تدهورت بنا لغة الحوار.. وظهرت ألفاظ تصيب بالدوار.. تؤذى المشاعر والأسماع وتنافس فى تدنيها أحاديث السوقة والرعاع.
ومن الأفضل ألا نذكر شيئاً منها.. حتى على سبيل المثال خشية أن نقع فى نفس الخطأ أو نساهم دون قصد فى نشرها، وتوسيع دائرة استخدامها.
والكلمة التى تخرج من الفم كالرصاصة بعد إطلاقها، لا يمكن ردها أو استعادتها مرة اخري.. وجراح السيف قابلة للشفاء وجراح اللسان بغير دواء وإذا كان التجاوز مقبولاً من الصغار أو أصحاب الظروف الخاصة، فإنه مرفوض تماماً من قادة الرأي، وأهل العلم والفن والأدب والعمل العام.
والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة أمر لا يقتصر على الدعوة الدينية فقط، لكنه مطلوب فى سائر القضايا وجميع المجالات والاختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية، ولا يستدعى فوضى المعارك، أو الاشتباك مع الآخرين.. واللدد فى الخصومة من صفات المنافقين مع الكذب والخيانة ونقض العهود.
والمفكر الفرنسى فولتير قال: إنه قد يختلف مع الآخرين فى الرأى ولكنه على استعداد للدفاع عن حقهم فى عرض آرائهم.. وسائر المخلوقات لها لغات تتحدث بها وتتفاهم بواسطتها وتتواصل من خلالها.. هذه المخلوقات جميعاً لا يعرف الشتائم والسباب وهى تتحدث لغة واحدة، وهى لا تعرف العامية، لكنها تتحدث دائماً بالفصحي، أما الإنسان فيتحدث بلغات عديدة طبقاً للظروف والأماكن والأحوال والمسافة عندنا واسعة جداً بين الفصحى والعامية حتى إن الأجنبى يتصور أنهما لغتان مختلفتان.
لم يقتصر الحوار الهابط على الشارع والمقهي، لكنه امتد عبر بعض وسائل الاعلام ويصدر عن شخصيات المفروض أنها محترفة،كما انتقل مع ذلك ــ وربما قبله ــ إلى الأعمال الفنية فى السينما والمسرح والتلفزيون.
وبعض الكتاب يتصور أنه ينقل الواقع عندما يستخدم ألفاظا خارجة تجرى على الألسنة فى بعض المناطق أو المهن، لكنه فهم غير صحيح، لأن الفن لا ينقل الواقع حرفياً، لكنه يختار الأفضل وينقيه ويصفيه تماماً كما نفعل مع السكر والعسل والذهب.
وفى بعض البرامج التليفزيونية والقنوات الفضائية نشاهد صوراً عديدة للتجاوز فى الحوار فى حق ضيوف حاضرين أو غائبين، وكنا نجد ذلك فى فترة سابقة على صفحات الصحف..
وكان جليل البندارى (1917 – 1968) يطلق على لغة شعراء الأغلبية الراحلين إصطلاح العامية الفصحى لأنهم يستخدمون لغة راقية تنافس الفصحى فى أناقتها ورقتها وعذوبتها ورشاقتها وبلاغتها وصورها وأدبها وجمال معانيها.. لكن كلمات بعض الأغانى فقدت الكثير من هذه السمات هذه الأيام.
والبندارى بالمناسبة ناقد وكاتب وشاعر، برع فى إطلاق الأوصاف والألقاب فى عالم الفن، وهو صاحب وصف (لقاء السحاب) اللقاء الأول بين كوكب الشرق أم كلثوم وموسيقار والأجيال محمد عبدالوهاب فى أغنيته (إنت عمري).
كتب قصة فيلم (الآنسة حنفي) لإسماعيل ياسين وفيلم (تمر حنة) لنعيمة عاكف ورشدى أباظة وفايزة أحمد، وكتب العديد من الأغانى الناجحة.. غنت له شادية (يا دبلة الخطوبة ــ وسوق على مهلك) وليلى مراد (؟؟؟ فى قربك) ومحمد عبدالمطلب (وأنا مالي) كما كتب أوبريت (واد الغازية) وتمنى ألا يعيش بعد سن الخمسين ولكنه تجاوزها بعدة شهور.
ونحن نعانى من طغيان العامية فى كل شيء بعد أن تنازل عدد كبير من الكتاب والأدباء عن اللغة الوسطى التى نجحت الجماعة الصحفية فى تطويرها عبر الأجيال وهى لغة سهلة بسيطة تنقل المعانى بيسر ووضوح وترفع مستوى القراء.
والقاعدة أن يتم معظم الإبداع باللغة الفحصى خاصة فى القصص والروايات والمسرحيات والمقالات.
نريد أقلاماً وألسنة وحوارات تفيض صدقاً وموضوعية وتتصف بالحلم والعلم والحكمة والأدب الرفيع.