تشرفت بلقاء مع فضيلة الأستاذ الدكتور نظير عياد مفتى الديار المصرية ومعى كوكبة من زملائى فى بيت العائلة المصرية وذلك فى إطار حرص فضيلته على التواصل والتعاون مع مختلف المؤسسات الوطنية ولبحث سبل التكامل فى الجهود المبذولة لخدمة المجتمع المصري.. وعلى الرغم من أن جانباً من هذا اللقاء جاء لتهنئة فضيلته على ثقة القيادة السياسية وفضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر على اختياره لرئاسة هذا الصرح الدينى الكبير إلا أن الحوار تطرق الى موضوعات مهمة.. بل تعتبر من أهم موضوعات الساعة التى يعيشها المجتمع المصرى حالياً خاصة على ضوء الاجتهادات والفتاوى التى تصدر عن غير المتخصصين والتى تثير البلبلة وأحياناً التهكم من سطحيتها وعدم موضوعيتها وملائمتها مع الواقع الذى نعيش فيه حالياً من علم وتقدم وتكنولوجيا والتى تجعل الشباب تحديداً يقتنعون بمثل تلك الفتاوى.
فى البداية لابد أن نشير الى الدور الذى تقوم به دار الافتاء فى مجال الدعوة والتوعية والتصدى للأفكار الهدامة ودعم الدولة المصرية وذلك من خلال العلماء الأجلاء الضالعين فى مجال الفتوى سواء من خلال الحوارات والتواصل المباشر أو الندوات والدورات التدريبية وكذلك الاستعانة بوسائل التواصل الاجتماعى حيث قام هؤلاء العلماء الأجلاء بالعديد من الحملات الإلكترونية التى حظيت بتفاعل كبير من قبل المتابعين لها حيث وصل عددهم الى حوالى 17 مليون متابع وكانت بعنوان «معركة وعي» لمواجهة الأفكار المتشددة والمتطرفة.
كان فضيلة المفتى منفتحاً فى حديثه متبنياً لأفكار جديدة ً حيث أشار الى إنشاء «وحدة حوار» وهى وحدة غرضها القيام بالمهام الفكرية المتعلقة بالقضايا الشرعية وما يتفرع منها من اشكالات اجتماعية ونفسية وتقاطعات مع مباحث الفلسفة المعاصرة.. وكذلك تفعيل دور مركز»سلام» وهو مركز بحثى وأكاديمى معنى بدراسة التطرف ومناهج مكافحته والوقاية منه ويسعى الى تأصيل فلسفة الدولة المصرية ودار الإفتاء فى المواجهة الفكرية الشاملة لظاهرة التطرف والتشدد.. كذلك أشار إلى إنشاء دياراً للفتوى على مستوى محافظات الجمهورية تسهيلاً للراغبين فى الوقوف على معلومة أو فتوى دينية معينة.. وأكد فضيلته على أن دار الافتاء سوف يكون لها مشاركة فاعلة فى المبادرة الرئاسية لبناء الإنسان موضحاً أن الدار ستعمل بكل جد بمختلف قطاعاتها للمشاركة فى هذا المشروع القومى مع الإستفادة من التكنولوجيا الحديثة ومنصات التواصل الاجتماعى فى مجال الفتوى ونشر الوعى الدينى وتقديم الاستشارات الشرعية مشدداً على ضرورة التواصل مع الشباب وحمايتهم من الافكار الضالة مؤكداً على اهتمامه الشخصى بهذه الشريحة المهمة من المجتمع بهدف حمايتهم ورفع وعيهم بالمخاطر المحيطة بنا خاصة فى الجامعات.. .وعند هذه النقطة تحديداً انطلقت المناقشة مع فضيلته حول المغريات التى يتعرض لها الشباب وتصاعد الحوارات على صفحات التواصل الاجتماعى وأبدى فضيلة المفتى تفهمه لكل تلك الدعاوى المغرضة وإن هناك دراسة تتم حالياً للانتشار بين التجمعات الشبابية فى الجامعات والنوادى والمساجد وأيضاً التكاتف مع الكنيسة المصرية والتعاون معها للتصدى لمثل هذه الدعوات وإنه يولى اهتماماً كبيراً بما يتعرض له المجتمع المصرى حالياً من محاولات لتفكيك أواصره وثوابته.
أعتقد أن فضيلة مفتى الديار المصرية الدكتور نظير عياد سوف يقود معركة كبيرة للتصدى لظاهرة العبث بالفتاوى وانتشار غير المؤهلين لها فى وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعى وإنه سيسعى إلى مركزية الفتاوى من خلال دار الافتاء المصرية وعلماؤها الأجلاء خاصة وأن هناك بعض رجال الدين يحاولون إظهار التعاطف والتفهم لصعوبة الأوضاع الاقتصادية والحياة المعيشية للعائلات المصرية ويقوموا بإصدار بعص التصريحات أو الفتاوى معتقدين إنها إحدى وسائل التسهيل عليهم فى حين إنها إحدى وسائل التضليل والضلال… وهنا نشير الى ما يتردد حالياً بين الناس بأن أحد رجال الدين أفتى باستحلال سرقة المياه والكهرباء والغاز وسرت تلك الفتوى مثل النار فى الهشيم على صفحات التواصل الاجتماعى وهو ما يؤكد عدم التحلى بالمسئولية الدينية بل والأخلاقية فى الرد على تساؤلات الناس.. فأى قيمة تكمن فى التعدى على المال العام وأى فضيلة تكمن فى أكل الحقوق؟.
منذ سبع سنوات تقريباً وفى مؤتمر موسع عقد فى القاهرة عام 2017 أقر المؤتمر العالمى الثانى للأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم وضع ميثاق عالمى لضبط الفتوى ومواجهة الفتاوى الشاذة والمنحرفة ولكن كما نرى مازالت وتيرة هذا النهج من الفتاوى متسارعة بلا مواجهة حاسمة وأحكام رادعة.. وقد أكدت دار الإفتاء المصرية فى بيان لها إنه يحّرم شرعاً الانتفاع بموارد الدولة من شبكات المياه أو خطوط التيار الكهربائى عن طريق التحايل على ذلك بأى وسيلة غير قانونية بغرض التهرب من دفع الرسوم المقررة لذلك لما فى ذلك من السرقة المحرمة وأكل أموال الناس بالباطل والإضرار بالمصلحة العامة وخرق النظام وخيانة الأمانة.
إننى على يقين إن دار الإفتاء فى عهد فضيلة الأستاذ الدكتور نظير عياد سوف تواصل طفرة كبيرة فى مواجهة فوضى الفتاوى وعبثيتها وعليها أن توضح للجماهير أن هناك فارق نوعى بين الداعية والفقيه وإنه ليس كل واعظ فقيه وإن الفقه وتصدر الفتوى عمل عسير وجليل يحتاج إلى إحاطة واسعة بعلوم شتى وقدرة على القياس والاستنباط والتأويل المنضبط والفهم الدقيق.
كان اللقاء ثرياً ومهماً ترك لدينا انطباعاً إيجابياً عن المرحلة الجديدة لدار الافتاء المصرية التى سوف يقودها بكل العلم والثقة والرشاد فضيلة المفتى نظير عياد مستلهماً فى ذلك نصيحة فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف عندما قال «لقد امتحنكم الله تعالى بهذا المنصب المهم وكم هو أمر جلل ومسئولية كبرى فسخره فى صناعة الخير للناس والتيسير عليهم».