اتجاه من سيناء الغالية إلى أسوان وحلايب وشلاتين ومطروح.
كل هذا ما كان ليتحقق لو لم يكن هناك بناء حقيقى للدولة وأمن واستقرار تحقق من خلال تطوير شامل لقدرات القوات المسلحة من أجل امتلاكها قوة الردع الحديثة التى تمكنها من مواجهة كافة التحديات، فى عصر لا يعترف إلا بالقوة وكانت النتيجة أننا نمتلك الآن جيشًا قادرًا على فرض إرادة مصر وردع كل من يفكر في الاقتراب منها أو مصالحها الإستراتيجية أو مقدرات شعبها.
السؤال.. هل كان من الممكن أن تستمر الدولة لو لم يتحقق كل هذا.. ثم هل كل هذا تحقق دون تكلفة.. وهل لم يشعر أحد بطول البلاد وعرضها بالتغيير التنموى الحقيقى؟
والسؤال الأهم.. كيف كنا سنواجه الأزمات العالمية من أوبئة وحروب تحاصرنا ونيران مشتعلة من حولنا، لو لم نكن أنجزنا الإصلاح الاقتصادى وتحملنا تكلفته، هل كنا سنتحمل تبعات ما يحدث في المنطقة من حروب أدت إلى خسارتنا 7 مليارات دولار من دخل قناة السويس في 11 شهرا فقط، وزادت علينا أسعار السلع التي نستوردها وتضاعفت بسببها أسعار البترول وأثرت على كل سلاسل الإمداد.
وهل كان من الممكن أن تتحمل الدولة الزيادة السكانية التى تجاوزت 27 مليون نسمة في 13 عام فقط لو لم تكن قد حققت هذا التطوير.
بالمناسبة هذا الرقم السكانى الذي أضيف لمصر يمثل تقريبا عدد سكان خمس دول أوروبية.
لقد عانت الدولة كثيرًا وملفات حيوية عديدة كانت مهملة والتعامل معها مقصورًا على استخدام المسكنات لكن خلال السنوات العشر الأخيرة تم التعامل معها برؤية شاملة وحلول جادة وحقيقية تتعامل مع جوهر الأزمة.
خلال السنوات العشر الماضية وجدنا دولة صلبة، تتعرض لأزمات ضخمة وتحديات كثيرة لكنها تتجاوزها بنجاح، وكثير منها مر دون أن يشعر المواطن المصرى بالمعاناة التى تحملها مواطنو دول كبرى مثل أزمة كورونا، وكل هذا لأن البناء يتم على أسس صحيحة، وبإصلاحات جوهرية، لأننا أحسنا الاختيار لقيادة لا تلجأ الى بيع الوهم أو دغدغة المشاعر بحلو الكلام، وإنما تتعامل بإخلاص للبناء وإقامة دولة قوية قادرة على البقاء والتطور وحجز مكان لنفسها في هذا العالم.
الرئيس السيسى لم يخدعنا من البداية ولم يعد بما لن يفعل، بل كان واضحا صريحاً عندما قدم الحقيقة للجميع وقال إنه لا يملك إلا العمل، وقد عمل فعلا بكل ما يملك وبذل كل الجهد من أجل استعادة الدولة لقوتها وتأثيرها الإقليمي والدولي.
إن مراجعة ما حدث خلال السنوات العشر الماضية يؤكد لكل منصف أننا بالفعل أمام أحد البنائين العظام في تاريخ مصر، أنجز ما كان يحتاج إنجازه لعقود، وأقام ما يستحق أن نتباهى به، والأهم أنه في ظل إقليم مضطرب استطاع بحكمة أن يجنب مصر التورط في حروب أو صراعات تدفع ثمنها غاليا وتستنزف ما أنجزناه بعرق وجهد.
هذا ما يجب أن نفهمه جميعا وندركه، لأن البناء لا يكتمل إلا بالوعى الذى يحافظ عليه في ظل متربصين بهذه الدولة ولا يريدون لها أن تقوم أو تتقدم، ويقاتلون من أجل إيقاع الفتنة بين أبنائها ليدخلوا فى دوامة الصراع الأهلى الذي يدمر أكبر الدول.
لقد فشلت كل محاولات إسقاط مصر بالإرهاب وبالحصار الاقتصادى وبالحروب المباشرة، ويحاولون الآن تحقيق ذلك بالشائعات والأكاذيب لإحداث الفتنة الداخلية، مستغلين الظرف العالمى الصعب وغلاء الأسعار، الذي نتحمل تبعاته مثل دول كثيرة غيرنا.
ولهذا فالوعى الشعبى مطلوب بشدة لأنه الحامي الحقيقى للدولة الوعى بما يحدث حولنا وما يخطط لنا وما آلت إليه أحوال دول محيطة بنا لأن شعبها لم يمتلك الوعى الكافى واستسلم للخداع.
ربما يكون من حظنا كمصريين أننا تعرضنا مبكرا للمؤامرة وأدركنا خطرها ونتابع الآن على الهواء مباشرة ما يحدث فى دول شقيقة، ولذلك فإننا متمسكون بدولتنا وما تحقق من إنجازات، وإذا كان مفروضا علينا أن نتحمل أكثر فهذا دورنا كشعب محب لبلده ويدرك جيدا أننا ليس لنا بعد الله غير وطننا الذي يجب أن يظل قويا وثابتا رغم محاولات أعدائه ولن يكون هذا إلا بالشعب وتماسكه وقوة دعمه لبلده ورفضه للأكاذيب.
هذا فى رأيى ما أراد الرئيس أن يصل إلى المصريين فتحدث بصراحة وشفافية، وقدم حقائق يجب أن تظل أمام أعيننا طوال الوقت حتى نعرف أين كنا وكيف أصبحنا، وندرك أن ما تحقق من بناء ليس سهلا بل مبهر ويحظى بإشادات عالمية كثيرة وتجارب مصر في التنمية الشاملة تنقل الآن إلى دول مختلفة كي تستفيد منها وتستلهم الخبرة.
هذه الحقائق يجب أن تظل حاضرة أمامنا لأن المؤامرة لم تنته والمخطط متواصل ولن يفسده إلا الوعى الشعبي الذي حمى مصر عشر سنوات في ظل تحديات غير مسبوقة وقادر أن يحميها دائما.