هل يمكن ان تتشابه الايام والأحداث لهذه الدرجة؟
وهل يمكن ان يحتمل الانسان كل هذا العناء والضيقات والعنف كل بضعة سنوات ؟
رأيت ظهر أول أمس -الثلاثاء- برنامج «عن قرب» الوثائقى الذى تقدمه قناة BBC العربية، والذى قدمت منه حلقات عديدة حول الصراع الاسرائيلى الفلسطينى فى غزة من كل الجوانب، بعض هذه الحلقات منصف، وبعضها غير هذا، غير اننا برغم هذا لابد ان نراه، فلا يوجد لدينا أرشيف عن حياة الفلسطينيين بعد النكبة والاحتلال مثله، وهنا تبدو أهميته حين توثق هذه الحلقة العدوان الاسرائيلى على قطاع غزة عام 2014، اى منذ ثمانى سنوات، وكأنه يحدث الان بلا «طوفان» ولا «حماس» ولا أى إدعاءات من اى نوع، يصحوا الناس من نومهم صباحا فى حى «الشجاعية» بغزة على اصوات ضرب وهدم وانفجارات، ويضطرون الى الخروج بسرعة من بيوتهم قبل ان تهدم عليهم، 18 يوما كاملة تعرضت غزة للقصف والتدمير بداية من هذا اليوم، وفى تلك الايام دمر 18 ألف بيت وسكن، وتم تهجير 500 ألف من أبنائها وبناتها وأطفالها، اى نصف مليون! وبالطبع كان كل ما سمعناه «إعلاميا» وقتها انها مشاكل بين الفلسطينيين وحكومة الاحتلال، لكن التفاصيل هى ما رواه احد الشباب للبرنامج الذى نفذته مجموعة عمل غير قليلة وأخرجه محمد الجبالي بعنوان «اسعاف»،وفيه تولى احد شباب الشجاعيةرواية ما حدث.
ولدت فى الانتفاضة الأولي
أسمى محمد، وعمرى 23 سنة، ولدت أثناء الانتفاضة الاولي، وكبرت مع الانتفاضة الثانية، الناس بتحكى عن أسباب الهجوم، لكنى رأيته بعيني، فقد كنت شغالة فى تصوير فيلم مع مجموعة حين قاموا بضربنا، واصبحت سيارات الإسعاف هى الملجأ الوحيد لنا، اتصلت بهم وطلبت ان انضم اليهم كمصور لأقدم للعالم ما يحدث عندنا، وهكذا تتحد كاميرا البرنامج مع كاميرا الشاب محمد لنرى صورة قريبة لما يحدث الان فى غزة، ولكن مع الفارق طبعا فى كم الأنقاض والبيوت المهدومة، وكم البشر القتلى بين الأمس واليوم، وحيث ركز الفيلم على المسعفين يجرون فى الشوارع، والحارات والمناطق السكنية وأصوات عربات الإسعاف تملأ كل مكان ردا على اصوات أسلحة الاحتلال، التى بدأت العدوان فى قصف عشوائى لكل شيء، طال حتى السيارات الخاصة التى رفض اصحابها ركوبها للهروب، وفضلوا سيارات الإسعاف التى امتلأت بالأسر الباحثة عن مكان آمن، وهكذا يمضى بنا هذا البرنامج مقدما الدليل على ان ما فعلته أدارة «نتن ياهو» بالمدنيين فى غزة منذ اكتوبر الماضى لم يكن دفاعا عن النفس، وانما خطة قديمة مستمرة لتهجير سكانها-اصحاب الارض- وإخراجهم منها كما حدث هنا عام 2014، وبعدها عام 2016 وقبلها أعوام 2002، 2008 – 2009، و2012، و2021 وآخرها الحرب الدائرة الان، أنه برنامج كالفيلم ،يحفظ كل ما حدث للتاريخ والعلم والذاكرة ،ويفضح كل أدعاءات مجرمى الحرب فى اسرائيل، والداعمين لهم فى أمريكا التى يدعو رئيسها بايدن الان الى هدنة ٦اسابيع ! بالطبع لإراحة اسرائيل ودعمها بدلا من ان يدعو لوقف الحرب وهو يرى كل هؤلاء الضحايا يوميا، ولعل هذا التوثيق المهم، والذى اعتقد انه يوجد غيره من الوثائق الاعلامية لدى البى بى سي، ولدى غيرها من القنوات الإخبارية الدولية يفضح كل ما تروج له دولة العدوان وداعميها، اما عن العدوان الأشد الان، فإن لدينا ما قدمته قناة القاهرة الإخبارية الجديدة منذ اللحظة الاولى يوم 70 أكتوبر وحتى الان، حتى لا ننسي.