كراهية جماعة الإخوان الإرهابية للمثقفين فى مصر هو جزء من الصراع الأكبر بين الفكر الظلامى والفكر التنويرى الباحث عن الحرية، وكانت لهذه الكراهية تداعيات كبيرة على المشهد السياسى والثقافى فى مصر، ولايزال يؤثر على العلاقات بين مختلف القوى السياسية والفكرية فى البلاد حتى اليوم، وتمثل هذه التداعيات نموذجًا للتحديات التى تواجهها المجتمعات المتعددة الثقافات والأيديولوجيات فى سعيها نحو التقدم والاستقرار.
وعلى مدار تاريخ جماعة الإخوان الإرهابية، كانت الجماعة عدواً مباشراً للثقافة والمثقفين، ودائماً ما كان رموز الفكر والثقافة المصرية فى الصفوف الأولى الرافضة للجماعة الإرهابية، ويؤكد ذلك بعض من مواقف كبار رموز مصر الثقافية من الجماعة.. كما كانت الجماعة دائماً عدواً للوطن والبلاد، فقبل ثورة 30 يونيو 2013، كان اعتصام المثقفين فى وزارة الثقافة الشرارة الأولى لانطلاق الثورة التى أطاحت بحكمهم، وكان موقف المثقفين دائما شديد الوضوح ضد الجماعة.
الإخوان بين ثورتين ظهرت نواياهم السلبية والسيئة لهذا الوطن.. واختبر المصريون انتماءهم وحبهم لهذا البلد.. ففى الأولى «ثورة 23 يوليو» التفوا حول الضباط الأحرار لمحاولة القفز على السلطة وسرقة الثورة من الجيش والشعب ولما فشلوا استخدموا سلاح العنف والإرهاب والقتل والاغتيالات.. وحاولوا أكثر من مرة اغتيال الزعيم الراحل جمال عبدالناصر.. ولكنهم فشلوا.. ولما أعادهم السادات للحياة مرة أخرى قتلوه فى النهاية.. وعندما وصلوا إلى حكم مصر فى العام 2012.. كان المثقفون على رأس الرافضين لسياسات الجماعة وحكمها، وكان لهم دور مهم فى الوقوف فى وجه حكومة الإخوان.. واعتصموا فى مقر وزارة الثقافة.. رافضين فض الاعتصام إلا إذا انتهت سياسات الإخوان العدائية للوطن والناس.. وإنهاء محاولة تغيير هوية مصر.. وبالفعل لم ينته الاعتصام إلا يوم 30 يونيو يوم ثورة المصريين ضد حكم المرشد.
كانت جماعة الإخوان الإرهابية ترفع شعارات رنانة هدفها استغلال النزعة الدينية عند المصريين لاستمالتهم نحو السمع والطاعة للمرشد وأوامره بتوصيفهم لها كأوامر دينية، فى حين أن المثقفين المصريين كانوا رافضين الجمود الفكرى والعودة للخلف، وكان كثير من المثقفين والنقاد والأدباء يعرفون أن الإخوان يستغلون الدين لتحقيق أهداف سياسية، وهو ما اعتبروه تهديدًا لحرية الفكر والتعبير، لم يبدأ الأمر مع وصول الجماعة للحكم لكن منذ نشأتها علم المثقفون اتجاهها ومن أبرز هؤلاء طه حسين وعباس العقاد وسلامة موسي، والتابعى وغيرهم.
ونرصد فى سياق السطور التالية الصراع بين الإخوان والمثقفين.. لنعرف فى نهاية تلك السطور لماذا يكره الإخوان رجال الثقافة والفنون والآداب منذ طه حسين والعقاد وحتى معتصمى وزارة الثقافة فى ظل حكم الإخوان فى 2013.
العقاد.. وكشف الحقائق
كان الأديب الكبير الراحل عباس العقاد من أشد خصوم هذه الفئة لأنه استطاع أن يكشف مخططاتهم ونواياهم نحو الوطن، كما نجح فى إظهارهم على حقيقتهم والتنديد بإرهابهم فتحدث عن كبيرهم حسن البنا، وذكر بعضاً من أخطائه فى حق الوطن والعروبة وتتبع سيرته وكشف عن معدنه الذى لا يمت للمصريين بصلة.
تصدى العقاد، دون كلل أو تبرم أو تراجع للجماعة، ولم يخش ما تعرض له من تهديد بالقتل، أو الانتقاد من قبل مؤسسها وإمام الإرهاب حسن البنا.
بدأ معركته مع الجماعة بنشر مقال تحت عنوان «الفتنة الاسرائيلية» يوم 2 يناير عام 1949، ولقبهم بخوان المسلمين، وقال: «الفتنة التى ابتليت بها مصر على يد العصابة التى كانت تسمى نفسها بالإخوان المسلمين هى أقرب الفتن فى نظامها إلى دعوات الإسرائيليين والمجوس، وهذه المشابهة فى التنظيم هى التى توحى إلى الذهن أن يسأل: لمصلحة من تثار الفتن فى مصر وهى تحارب الصهيونيين؟! السؤال والجواب كلاهما موضع نظر صحيح، ويزداد تأملنا فى موضع النظر هذا عندما نرجع إلى الرجل الذى أنشأ تلك الجماعة، فنسأل من هو جدّه؟».
وتابع العقاد: «إن أحداً فى مصر لا يعرف من هو جده على التحديد؟ وكل ما يقال عنه إنه من المغرب وأن والده كان ساعاتي، والمعروف أن اليهود فى المغرب كثيرون، وأن صناعة الساعات من صناعتهم المألوفة، وأننا هنا فى مصر لا نكاد نعرف «ساعاتي» كان يعمل بهذه الصناعة قبل جيل واحد من غير اليهود».
وفى مقال آخر نشر فى 17 يناير من العام ذاته، انتقد العقاد الجرائم التى كان ترتكبها الجماعة قائلًا: «أجمع المصريون على استنكار تلك الجرام الوحشية التى يقدم على ارتكابها أفراد العصابة التى تسمى جماعة الإخوان، ومن حقها أن تسمى جماعة «خوان»، ويتحدث العقاد عن أحوال مصر فى ذلك الوقت، حين كاد الإخوان أن يُدخلوا البلاد فى حرب أهلية، نتيجة لافتعالهم أعمال الشغب وامتهانهم للعنف، ويصف العقاد تلك المرحلة والفائدة التى تجنيها إسرائيل من وجود الإخوان قائلًا:
«أمة مصرية مشغولة بفتنة هنا وجريمة هناك، ومؤامرات فى الخفاء، وتقوم هذه العناصر المفسدة بالتحريض والتهييج، وتزودها بالذخيرة والسلاح، أهذه هى محاربة الصهيونية، والغيرة على الإسلام؟! إن يهود الأرض لو جمعوا جموعهم ورصدوا أموالهم وأحكموا تدبيرهم لينصروا قضيتهم، فى تدبير أنفع لهم من هذا التدبير لما استطاعوا، وإلا فكيف يكون التدبير الذى ينفع الصهيونية فى مصر فى هذا الموقف الحرج؟».
طه حسين.. ونبش الأفكار الظلامية
وفى كتاب «هؤلاء هم الإخوان» الذى صدر بأقلام قامات أدبية، على رأسهم الدكتور طه حسين، عميد الأدب العربي، والكاتب الصحفى محمد التابعي، والشاعر والصحفى كامل الشناوي، والكاتب الصحفى على أمين، والكاتب الصحفى جلال الدين الحمامصي.
فقد كتب عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين، واصفاً أعضاء جماعة الإخوان الإرهابية بأنهم «من زمن الخوارج، وقبضة من نيران الحروب التى يشعلها المحتلون فى العالم، يخالفون الطبيعة الوديعة للمصريين، ويعملون على نشر القتل بينهم».
وعن ظهور الإرهاب الإخوانى كتب طه حسين: «حياة المصريين إنما رخصت على المصريين بأمر الإسلام الذى لم يحرم شيئا كما حرم القتل، ولم يأمر بشيء كما أمر بالتعاون على البر والتقوي، ولم ينه عن شيء كما نهى عن قتل النفس بغير نفس إثما وعدواناً، ولم يرغب فى شيء كما رغب فى العدل والبر والإحسان».
ويضيف: «واليوم نكتشف فريقاً منا كانوا يهيئون الموت والهول والنكر لإخوانهم فى الوطن ولإخوانهم فى الدين ولإخوانهم فى الحياة، التى يقدسها الدين كما لا يقدس شيئا آخر غيرها من أمور الناس، والخير كل الخير هو أن نطب (أى نستعين بالطب) لهذا الوباء كما نطب لغيره من الأوبئة التى تجتاح الشعوب بين حين وحين، وقد تعلم الناس كيف يطبون للأوبئة التى تجتاح الأجسام وتدفعها إلى الموت دفعاً فمتى يتعلمون الطب لهذا الوباء الذى يجتاح النفوس والعقول فيغريها بالشر ويدفعها إلى نشره وإذاعته ويملأ الأرض فساداً وجوراً».
محمد التابعي.. يفضح خطط الجماعة
أما الكاتب الصحفى الراحل محمد التابعي، كان نصيبه فى كتاب «هؤلاء هم الإخوان» 8 مقالات، كشف من خلالها عدة جوانب لعقلية أعضاء الجماعة، وخططهم للسيطرة على حكم مصر، واغتيالاتهم لكوادر الدولة، وعلى رأسها محاولة اغتيال الرئيس الراحل جمال عبدالناصر.
فى مقال بعنوان «الضحايا والمساكين»، تحدث التابعى عن محاولة اغتيال «عبدالناصر»، وقائع حادث المنشية، 26 أكتوبر 1954، وكيف كانت صدمة المتهم «محمود عبداللطيف» عندما تهاوت مثله العليا أمام عينيه أثناء المحاكمة، ورأى زعمائه الذين لقنوه مبادئ السمع والطاعة يتخاذلون ويكذبون ويحنثون فى إيمانهم للنجاة بأرواحهم.
بهاء طاهر.. جهاد مستمر ضد الجماعة الإرهابية
لم يكن جهاد بهاء طاهر ضد الإخوان خفياً على أحد فقد وقف ضد أفعالهم وأفكارهم فى ظل أقوى فتراتهم وهم فى الحكم، عندما تقدم بهاء باستقالته من المجلس الأعلى للثقافة بعد تعيين وزير ثقافة مهمته «تجريف الثقافة المصرية».. ولم يتردد فى الخروج من بيته فى درجة حرارة مرتفعة كى يساند شباب الثورة والفن فى وقفاتهم ضد «تجريف الثقافة»… لم يتردّد فى «احتلال مكتب الوزير» والاعتصام به للمطالبة برحيله.. لم يبحث عن صوره «كأفندي».. أو ما يجرّه عليه هذا الموقف من مشكلات فيما بعد.
بهاء طاهر مشاغب شاب يحمل عصاً يتوكأ عليها، الغريب أنه لا يفعل ذلك انطلاقاً من موقف «رومانسي» لدور المثقف، حيث يقول: «أنا مجرد مواطن عادى عليه دور معين، له رأى فى شئون بلده».
ويصف طاهر المشهد وقت وجود الجماعة الإرهابى فى السلطة فى أحدث كتبه «أيام والأمل والحيرة» بانه تكرار لمشهد قديم، مشهد بائس ولكنه أكثر خطراً: «لأن سلاح الدين هذه المرة يستخدم بشكل بائس، عندما يصف شخص أدب نجيب محفوظ بأنه أدب «دعارة»، ويستخدم الدين كحجة وسط جمهور ليس لديه ثقافة كافية للفرز يأتى من هنا الخطر».
مفكرون ومثقفون: الإخوان لم يقدموا مفكراً.. ولا حتى ربع مثقف
الجماعة الإرهابية مصيرهم دائمًا الفشل
يكشف مثقفون ومتخصصون أن الجماعة الإرهابية لا تمتلك مثقفين بل ناقلين متقولبين وأصحاب فكر أحادي، كما أن المثقفين هم الفئة القادرة على كشف الإخوان وألاعيبهم المستمرة التى قد تنطلى على بعض الناس.. بالفشل حليف الجماعة الإرهابية دائما لانهم لا يعرفون طبيعة المصريين ولا هوية الشعب المصري.
قال الدكتور محمد عفيفى أستاذ التاريخ الحديث بجامعة القاهرة: إن عداء الإخوان مع المثقفين أزلى منذ بدأت الجماعة الإرهابية فى عشرينيات القرن العشرين، فهم لا يمتلكون مثقفاً واحداً قادراً على مقارعة الحجة بالحجة والفكرة بالفكرة، فهم أصحاب فكر أحادى لا يقرأون الفكر والثقافة بانفتاح تام.. فهناك مشكلة، حيث لا يستطيع أعضاء الجماعة خصوصا فى فترات الشباب أن يقرأ إلا ما يحدده له المسئول عن أسرته، بالتالى القراءات والاتجاهات معروفة ومحددة سلفا، لهذا السبب فالتنظيم الإخوانى وأعضاؤه «متقولبون»، لا يرون إلا ما تراه الجماعة ولا يرون غير أنها أفكار جماعتهم (الضالة والمضللة) هى الحقيقية وبالنسبة لهم هى الثقافة.
وأضاف د. عفيفى أنه لهذا السبب لم تقدم الجماعة الإرهابية مثقفاً معروفاً أو مفكراً كبيراً أو حتى إنسانا واعيا يؤمن بالتنوع ويستقبل جميع الأفكار يرفض أو يقبل منها ما يشاء.. بل تنتج فكرا أحاديا لا يقبل أى تنوع أو اختلاف فى الرؤي، ولذلك فالكراهية التاريخية بينهم وبين المثقفين أزلية لأنهم ببساطة غير مثقفين، ولا يمتلكون حتى ربع كاتب أو مثقف من أمثال العقاد وطه حسين ونجيب محفوظ وصنع الله إبراهيم.
وأوضح عفيفى أن أعضاء الجماعة ينتشرون أكثر فى الكليات العملية بالجامعات، ويعملون فى مهن كلها عملية.. أما الكليات والمجالات الفكرية والفلسفية والتى تحتاج الفكر والتنوع وقبول الآخر لا تجدهم.
ومن جانبه أكد الدكتور مدحت العدل أن المثقف الحقيقى لا يمكن أن يكون إخوانا أو يحب الفكر الإخوانى المتطرف.. فالمثقف المؤمن بالحرية والتنوع واحترام الراى الآخر والاختلاف يكره الفكر الظلامى الإخوانى الجامد.. وبالطبع يبادله الإخوان كرهاً بمثله.
وقال صاحب المواجهات المباشرة مع الإخوان من خلال أعماله الفنية فى مسلسلى (الداعية وقصة حب) الذين كتبهما وفضح فيهما فكر الجماعة الرجعى الأحادي.. أو من خلال قصيدته الرائعة «احنا شعب وانتو شعب»: أن الجماعة الإرهابية لم تفهم طبيعة الشعب المصرى على الإطلاق.. فمصر الدولة صاحبة التاريخ العريق استقبلت جميع الثقافات والحضارات وصنعت حضارتها وهويتها على التنوع والاختلاف وقبول الآخر، ولذلك قبل اعتصام وزارة الثقافة وفى أول وقت لوصولهم لحكم مصر قلت لـ ياسر على المتحدث الرسمى للرئاسة فى عهد محمد مرسى إنكم لن تستمروا فى الحكم أكثر من سنة – وقد حدث – لأنكم لا تعرفون هذا الشعب صاحب الحضارة القديمة الضاربة فى جذور التاريخ.. صاحب الهوية الوطنية التى تتسم بالتنوع والاختلاف.
وعن الإخوان ومواجهتهم الدائمة والأبدية مع المثقفين قال د.مدحت العدل سيبقى الإخوان فى حالة صراع دائم مع كل صاحب فكر ولكن مصيرهم هو الفشل الدائم.. لن ينجحوا أبداً لأن مصر لا تقبل إلا بمن يقبلها كما هى لثقافتها وحضارتها وهويتها.
ويرى أستاذ الإعلام الدكتور صفوت العالم إن الإخوان يكرهون المثقفين عبر تاريخهم الأسود.. لأن المثقف لديه القدرة على كشف ألاعيبهم وأهدافهم الخبيثة، كما أنه قادر (المثقف) على فرز الأفكار السلبية وما يدعون إليه من أفكار ظلامية ورجعية.
ويرى العالم أن الفكر الإخوانى عنيف وجامد لا يقبل الاختلاف وبالتالى فإنه يرفض أى تفكير منطقى أو فكر متنوع ومختلف، وبالتالى فإنهم لا يكرهون المثقف فقط بل إنهم لا يحبون أيضا أى وسيلة إعلامية تتصف بالتنوع ونشر أفكار مختلفة تعبر عن مصر وهويتها وتاريخها الممتد منذ فجر التاريخ.. لهذا جاء وصف مرشدهم للإعلاميين بانهم سحرة فرعون.