هو خير يوم طلعت عليه الشمس.. هو أعظم أيام الله.. يجتمع فيه الضيوف سنويًا والذين يأتون سراعًا من كل حدب وصوب.. وعلى اختلاف ألوانهم وصنوفهم ومشاربهم تحت راية واحدة وهى الإسلام.
الكل فى حالة وجد ونشوة ونكران الذات.. وكأنهم انصهروا فى بوتقة عشق واحدة للواحد الأحد الجميع يرفعون عقيدتهم بالدعاء عسى أن يغفر الله لهم ويتجاوز عن سيئاتهم وينقيهم من الخطايا كما ينفى الثوب الأبيض من الدنس وكأنهم ولدوا من جديد بلا ذنوب.. الجميع فى حضرة الذات الإلهية صاحب أعظم واكبر مؤتمر إلهى دعا إليه عباده ويباهى بهم ملائكته.
أقول ذلك بمناسبة وقفة عرفات غدًا.. لأداء الركن الاعظم من الحج وهو الوقوف على صعيده الطاهر والذى بدونه فلا حج له وكلما أتت هذه الذكرى العطرة.. تذكرت أول مرة أتشرف بها بزيارة الأراضى المقدسة لأداء الركن الخامس من أركان الإسلام الخمسة.. ومتعة هذا اليوم الرائع والذى تحفه الملائكة ويباركه الله وينزل فيه رحماته ملبيًا لدعوة الداعين بقولهم بنفس واحد وهو «لبيك اللهم لبيك.. لا شريك له لبيك.. لبيك وسعديك والخير بيديك تباركت وتعاليت لبيك وحنانيك..» وهذا يعنى أن الله يقول لعبده أصبحت مجيبًا لدعوتك مسرعًا إليها مقيمًا على طاعتك ممتثلاً لأوامرك مجتنبًا لنواهيك.
فى مثل هذا اليوم.. أتمنى تكرار هذا النداء الإلهى بأن ينعم عليّ ويكتب لى الحج مرة أخرى وأخري.. فالذى يذهب إلى هناك لا يشبع أبدًا.. لأنك على مائدة ربانية روحانية تنسيك نفسك وأهلك.. لأنك فى حضرة الله سبحانه.. وهى صراحة متعة ما بعدها متعة.. وشرف ما بعده شرف.. ورضا ما بعده رضا من الله على عبده الراغب فى التوبة والطامع فى المغفرة والرحمة من خالقه.
خاصة وأن الراغب فى الحج يكون بصحبة الأهل والاصحاب.. وهذا ما فعلته.. فقد فضلت الاقامة مدة الحج الذى استغرق أسبوعًا مع شقيقتى رحمها الله ــ التى كانت تقيم فى مكة رغم أنها لم تكن تقيم بالقرب من الحرم المكي.. فالصحبة جميلة مع شقيقتى وزوجها رحمها الله وأولادهما وكذلك مع شقيقى الذى قرر الحج ليكون معنا وكان يقيم فى الرياض ورغم أننى كنت سأقيم فى أبراج مكة المطلة على الحرم مباشرة حسب الاتفاق مع منظم الحج فى الدوحة التى أقيم بها للعمل كصحفى بجريدة الراية القطرية.
صراحة كانت شقيقتى رحمها الله.. فيها الأحبة والاشقاء فى شقة شقيقتى رحمها الله.. بالإضافة إلى كل ضيوف الرحمن الذين تواجدوا فى الخيام المنصوبة فوق جبل عرفات وكانوا حريصين على تناول الطعام جماعة والتسابق لتقديم الطعام والشراب وتلبية أى خدمات.. لذا لم أزل أتذكر تلك الحجة الممتعة المحفورة فى الذاكرة المتعبة رغم مرور حوالى ٠٣ عامًا عليها.. على أمل أن يكتبها الله سبحانه لى ثانية.. أو للعاشقين أمثالي.. وأن أقف ثانية على جبل عرفات الذى اختلف العلماء على سبب تسميته حيث وردت عدة أسباب.. منها أن سيدنا آدم أبو البشر وحواء تعرفا عليه.. بعد نزولهما من الجنة فى مكانين مختلفين.. وظلا يبحثان عن بعضهما حتى التقيا صدفة على جبل عرفات ليتم لم الشمل وينجبان ويعمران الأرض.. وقبل أيضا أن سيدنا جبريل كان يطوف بأبو الأنبياء سيدنا إبراهيم ليعلمه المناسك ويقول له.. «عرفت عرفت».. كما قيل الناس يجتمعون عليه ليعارفوا.. وقبل أن الحجاج على هذا الجبل يعترفون بذنوبهم.
مازلت أتذكر فى هذه المناسبة عندما تقف صغيرًا غض الوجه.. اسمع ما يردده المداحون على الدفوف والربابة عندما يعود الحاج إلى منزله.. والكم الكبير من المباركين وكأنهم يريدون أخذ البركة منه.. ومازلت اتذكر تلك النفوس التى كانت تزين واجهات منازل الحجاج بالقرية الوادعة فى أحضان الريف والكلمات المكتوبة بجوار السفينة أو الطائرة المرسومة حج مبرور وذنب مغفور.. ومازلت اتذكر الهدايا التى يوزعها أهل الحاج وعبارة عن سبحة وطاقية ومسواك وبخور وربما ملابس حسب وضع الحاج المادى كتذكار مبارك من الأراضى المقدسة.