ذات مساء.. بعد انتهاء ساعات عملى فى ديسك العدد الأسبوعي، كنت ذاهبا لمحل إقامة أسرتى بالإسكندرية، واضطررت لركوب الميكروباص، نظرا لانتهاء المواعيد المخصصة للقطارات من القاهرة، ورغم صعوبة ومشقة الرحلة إلا أننى ذهبت لموقف رمسيس واستقللت الميكروباص.
ما هى إلا دقائق معدودة حتى بدأت السيارة فى الامتلاء بالركاب وأمتعتهم.. فجأة ظهر شاب فى العشرينيات من العمر، يرتدى ملابس مهندمة وكأنه أحد طلاب الجامعات، ويحمل فوق ظهره شنطة صغيرة، بمجرد اقتراب الشاب من الميكروباص ظننته أحد المسافرين، إلا انه توقف أمام الباب وأخرج من جيبه شيئاً طبياً يشبه القلم.. واستعرضه للركاب قائلا «دا قلم سكر بتاع أمى ثمنه 210 جنيهات احاول جمعها، ومعى منها 100 جنيه» وأخذ يكرر تلك الجملة وزاد عليها أنتم على سفر فضلا من لا يستطع المساهمة «ادعى لأمى بالشفاء».
بمجرد ما انتهى من طلب الدعاء لأمه وبدأ الركاب العشرة يتسابقون فى المساهمة، أخرج أولهم 20 جنيهاً فقال الشاب آدى عشرين جنيهاً يبقى معى 120 وطلب من المتبرع أن يدعو لأمه بالشفاء.. وأخرج راكب من آخر الميكروباص 50 جنيهاً وصاح الشاب كدا معايا 170 جنيهاً من فضلك «ادعى لأمى بالشفاء».. ومنحه ثالث 20 جنيهاً ليكرر عد المبلغ الذى وصل 190 جنيهاً ثم أخرج رابع 10 جنيهات فكرر ما يقول وعندما منحه الخامس 20 جنيهاً توقف عن العد وأصبح فقط يردد آدى 20 جنيهاً، من فضلك «ادعى لأمى بالشفاء».. إلى أن تبرع له أغلب ركاب الميكروباص، ولم يترك الميكروباص إلا والسائق يتفقد عدد الركاب وينادى فاضل راكب واحد فقط. . عندها انصرف الشاب ومعه ما جمع من أموال، وذهب للميكروباص المجاور للسيارة التى استقلها تصاحبه الدعوات لأمه بالشفاء والمبلغ الذى فاق سعر قلم السكر الذى ادعى أنه يجمعه، واستكمل طريقه فى جمع باقى دستة الأقلام!
لعل البعض يقول إنه سائل وأن إجابته واجبة على كل مقتدر.. ولكن هل ندرك أننا بذلك نشجع هذا الشاب وأمثاله من أبناء جيله على فعل الأخطاء؟!.. بحسبة بسيطة فقد تجاوز ما حصل عليه هذا الشاب من نقود، 150 جنيهاً، خلال توقفه أمام الميكروباص الذى لم يتخط 10 دقائق، إذن هذا الشاب يحصل على قرابة 1000 جنيه خلال الساعة الواحدة، قطعا هى أموال سحت، وجمعها بتلك الطريقة يخالف الأديان والقيم الاجتماعية وكافة الأعراف، لكنه إذا (سأل الناس) فى اليوم الواحد حوالى 6 أو 7 ساعات فقط سيحصل على ما لا يستطيع غيره من الشباب تحصيله من خلال العمل الشريف طوال شهر كامل!
قطعا هو خاطئ فى نهجه.. لكن أين المجتمع وأين المسئولون؟ وهل لو توفرت المهن الحقيقية المجدية سنجد الكثير من أمثاله؟ كان الشاب مماثلا فى مظهره وأسلوبه لطلاب الجامعات أو أحد خريجيها وربما يكون ذلك صحيحا.. وإن صح ذلك فنحن أمام كارثة حقيقية.. فلجوء مثله لتلك الأفعال التى يعاقب عليها القانون ويرفضها المجتمع يستدعى وقفة مع النفس ومحاسبة ليس لأنفسنا ولكن لمسئولينا ممن تسببوا فى ذلك.. وجعلوا من أمثال الشاب المذكور سائلا للناس فى المواقف العشوائية ومستعطفهم بنقص الأدوية وغلاء أسعارها.. تحت وطأة فقره المزعوم وعوزه على خلاف الحقيقة.. لذا وجب الانتباه.