فى قلب القاهرة، وتحديداً فى منطقة النزهة الجديدة تقع مدينة العلوم والتكنولوجيا لأبحاث وصناعة الإلكترونيات «STPERI» مشروع عملاق تراهن عليه الدولة كثيراً لوضعها على الخريطة العالمية فى مجالات الإلكترونيات والتكنولوجيا الرقمية، وتوطين الصناعات محلياً.
هذا المشروع ربما لا يعرف عنه الكثيرون شيئاً لأن القائمين عليه يعملون فى صمت، ولكنهم يتقدمون خطوات كبيرة فى سبيل تحقيق الهدف الذى أنشأت المدينة من أجله وفى مقدمتها امتلاك العديد من المشروعات والابتكارات المصرية الجاهزة للتنفيذ.
الدولة وفرت للمدينة كافة الإمكانيات باعتبارها الطريق لدعم الاقتصاد المبنى على المعرفة وتعزيز الإبتكار.
«الجمهورية الأسبوعي» التقى الدكتورة شيرين عبدالقادر رئيس معهد بحوث الإلكترونيات ورئيس مجلس إدارة المدينة العلمية لصناعة الإلكترونيات، التى كشفت تفاصيل كثيرة ومهمة حول «مدينة المستقبل» كما تصفها، والأهداف التى تسعى إليها.
د. شيرين أكدت أن المدينة سوف تتخطى مرحلة «التجميع فقط» إلى التصميم وصناعة المكونات الإلكترونية محلياً وتطوير المنتج المحلى للاستغناء عن البديل الأجنبي، وليس هذا فقط، بل تؤكد تبنى المدينة إيجاد حلول علمية والكثير من المشاكل التى تواجه توطين الصناعة كأحد أهم الأحلام المصرية.
د. شيرين تكشف أيضاً ان المدينة التى تبلغ تكلفتها 1.7 مليار جنيه تضم نحو 350 باحثاً ومتخصصاً فى عدة مجالات هدفهم إنجاز المشروعات البحثية المصرية 100٪..
> تساؤلات كثيرة حول المدينة تبدأ بمتى وأين أنشأت ؟
أنشأت المدينة التابعة لمعهد بحوث الإلكترونيات فى 2021 بقرار من الرئيس عبدالفتاح السيسي، لإقامة مناطق حاضنات تكنولوجية وشركات تهدف إلى تعزيز الابتكار، وتطوير التكنولوجيا، ونقلها، وتسويقها بالتعاون بين الجهات المعنية المحلية والدولية، لدعم الاقتصاد المبنى على المعرفة للوصول إلى منتجات محلية الصنع 100٪.
تم تجهيز المدينة وفقاً لأحدث النماذج والتطورات العالمية فى هذا المجال، ولدينا فى المعهد 7 أقسام تضم أكثر من 350 عالمًا وباحثاً فى مجال الإلكترونيات وتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات بـ28 معملاً مجهزاً بحيث يستفيد المتدربون ورواد الأعمال من الخبرات والبرامج المدعومة التى تساعده على الاستمرار فى البحث والتطبيق، حيث تقع على مساحة 17 ألف متر مربع فى القاهرة، مبنى لريادة الأعمال والحاضنات التكنولوجية والشركات الناشئة والتدريب وقاعة كبيرة للمؤتمرات على شكل «قبة» برسمة خريطة العالم تستوعب من 800 الى 1000 شخص والقاعة الصغيرة من 300 الى 400 شخص بالإضافة الى مشروع «الغرفة النظيفة لصناعة الرقائق الإلكترونية» والمعمل «المصرى – الصيني» الذى يساهم فى تصنيع الخلايا الشمسية ابتداء من «الويفر» وذلك بالتعاون مع أكاديمية البحث العلمى والتكنولوجيا، وتقدر تكلفتها حوالى 1.7 مليار جنيه.
> ما الهدف المرجو من هذا الصرح التكنولوجى العملاق ؟
للمدينة أهداف إستراتيجية مهمة وعديدة منها: خلق بيئة مواتية للأعمال التجارية مالياً وتكنولوجياً وقانونياً؛ لجذب الاستثمار الأجنبى فى التقنيات العالية، وتفعيل شراكات مع مراكز ومعاهد بحثية دولية معتمدة، وتوفير الظروف والبيئة المناسبة والبنية التحتية للشركات الموجودة بالمدينة لتسهيل ممارسة أنشطتها، بالإضافة إلى تبنى قضايا من الصناعة المصرية بالبحث العلمى وتطبيق نتائج البحث ومتابعة فاعليتها، وتصميم وتصنيع مكونات إلكترونية متقدمة بدلاً من الاعتماد على سياسات التجميع فقط، وإنشاء شركات تكون مملوكة للمدينة بمفردها أو بالمشاركة مع الغير، أو الاستثمار فى الشركات والهيئات والمؤسسات التى تزاول أنشطة مماثلة أو شبيهة بنشاطها، وأبضاً توفير كافة سبل التوعية والدعم والحماية لأعمال البحوث والدراسات والتجارب لتطوير تطبيقات التقنيات الحديثة والاختراعات من حقوق الملكية الفكرية والصناعية فى مجال الإلكترونيات للشركات التى تحتضنها المدينة، وتطوير المنتج المحلى وتعزيز تنافسيته أمام المنتجات الأجنبية المشابهة، وتوجيه العلوم والأبحاث والتكنولوجيا إلى الصناعات المستهدفة والتسويق للشركات المحلية لتمكين السوق المصرى وجذب المستثمرين.
لدينا حاضنات تكنولوجية مدعومة من أكاديمية البحث العلمي، وحاضنة «رواد الأعمال» بالتعاون مع مركز تحديث الصناعة وحاضنة «جرين الكتروبيكيا» بدعم من سويسرا ومركز «سيداري»، ونساعد على تطبيق الفكرة البحثية إلى جانب مبادرات لدمج الباحثين والمستثمرين وتوفير الدعم اللوجستى والفنى بالاستفادة أو كحق انتفاع، كما ان الشاب العادى غير الحاصل على شهادة علمية ولكن لديه فكرة مبتكرة يمكنه الأن أن يحظى باهتمام ودعم المعهد والمدينة من خلال تلك الحاضنات التكنولوجية.
> هل لديكم مشروعات ومبادرات قومية لنشر ثقافة ريادة الأعمال ؟
المعهد لديه العديد من المشروعات والمبادرات القومية التى تحفز الشباب على البحث والابتكار وريادة الأعمال منها إضافة منها مدينة العلوم والتكنولوجيا لأبحاث وصناعة الإلكترونيات ومبادرة «بوابتك للمستثمرين» والمقسمة الى 3 محاور من أجل مساعدة الباحث الذى لديه نموذج بحثى يريد تحويله الى منتج من خلال الوصول الى المستثمر المناسب، كما تم إطلاق مبادرة «Iprenuer» بالتعاون مع مركز تحديث الصناعة التابع لوزارة التجارة والصناعة لدعم الباحثين العاملين فى القطاع البحثى والأكاديمى للتوجه لإنشاء شركات ناشئة تعمل على تعزيز تنافسية القطاع الصناعى من خلال البحث والتطوير القائم على مفاهيم التحول الرقمى والثورة الصناعية الرابعة وتدعيم مفاهيم التكنولوجيا الخضراء، حيث يتم استهداف الأفكار والمخرجات البحثية القادرة على معالجة التحديات التى تواجه القطاع الصناعى فى مجال الإلكترونيات وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتحسين العمليات الإنتاجية ورفع جودة المنتجات.
المدينة أيضاً تتبع نهج الاستدامة فى فصل المخلفات ولدينا حاضنة «المخلفات الإلكترونية» للاستفادة من وجود كم هائل من أجهزة الكمبيوترات بسبب توجهنا نحو التحول الرقمى وإعادة تدوير القطع القديمة وتستخدم من جديد بحيث لا تصبح «كهنة» ولا يتم إهدارها.
«كنا فى البداية نركز فى التكلفة وان المنتج المحلى لابد أن يساوى أو يقل عن المنتجات الأخرى ونظيرتها، ولكن اليوم نتحدث عن توطين صناعة ولا ننظر للسعر، خاصةً بعد «كورونا» بعدما علمنا جميعاً انه فى اى لحظة لو اضطرت الدولة إلى الانغلاق على نفسها فى حالة الطوارئ يجب ان تكون جاهزة بمنتجاتها المحلية حتى لا تحدث أزمة اقتصادية، ولا نقول اننا لا نريد الأرخص ولكن الهدف الأول هو إشباع السوق بمنتجات صناعية ذات مكونات مصرية 100٪ ثم تخفيض تكلفتها لتنافس المستورد، والمخرج الان من الأزمات العالمية وتداعياتها بأن يكون لدينا منتجاتنا المحلية وأن البحث العلمى لا بد ان يفيد الصناعة المحلية واحتياج المجتمع المدني».
> هل لديكم مخرجات بحثية تدعم الصناعة والاقتصاد الوطنى ؟
المدينة لديها عدد كبير من المخرجات البحثية قابلة للتطبيق الصناعى فى كافة المجالات العلمية لخدمة أهداف التنمية المستدامة ورؤية مصر2030، ومنها شبكة من الحساسات توضع فى الأراضى الزراعية لتجميع المعلومات عن التربة واحتياج النبات فى الأراضى الزراعية من ماء وهواء وترسلها برسم جغرافى دقيق وهو مشروع «حاصل على براءة اختراع»، أيضاً مشروع جهاز محمول للتسخين الموجه للقضاء على سوسة النخيل الحمراء فى دقائق معدودة «حاصل على براءة اختراع» وتم تجربته فى محافظة الوادى الجديد وأثبت كفاءة عالية، ومعامل محاكاة للأجهزة التكنولوجية الحديثة تستخدم فى الجامعات ومدارس «STEM»، وجهاز للكشف عن الميكروبات والفيروسات «حاصل على براءة اختراع»وتم استخدامه على الأطفال فى مرض «الروتا والسالمونيلا» ومؤخرا فى فيروس «كورونا»، وجهاز يوضع فى السيارات القديمة لقياس منسوب المياه والحرارة لتجنب المخاطر ولقى إعجاباً شديداً من السوق المصري، و»أنتنه» على شكل نسر تسجل معلومات عن مرتدية وترسل وتستقبل البيانات، ومنتج «كشاف الليد» و»عدادات ذكية» و»بطاريات الليثيوم» للسيارات، ولدينا مكان مخصص للسياحة الافتراضية من خلال نظارات ثلاثية الأبعاد بها صور لمعبد الأقصر وأسوان والتماثيل الذى يشمله المعبد، ولدينا «تى شيرت» لقياس العلامات الحيوية فى الجسم النبض والمياه على الرقة وأصبح النسيج يمكن ان يستقبل ويرسل البيانات.
ولدينا عدداً من المخرجات البحثية لدى المعهد والتى تم تصنيفها وفقًا للقطاعات الصناعية التالية:
ففى القطاع الطبي مثلاً لدينا شريحة إلكترونية لمرسل منخفض الطاقة فى حيز تردد فائق الاتساع.
وجهاز استشعار حيوى لتشخيص وجود الأمراض المعوية فى العينات والسوائل الطبية.
وفى قطاع الاتصالات والإلكترونيات يوجد لدينامستقبل بتقنية الدوائر المتكاملة لدوائر الراديو اللاسلكية للجيل الرابع ومكبرات قدرة للعمل فى الموجات الميكروئية.
و فى القطاع الزراعى هناك مشروعات استخدام الطاقة الشمسية لزراعة النباتات فى الصوبات الزجاجية ورى الأراضى الزراعية باستخدام الخلايا الضوئية واستخدام الإلكترونيات الدقيقة من الإلكترونيات المدمجة وإنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعى وغيرها فى التنمية الزراعية من حيث تطوير أساليب الرى الحديثة والإرشاد الزراعى وغيرها.
وأجهزة استكشاف المياه الجوفية ولدينا المشروعات قابلة للتنفيذ فى قطاع الطاقة الشمسية والطاقة المتجددة وفى قطاع صناعة السيارات.
> هل المعهد جنى ثمار الجهد الشاق من البحث والتطبيق ؟
انعكس هذا التقدم الذى شهده المعهد على الإنجازات التى يحققها حيث حصل على مجموعة من الجوائز والشهادات منها شهادة ISO فى الجودة لثلاثة معامل، وفاز بالمركز الأول فى مسابقة «موزياك» فى التعاون مع الصناعة والابتكار، وحصد المركز الأول فى مسابقة «التميز الحكومي» فئة المبادرة الحكومية الابتكارية فى دورتها الثالثة، كما حصل على المركز الأول فى المبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء الذكية فئة المشروعات كبيرة الحجم، حيث ان المعهد يدار بالأنظمة الذكية لتجنب وقوع الحرائق وأسطح المبانى فى المدينة جميعها بنظام الطاقة الشمسية لتوفير استهلاك الكهرباء.
وحصد المعهد ايضاً 4 جوائز فى معرض القاهرة الدولى الـ7 للابتكار منها جائزة أفضل موقع إلكترونى للمراكز والمعاهد البحثية، وركزت المشروعات الفائزة على تعزيز النمو الاقتصادى وتحقيق التنمية المُستدامة من خلال إنشاء أنظمة جديدة تنافسية مُصممة للاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية، كما حصل على 6 براءات اختراع خلال العامين السابقين وسجل 4 براءات أخرى هذا العام، ويشار إلى أن نسبة البراءات التى تم الحصول عليها تبلغ 87.5٪ من إجمالى الطلبات التى تقدم بها المعهد للحصول على براءات الاختراع.