أمواج من الزيف والتزييف وتلال من الضلال والتضليل وجبال ثلجية من النفاق والتدليس، كلها تستهدف الحق والحقيقة فى أضخم وأقذر المعارك ضد الوعى الإنساني، التاريخ يتعرض للسرقة بالإكراه تارة وبالطرق الناعمة تارة اخري، والهدف من السرقة ليس السرقة والإخفاء بل العبث والتشويه وتغيير الملامح، قضايا عديدة وقعت فى فخ التزوير والتلاعب ووصلت إلى صفحات الكتب والمراجع بحالتها المبتسرة، إن أخطر ما يواجه المجتمعات الناهضة هو «إجهاض الهمم» بدلا من استنهاضها، ويعتبر التاريخ المصرى هو الضحية الأكثر تأثرا بمحاولات العبث ومحاولات التلاعب، لذلك أكتب كثيرا فى هذا المضمار، لكن أحداث غزة الأخيرة فتحت الباب على مصراعيه أمام هذه القضية الخطيرة، خاصة ان ما لدينا من وثائق وكتابات وبرامج لا يلائم عقلية واهتمامات الاجيال الجديدة، وطريقة العرض لا تمس شغفهم ووجدانهم، لذلك وجب علينا البحث العاجل فى خلق محتوى جديد يناسب هذه الثورة الجيلية المفاجئة، الملف ليس مسئولية الدولة وحدها بل تقع المسئولية على عاتق جميع القوى الناعمة ونصف الناعمة وكذلك الخشنة، ولابد من تقبل حالة الحوار والنقاش بلا حساسية من أى جهة، التاريخ وكتابته صناعة معقدة ودقيقة ومن وعى التاريخ فى صدره فقد أضاف أعماراً إلى عمره، فمن يقرأ التاريخ الحقيقى بوعى يستطع أن يفسر كل ما يدور حوله من أحداث وحوادث، ومن ثم يمكنه استشراف المستقبل بكل سهولة، فالتاريخ كائن حى يعيد نفسه بشخوص وظروف مختلفة، لكن الثابت الوحيد فى التاريخ هو الجغرافيا، لذلك ربما كانت خطوط ومنحنيات وتعرجات الخرائط أكثر صدقا وبلاغة من بيانات الساسة وتصريحات السياسيين والمختصين، أرى سرعة تشكيل لجنة قومية من أساتذة التاريخ والجغرافيا السياسية والمفكرين لإعادة كتابة التاريخ المصرى بشيء من الدقة ليكون أقرب الى حقيقة ما جرى من أحداث سياسية واجتماعية وغيرها، فتاريخنا تم اختطافه وتزييفه من أصحاب المصالح وبعض صناع القرار والمنتصرين فى الحروب الشخصية، لذلك نرى تشوهات تاريخية عديدة عن مصر الفرعونية والقبطية والإسلامية وكذلك فترات حكم الأيوبيين والمماليك والفاطميين والعثمانيين والاسرة العلوية وفترة السلطنة والمملكة وبدايات الجمهورية وكذلك ثورات المصريين والحروب المصرية داخل وخارج القطر المصري، الخلاصة نحن أمامنا فرصة كجيل لنعيد تصويب أخطاء تاريخية عديدة ومنها إعادة كتابة التاريخ حتى يمكننا إعادة قراءته لإعادة بناء الشخصية المصرية مجددا.