لماذا أشعر بالحزن والأسى طوال الشهور الماضية؟ سؤال يدور فى ذهنى نهاراً وليلاً.. أشعر بالحزن والأسى عند مشاهدة التليفزيون وقراءة الصحف وأرى الإبادة الجماعية للشعب الفلسطينى فى غزة والضفة الغربية.. ما هذا الذى يحدث يومياً من قصف جوى ومدفعى على منازل الفلسطينيين واستشهاد أطفال وكبار ورجال ونساء وإصابة المئات كل يوم وهدم المبانى والمستشفيات والطرق والمدارس والمصالح الحكومية والبنية التحتية.
أشعر بالحزن والأسى لعدم وجود توازن بين تسليح الجيش الإسرائيلى وتسليح المقاومة واستهداف الفلسطينيين يومياً بمئات الصواريخ والذخائر وقنابل الطائرات مع استهداف العدوان الإسرائيلى بواسطة الفلسطينيين بأعداد بسيطة من المقذوفات المضادة للأفراد والمدرعات واستخدام عدد »٢« هاون أو ثلاثة ومن عيار صغير 60مم لإطلاق عشر قنابل هاون يومياً.
ويرجع ذلك إلى عدم وجود إمداد مستمر لأفراد المقاومة بالذخائر والصواريخ مع استمرار الإمداد الجوى والبحرى الأمريكى للقوات الإسرائيلية من الصواريخ والذخائر.. أشعر بالحزن والأسى عند رؤية أطفال دون السادسة من عمرهم يخرجون من تحت أنقاض منازلهم التى تم هدمها بالقنابل والصواريخ الإسرائيلية وبعد فقد والدهم ووالدتهم وأصبحوا مشردين فى الحياة دون عائل وكل وجوههم يأس وحزن من الحاضر والمستقبل.. أشعر بالحزن والأسى لاتفاق كل المسئولين بالولايات المتحدة فى الحكومة أو الكونجرس أو مجلس الشيوخ على حتمية استمرار إسرائيل فى حربها ضد غزة حتى النهاية.. ومنع أى تهديد مستقبلى ضد إسرائيل وهو الهدف الأهم لإسرائيل.
أوضحت الأيام السابقة توافقا بين آراء وتصريحات بايدن وبلينكن وترامب وحتى »تشاك شومر« زعيم الأغلبية الديمقراطية فى الكونجرس الأمريكى اليهودى الأصل والذى أوضح فيه عتابه على سياسة نتنياهو ولكن بالرغم من ذلك فإن رأيه هو حتمية هزيمة المقاومة وأهمية عدم تواجد أى صور للمقاومة الفلسطينية داخل الضفة وغزة.
أشعر بالحزن والأسى عندما أشاهد تحرك إسرائيل نحو تحقيق هدفها الأول والأهم وهو أن تكون البلد الأقوى فى المنطقة سياسياً وعسكرياً وأن هدفها أن تحل محل الولايات المتحدة فى قيادة المنطقة وأن تكون هى صاحبة الرأى الأول والأخير وأن الخلافات الواضحة على السطح بين إسرائيل والولايات المتحدة لا تتعارض مع حتمية إبادة وهزيمة حركات المقاومة وأن الولايات المتحدة تعطى الضوء الأخضر لإسرائيل لأن تكون لها الكلمة العليا فى المنطقة وبصورة تدريجية.
أشعر بالحزن والأسى عندما اسمع وزيرى خارجية إسبانيا وبلجيكا يصران على حتمية الاعتراف بدولة فلسطين كدولة مستقلة بجوار دولة إسرائيل تضم كل الفلسطينيين وفى نفس الوقت يسير طريق التطبيع مع إسرائيل بصورة محزنة دون النظر للمجازر والإبادة الجماعية التى تقوم بها إسرائيل ضد الشعوب العربية فى فلسطين وسوريا ولبنان والعراق واليمن.
أشعر بالحزن والأسى عندما أرى مئات من الشباب الفلسطينيين القادرين على حمل السلاح ومواجهة العدو الإسرائيلى داخل أرض فلسطين بقطاع غزة، أراهم متواجدين داخل المستشفيات وفى الساحات حول المستشفيات ثم تقوم القوات الإسرائيلية بمهاجمة ومحاصرة المستشفيات واستشهاد مئات من الشباب الفلسطينيين وأسر أكثر من 800 شاب فلسطينى من المناطق حول مستشفى الشفاء فقط.
أشعر بالحزن والأسى عندما أقرأ آراء بعض الصحفيين يصفون هجوم السابع من أكتوبر 2023 بالمؤامرة بين حماس وإسرائيل، فهل يعقل أن تضحى إسرائيل بقتل مئات الجنود والمدنيين الإسرائيليين فى إطار المؤامرة المزعومة حتى تكون ذريعة لهم لإعادة الهجوم على قطاع غزة واحتلاله وقتل وإصابة عشرات الآلاف من الفلسطينيين؟
أشعر بالحزن والأسى لنشر الصحف خبرا يوضح بأن إسرائيل تدرس بعض مطالب حماس بشأن إمكانية نفى قادة حماس إلى خارج القطاع ولكن بدون اغتيالهم بعد ذلك والذى أعتبره قمة الإذلال والمهانة لأن القائد الفعلى هو الذى لا يترك أرضه وشعبه وهو ما يتماشى مع قيادات المقاومة الفلسطينية.
أشعر بالحزن والأسى عند استمرار مطالبات العرب والمسلمين والشعوب والحكومات الحرة بوقف إطلاق النار لمدة 174 يوماً دون استجابة من الولايات المتحدة وإسرائيل بل تم تكثيف الغارات الجوية والقصف المدفعى لكل الأهداف منذ صدور قرار مجلس الأمن الأحد الماضى بشأن إيقاف إطلاق النار خلال شهر رمضان فقط، وعدم إكتراث إسرائيل بالقرار وضربه عرض الحائط اعتماداً على قوتها العسكرية والتسليح والمعاونة الكاملة من الولايات المتحدة.
أشعر بالحزن والأسى لتفشى ظاهرة محاولات الجنود الإسرائيليين بإذلال الفلسطينيين وهم جزء من الشعب العربى حيث شاهدت اعتقالهم لأكثر من 800 فلسطينى فى محيط مستشفى الشفاء وتركيعهم على الأرض بعد خلع كامل ملابسهم وربط أيديهم وتغطية أعينهم وإيقافهم هكذا لعشرات الساعات فى البرد القارس.
أشعر بالحزن والأسى عند مشاهدتى لحادث قيام الجنود الإسرائيليين باغتيال شابين فلسطينيين كانا يتحركان من الجنوب إلى شمال القطاع للعودة إلى منازلهم المدمرة ولكن بعد منعهما من المرور وعودتهما إلى أماكنهما بجنوب القطاع يتحرك الجنود الإسرائيليون من خلال عربة مدرعة واستهدافهما من الخلف بطلقات الرشاشات وقتلهما بالرغم من رفعهما رايات بيضاء أثناء تحركهما، والحزن والأسى الأكبر عندما قام الجنود بجرف جثتيهما بواسطة لودر وإلقائهما داخل أكوام من المخلفات الصلبة دون إكتراث.
والحزن والأسى الأكبر عندما اقتحم عشرة جنود إسرائيليين مدججين بالسلاح أحد المنازل الفلسطينية وعثورهم على مواطن فلسطينى كبير فى السن أبكم وأصم وبالرغم من إشاراته لهم بأنه رجل مسالم مسن قام أحد الجنود بقتله بأربع طلقات من بندقيته دون إكتراث لأدمية الإنسان وبعد ذلك يتباهى أمام زملائه بقتله لذلك الرجل وتقدير أحد زملائه لأعماله العدوانية.
السؤال الأهم هو لماذا نستمر فى استجداء الرأفة والرحمة من المتوحشين والبرابرة والهمجيين، لماذا لا نعود إلى التمسك بالقوة العسكرية والعلمية والتكنولوجية والبشرية لكى نكون قادرين على مواجهة القوة الغاشمة التى تعمل على إبادة الشعوب العربية إبادة جماعية فى جمع المجالات؟
لماذا لا نعمل لكى نستمر فى تحقيق الإنجازات العربية التى تحققت فى حرب السادس من أكتوبر 1973 وحرب طوفان الأقصى فى السابع من أكتوبر 2023 التى أوضحت أهمية مقاومة قوة الطغيان الصهيونى بالقوة العربية ونجاحنا فى إذلال الجيش والشعب الإسرائيلى وشعورنا بالعزة والكرامة؟