فى غفلة من اهل الدار.. وفى عز النهار.. ولهوا كالصغار.. خرج القط الجميل.. يتباهى بالشعرالطويل.. فكانت نزهته وداع ما قبل الرحيل.. لم يألف الفوضى والزحام.. ولا الصراع على الطعام.. أو الاحتراس من غدر اللئام.. طارده الأطفال بالحجارة.. وأزعجته الكلاكسات بغارة.. فأضطرب فداهمته سيارة.. وحكاية النهاية.. من البداية.. يقصها الصديق أبو اّيه.. وبدموع الموجوع كان شاهد عيان.. على قط تحطمت فيه الضلوع والسيقان.. وجدته فى نهر الطريق.. وكأنه غريق.. يئن بالألم العميق.. حملته برفق وهوادة.. إلى ظل شجرة ووسادة.. تمنيت لو كانت عيادة.. وأعيتنى كثرة التأملات.. وشغلتنى عن صيانة الغسالات.. حيرتى فيما جرى وماهو اّت.. غزارة الفراء.. أخفت فيه البلاء.. الا من جرح تدلت منه الأحشاء.. وشلل وبلل من أنين وبكاء.. وطوال ثلاثة ايام..ناولته فى فمه الطعام.. وتمنيت رقوده للابد فى سلام.. وفى ظهر رابع يوم.. جاءت الينا فتاتان بغيوم.. وأسى البائس المكلوم.. أعرفهما من الجيران.. برقت عينا القط لما شاهدهما تبكيان.. وكاد ينطق الحيوان.. أختارتا الصبيتان سريعا الفراق.. ولم يملك السقيم بهما اللحاق.. فبكيته وذهولاً منى سكنت عن الحراك.. حينما رأيت طعاما من فمه حزنا قد سقط.. ولأنفاس مرالحسرة التقط.. وسكن كمداً الا من أهداب ترتعش فقط.. غالبت أحاسيسى المرة.. وودت أن أعيد الكرة.. فأبى أن يأكل من الطعام ذرة.. وتيبس المسكين.. ومرت اللحظات كأنها السنين.. وكنت بحيرتى فيها سجين.. وبدت لى حطام أمالي.. وكابدت أسوء الليالي.. وكأن القط واحد من عيالي.. تيقنت بيقينه أنهن قدما للوداع.. وأن بريق عينيه دمع جمدته قمة الأوجاع.. من نظرات إشفاقهن التى مزقته كأنياب السباع.. لم أبرح المكان.. وطافت ذاكرتى بمأسى الزمان.. وكيف لروح أن تتبدد سدى ويطويها النسيان.. كم شهيدا فقدنا بالأهمال..كم قتلنا بالفوضى لمسات الجمال.. كم حرمنا أحباء لنا من حلو الوصال.. أصبح الصبح كئيبا وصمتت الأنات.. ولفظ القط أنفاسه وأضحى من الأموات.. رحل بعذاباته وأورثنى غما وسكات.. ليتنى ما شهدته ولا حملته ولا أطعمته.. ومارأيت حرمانه من أحبابه.. ما أماته حينها فى لحظات.. لا لا لم تمته فداحة الأصابات..