اختلط الحابل بالنابل، وضاعت المفاهيم، وطفت المغالطات، فى السنوات الأخيرة بسبب مواقع التواصل الاجتماعي، وصفحات الأفراد لا سيما بعد أن أصبحت مصدرا للدخل تدر أرباحا بالعملات الصعبة، فهرولت الآلاف المؤلفة نحو الكنز الثمين، واقتحمت كل المجالات دون علم أو معرفة، يهرفون بما لا يعرفون، وبكل أسف تحول العبث إلى وسيلة للشهرة والكسب، ومنجم ينهلون منه مع الإقبال على «الهيافات» .
ولم تسلم الصحافة من هذا العبث، ونالها من غباره الكثير، ووجدنا الأعداد الغفيرة فى كل حدث تتواجد وتشارك بالتغطية تحت مسمى «صحفي» بمجرد أنه يمسك بموبايل، ويأتون بسلوكيات شوهت صورة صاحبة الجلالة وألصقت بها اتهامات هى منها براء ولوثت ثوبها الناصع البياض.
من هذه الأحداث المؤسفة ما لا يحصي، من انتهاك لحرمة الجنائز والمواقف مع ذوى المتوفين من المشاهير، وآخرها ما حدث فى جنازة الفنان صلاح السعدني، وقيام المتطفلين بطرح أسئلة على أشخاص وهم فى قمة أحزانهم، ويريدونهم أن يحصلوا على تصريحات صحفية، ما دعا نقابة المهن التمثيلية لإصدار بيان تناشد فيه الصحفيين ومراسلى القنوات عدم حضورالعزاء تقديرًا لحالة الحزن ورغبة أسرة الفنان.
وكان للموقف توابع، بأن تضمن البيان إعلان نقيب المهن التمثيلية أنه سيتم الاتفاق على وضع أسس تحدد آليات حضور مراسم الدفن والجنازات حتى لا تسيء القلة لهذه المهنة العظيمة، كما تقدم عضو بمجلس النواب، بتعديل تشريعي، بإضافة فقرة لقانون العقوبات تمنع نشر أخبار الجنازات وتصويرها وتحظر نشر وإذاعة وبث أى صور أو فيديوهات إلا بإذن مسبق مكتوب، وأن التعديل لا يمنع ولا يقيد نشر أخبار الجنازات.
والحق أنه لا خلاف على حرمة الموت وقدسية الجنائز، التى يجب أن يكون فيها الالتزام ذاتيا إنسانيا قبل أن ينظمه قانون أو بيان أو لائحة، لكن هناك للحقيقة وجه آخر، إن هؤلاء الذين ينتهكون تلك الحرمات انتهكوا قبلها حرمة الصحافة، ونسبوا أنفسهم إليها زورا وبهتانا، فهم ليسوا صحفيين، فالصحفى يعرف متى يتكلم ومع من وماذا يقول ويراعى الحرمات، ويفرض على نفسه القانون الإنسانى قبل قانون العقوبات، لأن حقوق المجتمع والأفراد وحياتهم الخاصة مقدمة على كل سبق أو انفراد بخبر، بجانب الالتزام بميثاق الشرف الصحفي.
فما لا يعرفه الكثيرون، أن الذين يزاحمون فى الجنائز والمناسبات وأفراح المشاهير، ليسوا صحفيين إنما معظمهم من المتطفلين والجمهور ومن يطلق عليهم صُنّاع المحتوي، أو «البلوجرز» و»اليوتيوبرز»، فالصحفى لا يتجاوز ولا يتلصص على الحياة الخاصة ولا يتجسس على الناس، ولا يأتيهم خفية، إنما يقدم نفسه معلنا عن شخصيته ومهمته، ولصاحب الشأن أن يرفض أو يقبل، أما الذين يبحثون عن الشهرة والمال ويرتكبون الحماقات فليسوا صحفيين ولا يمتون للمهنة بصلة، بل يجب معاقبتهم بتهمة انتحال الصفة والإساءة إلى المهنة وانتهاك حرمتها كما ينتهكون حرمة الحياة الخاصة.
وحتى المناسبات السعيدة لم تسلم هى الأخرى من المتطفلين، ففى الأسبوع الماضى استطاع شخص أن يقتحم غرفة ملابس فنانة أثناء عرس ابنتها ويقوم بتصويرها بـ»الروب» ونشر الصور على مواقع التواصل ما أثار غضبها، فكيف استطاع أن يصل إلى هذا المكان ويقوم بالتصوير؟.
وهناك أشخاص يقحمون أنفسهم لحمل الجثامين عندما تكون هناك كاميرات تصوير ليظهروا وكأنهم على علاقة بالمتوفي، وهؤلاء أنفسهم أراهم فى مقدمة الصفوف فى الصلوات التى ينقلها التلفزيون، تخصصوا فى الوقوف أمام الكاميرات.
ومع استنكارنا للتصرفات الفوضوية والغوغائية، لا يجوز أن تنسب التجاوزات للصحفيين، ولا أن يكون الدخلاء سببا فى تشويه صاحبة الجلالة.