تعمل الإدارات الأمريكية المتعاقبة على زيادة رصيد الكراهية العالمية للولايات المتحدة، على المستويات الرسمية والشعبية، فى كل القارات، من دول الجوار إلى البلاد البعيدة فى أقصى حدود المعمورة، بممارسات الغطرسة ومحاولات الهيمنة، حتى وإن ظهر أن لواشنطن أصدقاء، فهم «وهميون»، لأن العلاقة غير صادقة وغير مخلصة.
واستطاع ترامب أن يتفوق على كل الرؤساء الأمريكان السابقين، فلم يترك عدوا ولا صديقاً إلا وتحرش به، سواء فى ولايته السابقة أو بعد عودته قبل حوالى مئة يوم للمكتب البيضاوى، وأثار العواصف هنا وهناك و«يستفز» الأصدقاء والأعداء فى نفس الوقت، بقررات فجائية غير مدروسة وممارسات استعلائية، لم تحقق له ولا لبلاده إلا المزيد من الخسارت السياسية والاقتصادية.
فى مقدمة «شطحات» ترامب، محاولات تهجير سكان غزة، والرسوم الجمركية التى طالت حتى أقرب المقربين لواشنطن وخاصة الدولة العبرية، والاتحاد الأوروبى، وحلف الناتو وغيرها، ويظهر جليا أنه لم يدرس التاريخ ولا الجغرافيا، بدليل أن كل قرارته «الاستعدائية» لم تثمر إلا الحصاد المر، ولم تحقق نتائج إيجابية، وعلى العكس يرى الخبراء والمراقبون أنها ستحقق خسائر كبير لأمريكا عاجلاً وآجلاً، بل ذهب كثيرون إلى أن نهاية أمريكا ستكون على يدى ترامب.
لا يكاد يمر يوم من «المئوية» الأولى من أيام ترامب إلا ونستيقظ على واحدة من الإزعاجات والاستفزازات، فلا يأتى من الغرب ما يسر القلب، ما جاءنا إلا الحروب والحملات والاستعمار واستغلال للثروات والموارد الطبيعية، وكتب التاريخ مغمورة بصفحات سوداء بلا عدد من هذه السوءات.
بينما نحاول أن نتخلص من «سوابق» ترامب، نستيقظ لنجد أنفسنا أمام ترهات وخزعبلات جديدة وأوهام وخيالات، يلقى بحجر ليعكر الصفو، ويحدث مزيداً من الكدر، وكتب على منصته «يجب السماح للسفن الأمريكية، العسكرية والتجارية على السواء، بالمرور بحرّية عبر قناتَى بنما والسويس، هاتان القناتان ما كانتا لتوجَدا لولا الولايات المتحدة الأمريكية، وطلبتُ من وزير الخارجية ماركو روبيو تولى هذه القضية.
وقد مارس ترامب ضغوطا على بنما، متوعّدا باستعادة القناة لأن الولايات المتحدة هى التى بنتها وافتُتحت عام 1914 وظلت تحت السيادة الأمريكية حتى 1999ومنحت السيطرة على الممر المائى إلى بنما، وصرح بأنه لا يستبعد استخدام القوة الاقتصادية أو العسكرية لاستعادة السيطرة على القناة.
لا خلاف أن هذه التصريحات استفزازية وتدخلاً فى السيادة الوطنية، وأثارت استياء شعبيا واسعاً، لأنها تعتبر تدخلاً فى شأن سيادى مصرى، وتجاوزا غير مقبول، فإذا كان هناك صلة لأمريكا بقناة بنما، وهذا لا يعنينا، لكن من أين جاء ترامب بـ»فضل» أمريكا على قناة السويس، التى بدأ حفرها فى عام 1859، بأيدى مليون عامل مصرى، مات منهم أكثر من 120 ألفاً نتيجة الجوع والعطش والأوبئة فى ظروف شديدة الصعوبة، لمدة 10 سنوات، وافتتحت فى 17 نوفمبر 1869.
فى يوليو 1956 قام الرئيس عبدالناصر بتأميم القناة، مما تسبب فى إعلان بريطانيا وفرنسا وإسرائيل الحرب على مصر، ما عرف بالعدوان الثلاثى والذى انتهى بانسحابهم، بوحدة المصريين من الجيش المغوار والمقاومة الشعبية.
إلا أن التاريخ الفعلى للقناة يعود لقرون، إذ أن فكرتها تعود لفرعون مصر سنوسرت الثالث من الأسرة الثانية عشرة عام 1874ق.م، وهى قناة «سيزوستريس»، بهدف توطيد التجارة وتيسير المواصلات بين الشرق والغرب، وشهدت عمليات كثيرة من الحفر على مدى قرون، ببساطة فى تلك الأزمنة، كانت مصر وقناة السويس قبل أن يتم اكتشاف أمريكا نفسها ولا أن تكون هناك دولة بهذا الاسم.
لمثل هذا المواقف ومواجهة تلك الترهات، كانت نظرة الرئيس السيسى نافذة ثاقبة بعيدة المدى، عندما قرر فى 2014 اقتصار المشاركة فى جمع مبالغ تمويل ازدواج القناة على المصريين، حتى لا يكون للأجانب يد فى هذا الشريان المصرى الخالص، وكان المصريون على قدر المسئولية وتم الاكتتاب فى الشهادت بقيمة 64 مليار جنيه خلال 8 أيام فقط، بينما كان المبلغ المستهدف 60 ملياراً فقط.
أيها الأمريكيون.. لقد نفد رصيدكم عند العرب والمسلمين عامة والمصريين خاصة، تسحبون على المكشوف منذ عقود!!.